أحرقوا المصحف فانحرق حريشنا

إذا كنتم تغضبون فعلاً وتتظاهرون لرسمةٍ من حبر، فأرجوكم على الأقل: “تظاهروا” بالتظاهر من أجل الدم. عدّلوا مفهوم الشرف المشوَه لديكم. إنّ شرف الأمة في استقلالية قراراتها، في حرية مواطنيها، في حرمة دمائهم، في كرامتهم داخل أوطانهم وخارجها

أحرقوا المصحف فانحرق حريشنا

Afghanistan

القس تيري جونز. هل نعمل لديه؟


|علاء أبو دياب|

“أعلن القس تيري جونز، راعي كنيسة أميركي متطرف، يوم الخميس، أنه ألغى خطته لحرق بعض نسخ من القرآن الكريم، يوم السبت الموافق للحادي عشر من سبتمبر لعام ألفين وعشرة… يُشار إلى جونز كاهن مغمور متطرف يرأس كنيسة صغيرة مقرّها في بلدة جينسفيل بولاية فلوريدا الأميركية.”

أعتقد أنّ الجميع قرأ هذا الخبر الذي تصدّر وسائل إعلامنا العربية في الأسبوع المنصرم.

إنتظر لحظة قبل أن تحتدّ وتبدأ بالتهديد والوعيد إذا كنت متدينًا، أو إلقاء الخطب العصماء عن الحريات وإحترام الآخر، إذا كنت يسارياً أو علمانيا أو ليبرالياً أو حتى ملحداً.

أنا أتفق مع كليكما في أنّ هذا فعل مشين وينمّ عن حقد على الإسلام والمسلمين والأمة العربية جمعاء بمسيحييها ومسلميها وأقلياتها الأخرى (صدمتك بعبارة أقلياتها الأخرى! نعم أخي المسلم لحسن حظنا في غيرك بالوطن العربي حتى لو إنك بتنكر وجوده جهلاً به أو كرهاً له) ولكن ما لا أتفق فيه معكما ولا مع أمتي العربية من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر (علينا)، ولا مع الأمة الإسلامية المليارية -إذا جاز أعتبارها أمة واحدة- هو ببساطة وبالعامية الفصحى إنهم “بطوشوا على شبر مي”.

لقد أصبحنا الباب الأسهل والأوسع للشهرة! لقد تجاوزنا هوليوود ودوري أبطال أوروبا وبرنامج أوبرا؛ نحن طريقك إلى الشهرة. نحن برنامج سوبر ستار الأشهر عالميًا، قدّم لنا طلبك حتى لو كان صوتك ضعيفاً وجمهورك أضعف ولا يتجاوز المئة.. لا تحفل إذا كان رسمك مضحكاً ولا يمتّ للكاريكاتور بصلة.. لا تكترث إذا كنتَ كاتبا مملاً وروايتك بلا حبكة أو مغزى؛ فنحن لن نفكر في عدد أتباعك ولن نرى رسمك ولن نقرأ كتابك. فلا وقت لدينا لكلّ هذا لأننا فعلياً قد بدأنا حملة التسويق لك بمسيرات تجوب العالم كلَه!

أرسمونا إرهابيين ولكن لا تلمسوا شعرة من طفل؛ أحرقوا ما شئتم في بلادكم ولكن لا تحرقونا وأرضنا بالفوسفور الأبيض

لن أخوض في سلمان رشدي وعدد من أطَلع على كتابه، ولا رسام الكاريكاتور الدنماركي الذي لم يحلم قبلنا بكلّ هذه الشهرة والأضواء. سأتحدث أولاً عن هذا القسّ الذكيّ الذي استطاع أن يضع كنيسة مغمورة لا يتجاوز عدد تابعيها المئتين في واجهة الأحداث العالمية. لقد استغلنا أيّما إستغلال. فلم يحلم هذا القسّ يومًا في أن يكون سبباً لمظاهرة في جاكرتا، وثورة غضب في طهران! أقسم بأنه الآن هائمٌ في حبّ الإسلام والمسلمين. حملة كالتي تبرعت الأمة مشكورة بأن تقيمها له كانت ستكلفه الملايين ولن تكون صادقة وعفوية ومقنعة ومغطّاه إعلامياً كتلك.

ما الذي حاول هذا الإنسان فعله؟ كان سيحرق القرآن! وماذا في ذلك؟ حرق القرآن ليس حراماً شرعاً. لو ذهبت إلى أيّ شيخ في أيّ جامع وسألته “يا شيخنا عندي مصحف مهترئ، ما هي الطريقة الشرعية لإتلافه؟” لقال لك أحرقه! أعلم أنها ليست نفس النوايا ولكنها ليست بالكارثة. لو أنّ هذا الأنسان قال في كنيسته ما قال، ولم يكترث له أحد لما تمادى في فعلته. إنه ليس بابا الفاتيكان، وإذا كان حاقدا على المسلمين هو وأتباعه المئتين “خلّيه يخبط راسه بالحيط.. يعني المسلمين مش أنبياء ما في عندهم ميتين حزب إسلامي حاقد على الصليب نفسه”.

ولكن أبشّركم أخواني بأنّ هذه الموضة ستزداد انتشارًا من كل مُحبّي الشهرة ما دمتم بصحتكم وإيدكم والمظاهرات. إذا كنتم من هواة التظاهر فلتتظاهروا على ما يستحقّ الغضب فعلاً.. إنّ مقتل عائلة بأكملها تتنزّه على شاطئ غزة هو شرف الأمة؛ إغتصاب وقتل فتيات العراق ونهب ثرواته هو شرف الأمة؛ موت ابن هذه الأمة جوعاً في الصومال هو شرف الأمة. وهنا سأستشهد بكلام النبي محمد حين قال: “لأن تهدم الكعبة حجرًا حجرًا أهون على الله من أن يُراق دم امرئ مسلم بغير حق”. أسمعتم؟ هذا كلام نبي أمة الغاضبين!

إذا كنتم تغضبون فعلاً وتتظاهرون لرسمةٍ من حبر، فأرجوكم على الأقل: “تظاهروا” بالتظاهر من أجل الدم. عدّلوا مفهوم الشرف المشوَه لديكم. إنّ شرف الأمة في استقلالية قراراتها، في حرية مواطنيها، في حرمة دمائهم، في كرامتهم داخل أوطانهم وخارجها. كرامتي لم تُمسّ برسمة أو حرق مصحف ولكنها مُسّت في كلّ المطارات وعلى كلّ الحواجز. كرامتي أهدرت وشرفي ضاع حين وقفت عاجزًا أمام التلفاز أرى شعبي يُقتل ورؤسائي يمدّون أيديهم إلى القاتل بمبادرة ذلّ رفضها الإسرائيلي كرمًا منه، وكأنه يقول لي: لن أرضى لك الهوان حتى إن قبلته لنفسك.

إنّ شخصاً غبياً كليبرمان صار وزيرًا للخارجية بفضلنا. نحن أفضل مكتب عمليات إنتخابية على الإطلاق. “هذا الزلمة تبع حكي.. شغل صياح فاضي”. هذا الذي نعتبره العدوّ الأول للفلسطينيين لم يقتل فلسطينياً يوماً، في حين أنّ أصدقاءنا شركاء السلام ومستضيفينا على موائد الأفطار الرمضانية فعلوا (يا عمّي إتركوه يحكي ما حدا إلو على الزلمة! هو بس يضلَه يحكي ويخلف عليه.. خليه بمرحلة الحكي ما توصلوا بسذاجتنا ودعايتنا لإله لموقع سلطة يصير عنده القدرة ينفذ! بطلوا حاطين صوره في حملاتكم الانتخابية وبطلوا جيبوا سيرته.. وردّوا على الصحافة لما تسألكم عنّه بابتسامة معناها إنو هذا مسكين ومضحك ولا يستحق الرد. الإنتخابات الجاي في أحسن حالاته بقدر يدخل يشرب قهوة بكافتيرية الكنيست).

باروخ مارزل وأيتمار بن جفير مثلاً لم يستطيعا جمع أكثر من مئة شخص للتظاهر في أم الفحم. رافق هذا المجنون 2500 رجل شرطة وتظاهر أمامه من العرب ما يزيد عن هذا الرقم؛ حدا يفهمني ليش!؟ هل أم الفحم هي القبلة الأولى أو بيت الله الحرام أو مهد المسيح؟ لا أقلل من قيمة أم الفحم ولكن هل هناك من نصّ شرعيّ أو عُرف وطنيّ يقضي بحرمة دخول اليهود إلى أم الفحم؟ أعلم أنها كانت مظاهرة لأثبات الوجود والاستفزاز، ولكن أعلم أيضاً أنهم أولاً وأخيراً قاموا بها تحت بند نحن أيضاً نريد الشهرة وليبرمان ليس أفضل منّا. ونحن لبساطتنا كنّا ساذجين وردّات أفعالنا متوقعة إلى حد الطفولة السياسية وليس فقط المراهقة السياسية. نجحنا في جعل مارزل ورفاقه نجوم الأخبار. وفي المرة القادمة سيختار مدينة أخرى ولكن لن يكون معه مئة فقط. تخيلوا معي لو أنّ أم الفحم أخذت قرارًا بتجاهل هذا الحاقد واستمرت الحياة على طبيعتها مع بعض التقليل من التواجد بالشوارع، ولو أننا مررنا بهم ضاحكين مستهزئين من عددهم القليل مثلما يمرّون علينا ضاحكين عندما نتظاهر ببضع عشرات عند مفترق طرقات رئيسيّ؟ وجعلنا بعض أطفالنا يلحقون بهم للهو معهم مثلما يفعلون مع مجموعة مهرجين دخلوا للترفيه عن سكان المدينة. ماذا كان سيحصل باعتقادكم؟ من وجهة نظري سينسحب حَمَلة الكاميرات من كلّ القنوات لأنّ مرور مئة “هَبيلة” في مدينة هادئة ليس خبرًا ذا قيمة، وسينسحب هو مُستفزاً بدل أن يستفزنا. والأهمّ أنه لن يحاول ثانيةً لأنّ وسائل الأعلام لن تتبعه لتغطية خبر مرور خمسين شخصاً –هذا إذا استطاع جمع خمسينًا في المرة الثانية- في مدينة تعيش حياة طبيعية. هذا بالضبط ما يحصل في تظاهراتنا عندما نتوسّل وسائل الأعلام تغطية مظاهرة من خمسين شخصًا لا يكترث بهم أحد في أحد شوارع حيفا.

لقد آن الأوان لعقلنة ردّات فعلنا الطفولية، وتوجيه غضبنا لما يستحق الغضب وتعريف كرامة الأمة وشرفها تعريفاً منطقياً بعيدًا عن الهيجان المرضيّ المبنيّ على أوهام وعنتريات فارغة. أرسمونا إرهابيين ولكن لا تلمسوا شعرة من طفل؛ أحرقوا ما شئتم في بلادكم ولكن لا تحرقونا وأرضنا بالفوسفور الأبيض؛ لن يغضبني فيلم تصوّرني فيه بالهمجيّ ولكن سيغضبني أن تصوّره في بلادي. واعلم أنّ الرسم بالرسم، والدم بالدم، والمحتل أظلم.


المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

8 تعقيبات

  1. Bravo. Excellent article.
    Please continue

  2. احسنت مقال رائع
    انا انسان مؤمن ، وانا أعتز بكوني مسلمة
    لكن قولك صحيح
    نحن السبب في شهرة هؤلاء
    نحن السبب في تحقيق شهرة رسام الكاريكاتورز الدنماركي (انه ولا واحد بالعالم كان سامع عنو لو ما صار مظاهرات هبل علشان الرسومات)
    راهب الكنيسة نفس القصة ..
    يا ليتنا نثور على دم الأطفال ، على الفوسفور ، على الحرية

    شكرا لك

  3. الجميع يركز على ما يريدون في حين أن ننسى ما يهم.

    ايها المسلمون : في كل صلاة جمعة الشيخ يتحدث عنا نحن المسيحيين بالسيئات دون معرفة كل الحقائق لانهم ينظرون الى الشكليات فقط، مع العلم أن جميع المدارس المسيحية تحتوي على الطلاب المسلمين الذين لا يتم التعامل معهم بأي تمييز.

    ما يهم حقا في هذا العالم هو طي النسيان.
    لماذا تنظرون دائما في الامور السطحية ونسيان الأمور الهامة؟
    الناس يريدون حرق الكتاب المقدس والقرآن ، انها ليست نهاية العالم ، ببساطة لأن إيمانك لن يقل بسبب حرق الكتب، على العكس من ذلك سوف تزيد لأنك تريد أن تدافع عن دينك.

    لماذا لا نبدأ في التفكير في السلام العالمي ، والمجاعة في العالم؟

    لماذا لا نتوقف عن دفن رؤوسنا في الرمال ونبدأ في النظر من حولنا؟
    لماذا لا نبدأ في التصرف كأمة العربية واحدة من أجل إيجاد حل للمشاكل الحقيقية التي نعيش فيها؟

  4. هالمقالة بتذكرني بقول لكوندليزا رايس وقت احتلال العراق لما صارو يتخوفو من رد الشارع العربي قالت وقتها بما معناه أنو الشعوب العربية بيثورو بالكتير شهر وبعدين بينسو لأنو نحنا شعوب انفعالية وأبعد مانكون عن العقلانية وبزعل لما بقول أنو مافي بعد نظر أو هدف لكلشي عم نعملو
    وبتذكر موقف تاني كمان لما صارت أحداث جنين تظاهرت الجاليات العربية بكندا وكانو عم يشترو أعلام فلسطينية من محل ولما خلصو الأعلام الفلسطينية من المحل عرض عليهم صاحب المحل يشترو العلم الإسرائيلي بعدين عصبو شو العلم الإسرائيلي بعدين قال صاحب المحل اشترو واحرقو طبعا اشترو كل الأعلام وحرقوها طلع صاحب المحل صهيوني وأكيد هالأموال يللي كسبها وصلت لإسرائيل بوسيلة أو أخرى

  5. ما لازم نلوم الناس اللي عمتحركها عاطفتها لاني ما فيها تعمل اي شي تاني . هيك قصص مالازم تمرق بدون اي رد فعل بس مو شرط يكون شعبي . لازم يكون رسمي . ولما يوم بعد يوم بيطلع الصبح و بيصيح الديك و الناس شايفة التطنيش و التطاول على دينها او معتقدها او بلدها عميزداد يوم بعد يوم شو بتتوقعو رد الفعل يكون ؟؟؟؟؟ اكيد بتتذكروا من كم سنة لما طالبان صرحت انه رح تدمر تمثال لبوذا كيف العالم كله جن و ماضل رئيس ولا منظمة الا واتدخلت حتى انه وفد من المشايخ راح و زار التمثال و اعلن رفضه لتدميره . قال شو لانه يخص الحضارة الانسانية . بينما لما الامر بيتعلق بالاسلام بتصير القصة قصة تطرف و الساقط القس لما صرح انه تراجع قال انه الهدف كان اظهار مدى همجية المسلمين تصوروا صرنا همج لانه عمنحاول ندافع عن كرامتنا و بابسط الطرق و هي التظاهر .

  6. تشكر اخ علاء على هالكلام العقلاني بس سؤال واحد ماهو الحل برأيك امام شعوب هي مقتنعة بكلامك ان لم تكن بكاملها فبمعظمها ؟ هي شعوب مقتنعة بأن هكذا افعال الرد عليها يجب ان ياتي من حكومات و ليس شعوب بس للاسف الحكومات بصمت و دائما تحتفظ بحق الرد . انا لا اتكلم عن هذه الواقعة فقط بل عن كل المهاذل التي سبق و اصابتنا للاسف تحولنا الى شعب التظاهر لانه اقصى ما نستطيع فعله .

  7. ” لقد آن الأوان لعقلنة ردّات فعلنا الطفولية، وتوجيه غضبنا لما يستحق الغضب وتعريف كرامة الأمة وشرفها تعريفاً منطقياً بعيدًا عن الهيجان المرضيّ المبنيّ على أوهام وعنتريات فارغة. أرسمونا إرهابيين ولكن لا تلمسوا شعرة من طفل؛ أحرقوا ما شئتم في بلادكم ولكن لا تحرقونا وأرضنا بالفوسفور الأبيض؛ لن يغضبني فيلم تصوّرني فيه بالهمجيّ ولكن سيغضبني أن تصوّره في بلادي. واعلم أنّ الرسم بالرسم، والدم بالدم، والمحتل أظلم “..

    خيرُ الكلام.. شكرًا..

  8. ولك يسلم تمك ، لا فض فوك .. ولك هدا صوت العقلانية والفهم اللي للاسف معدوم حاليا حتى بين الطبقة التي تدعي انها مثقفة في العالم العربي وهنا في الداخل.
    الدين افيون الشعوب اللي مخدر شعبنا العربي وبلهيه عن قضاياه المصيرية

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>