الاغتراب باللغة – ثورات أجندات وتابوهات لغوية / نسرين مزاوي

ان كانت الكلمات “مثلي” و”مثلية” هي فعلا إنجاز لغوي ثقافي يحتفي به المثليين والمثليات في المجتمعات العربية لماذا يتم التنازل عن هذا الإنجاز الغض لصالح إستيراد مصطلحات لغوية خارجة عن السياق التاريخي السياسي والثقافي المحلي للمكان؟!

الاغتراب باللغة – ثورات أجندات وتابوهات لغوية / نسرين مزاوي

l نسرين مزاوي l

عندما تعبر الكلمة عن اجندة من الأفضل أن نعي الأجندات المختلفة من وراء الكلمات، وعندما تتمحور الأجندة في كلمة من المُحبذ التدقيق بإختيار الكلمات.

منذ قرابة العشر سنوات بدأ الحراك العربي المثلي بالظهور أجتماعيا وسياسيا. حلم، اصوات والقوس، ثلاث جمعيات مثلية عربية بدأت بالعمل بشكل أو بآخر في السنوات الأولى للألفية الثانية، وتلاها فيما بعد ميم، بداية وغيرها. حلم – حماية لبنانية للمثليين والمثليات والثنائيين والثنائيات ومتغيري ومتغيرات النوع الاجتماعي، أصوت – نساء فلسطينيات مثليات والقوس للتعددية الجنسية والجندرية في المجتمع الفلسطيني.

في السنوات الأولى للعمل بحث المثليين العرب عن كلمة بديلة للكلمات “سحاقية”، “لوطي” و “شاذ” حيث تستعمل هذة الكلمات للذم وتم أستحضار كلمة “مثلية” للتعبير عن الهوية الجنسية المثلية باللغة العربية. مع السنوات تم تذويت الكلمة من قبل الأقطاب المختلفة المعارضة والمتضامنة وتحولت كلمة “مثلية” الى جزء من اللغة يتماهى معها المثليين والمثليات وتفسح للنقاش مساحة اوسع من المساحة التي حُصِرت بكلمات الذم المختلفة. تثبيت الكلمة “مثلية” لغويا هو إنجاز اجتماعي سياسي وثقافي للحركة المثلية العربية لا بُد ان يُحتفى به، ولكي نفهم قدر هذا الأنجاز يتوجب علينا الوقوف ولو قليلا حول الكلمات المختلفة المستعملة اليوم عالميا ومحليا للتعبير عن هذة الهوية معانيها والأجندات المختلفة التي تعبر عنها.

اكثر الثقافات المهيمنة عامة وفي الخطاب المثلي خاصة هي الثقافة الغربية الأمريكية لذلك لتوضيح الفكرة سأتطرق الى المصطلحات المستخدمة بهذة الثقافة وبعضها يُستعمل محليا بتلقائية وعفوية يومية ومن ثم سأعود الى المصطلحات العربية.

في اللغة الإنجليزية تستعمل كلمات مختلفة للدلالة على المثلية الجنسية وكل من هذة الكلمات تبطن بداخلها اجندات سياسية اجتماعية معلنة او غير معلنة، فكلمة Gay  على سبيل المثال ترمز الى المثليين عامة واستعمالها يحظى بنقض من المجموعات النسوية حيث أنها تضم المثليين الرجال والنساء بخانة واحدة الا أن الواقع الأجتماعي الثقافي والأقتصادي لهاتين الفئتين مختلف تماما ومن هنا فان إستعمال كلمة واحدة للتعبير عن هاتين الفئتين المختلفتين ما هو، بمنظور نسوي، الا تعتيم على خصوصية النساء المثليات وإجحاف بحقهن وبحق قضاياهن. من هنا تصر تيارات نسوية على إستعمال كلمة Lesbian ومن خلالها يتم إلقاء الضؤ لغويا اولاً وقبل كل شيئ على الخصوصية النسائية في الوضعية المثلية. بالمقابل، كثيرا ما يتم إستعمال كلمة Homosexuals الا أنها تثير الحساسية لدى رجال ونساء على حد سواء حيث يرى بعضهم انها تشدد على البعد الجنسي للهوية وتحصرها وتحددها بالممارسة الجنسية بينما هي أوسع من ذلك. بالمقابل لهذة الكلمات توجد كلمات أخرى لتعبر عن فئات مختلفة داخل هذة الفئة مثل: Bisexual, trans-gender, trans-sexual  وكلمات أخرى لن اطيل بتفصيلها جميعا.

ارتفع في السنوات العشر الاخيرة بشكل ملحوظ استعمال كلمة Queer، ولم تقتصر الكلمة على هوية انما تطور الخطاب حولها ليتحول الى نظرية فكرية ذات اجندة سياسية اجتماعية من المجدي الوقوف عليها قليلا والتمعن بها.

كلمة “كوير” قد تترجمها بعض القواميس الى “غريب الاطوار” إلا انها في الواقع تخلط بين هذا وبين الجنون فالكوير هو بمثابة المعتوه والأخرق والأبله وقد استعملت هذة الكلمة أصلاً للدلالة على المثليين لشتمهم وإهانتهم. مع الثورة المثلية في المجتمعات الغربية قام المثليون والمثليات على مدار سنوات بإسترداد الكلمات ومن بين الكلمات التي إستردوها وحولوها الى مصدر قوة هي الكوير وتستعمل اليوم للتعبير عن “هوية لا هوية لها”.  فيفترض الفكر الكويري والنظرية الكويرية ان الهوية غير ثابتة ويجب الأمتناع عن تحديدها وقولبتها. فاذا كنتَ اليوم ذكرا هذا لا يعني أن لا تكون غدا أنثى وأن كنت اليوم مثليا غدا قد تكون مغايرا أو متحولا أو ثنائيا وغيرهم وربما قد تجمع بين عدة مركبات قد تبدو للوهلة الاولى متناقضة وربما قد تمتنع عن اي تعريف وعن اي هوية. الهوية الكويرية اليوم لا تقتصر على الدلالة على الميول الجنسية انما على انتماءات وهويات سياسية وغيرها ناقضة لمنظومة الهويات المصقولة والمفهومة ضمنا كالهوية القومية أو العرقية أو الدينية وغيرها. لن أطيل بالتنظير الكويري لكن أكتفي بالقول ان ما جاء به فوكو وباتلر فيما بعد ليمحي الهويات ويتعالى عليها جميعا ليدمجها في خليط متجانس ومتساوي وفي حيز لانهائي من المساواة ومن الحرية، تحول الى هوية أخرى كغيرها من الهويات وان كانت جذرية الا انها مساوية لأي هوية أخرى تختزل وتأطر الفرد بهوية فكرية سياسية اجتماعية وثقافية تتماهي والفكر الكويري. لكن الأنكى من هذا هو عملية مصادرة هذة الكلمة من “المعتوهين” و”الخرقاء” و”البلهاء” بواسطة التنظير الجم حولها وتحويلها الى كلمة يتباهى المرفهين بالتماهي معها.

ان كلمة “كوير” من حيث السياق الثقافي التاريخي ما هي الا اقرب الى كلمة “شاذ” باللغة العربية، وفي السنوات الاخيرة تم إستيراد كلمة “كوير” لكن كلمة “شاذ” بقيت في مكانها، فلم يحلو من الثورات غير الثورات المستوردة. بالإضافة الى هذا فأن نشاط المثليين السياسي في حركة المقاطعة أضاف الى سلة المصطلحات المستوردة مصطلح ال pinkwashing وهي كلمة لن تجدوها في القواميس المختلفة، ومحاولة ترجمتها الى اللغة العربية هو تحدي لا يستهان به. في أحسن الحالات ستعرض عليكم القواميس المختلفة ترجمتها ككلمتين منفصلتين وليس كلمة واحدة وان أردنا ترجمتها عنوةً فستكون “غسيل زهري” أو “شطف وردي” وهكذا ستبدو كأضحوكة خفيفة مثيرة للدعابة لا لأي شيئ أخر. طبعا لكي نرد الى الكلمة مكانتها ومعناها الدقيق لا بد ان نستورد معها ملاحقها الثقافية وسياقها التاريخي والسياسي. فاللون الزهري بهيئة مثلث مقلوب، لمن لا يعلم، هو الرمز الذي استعمله النازييون للمثليين الرجال في معسكرات العمل والأبادة النازية، اما للنساء فقد استعمل المثلث الاسود، وقد تحولت هذة الرموز والالوان فيما بعد الى رموز مثلية يتماهى معها المثليون ويفتخرون بها. من هنا فان مصطلح “البينكواشينج” يستعمل للدلالة على طرف يستعمل الحقوق المثلية وموقفه المنفتح ازاء المثليين وقضاياهم بهدف “تبيض وجهه” والتغطية على أمور أخرى قد تكون جرائم بحق الإنسانية كجرائم اسرائيل مثلاً المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني.

من هنا اود العودة الى الكلمات العربية لأطرح تساؤلات لغوية تكمن في طياتها أجندات سياسية أجتماعية وثقافية. اولاً، ان كانت الكلمات “مثلي” و”مثلية” هي فعلا إنجاز لغوي ثقافي يحتفي به المثليين والمثليات في المجتمعات العربية لماذا يتم التنازل عن هذا الإنجاز الغض لصالح إستيراد مصطلحات لغوية خارجة عن السياق التاريخي السياسي والثقافي المحلي للمكان؟! ثانياً، إن كان ولا بد التعبير عن هوية ثورية جذرية (راديكالية) كالهوية الكويرية لماذا لا تُستخدم كلمة “شواذ” لماذا يتم إستيراد كلمة “كوير” المنقحة والنقية والخالية من المذمة بفهومها المحلي، لماذا لا تكون الثورة عربية في عصر كله ثورات عربية؟ لماذا يتم إستيرد ثورات الأخرين مصقولة مهذبة وسوية؟ فإن كانت خُلاصة رسالة الحراك المثلي العربي أن المثلية موجودة بكل ثقافات العالم وبكل مجتمعاته منذ الأزل وأن على كل مجتمع أن يجد طريقه لاستيعاب وإحتواء أفراده وتقبلهم على مجمل هوياتهم، انتمائاتهم ومعتقداتهم فهل يجد المثليون العرب طريقهم الى احتواء مجتمعاتهم واستيعابها لتحتويهم وتستوعبهم بدورها أم يغتربو عنها بلغتهم فتغرب عنهم وجهها؟!

نسرين مزاوي- باحثة إجتماعية وناشطة نسوية – الناصرة

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

8 تعقيبات

  1. لنوسع افقنا قليلاً, لاستبدال “كويير” ب “شاذ” ليس انجازاً انما استبدال مصطلح بمعنى قريب له بشكل ترجمة حرفية.
    بينما بامكاننا استخدام كلمات عامية عربية, ذات معنى سلبي, لكن ليس سلبي جداً,و ليس اقصائي, مثل كلمة “تبع ولاد”, حيث ان الكلمة لا تقترح هوية جنسية, انما ميول نحو الجنس الآخر, وانا خلال عملي اقابل الكثير الكثير من الرجال, عملاء وزملاء, من كافة الفئات العمرية, اللذين يجاهرون بميولهم نحو بعض الرجال, في حين ان كلمة “شاذ” كبيرة جداً عليهم, اجد عندما اصفهم/يصفون بعضهم ب “تبع ولاد” “نفسك فيه” “نفسك بتهف عليه” يضحكون.
    لذلك ربما علينا البحث عن كلمات غير مباشرة وهية كثيرة بالمناسبة

  2. أعتقد أنه من السطحية بمكان الحديث عن الإبداع اللغوي بمعزل عن الحالة الإبداعية العامة لدى متحدثي اللغة نفسها، فمشكلة اللغة العربية من حيث استيعاب الكلمات ليست جديدة، وليست مقتصرة على المصطلحات المثلية، إنها مشكلة مزدوجة: أولها ما ذكره ياسر، وثانيها مشكلة الوعي العربي غير المبتكر وغير الطيّع وغير القابل لاستيعاب الجديد، وما اللغة إلا وعاء هذا الوعي، فلا عجب إذًا من ضمور الإبداع داخل اللغة نفسها على ضوء الحالة الحضارية العربية العامة. وهنا لا بد من التنبيه لعبثية اندفاعك الانفعالي تجاه الثورات العربية وتحميلها أكثر مما تحمل، فهي لا شك إطار مهم ولا بد منه لخلق ثقافة التعددية والتنوير وبالتالي الإبداع الحضاري، ولكن هذه الثقافة ما زالت فجة، نحن نشهد ولادة الإطار فحسب.
    أما بالنسبة لكلمة مثلي/ـة فهذه الكلمة نشأت بفعل الضرورة، فلم يكن مقبولاً تذويت الإهانة من خلال استعمال كلمة “شاذ”، ولذلك لا أرى في الدعوة إلى استعادة كلمة شاذ أي انجاز، بل على العكس، سيكون ذلك خذلانًا للمنجز اللغوي المبتكر “مثلي/ة”.
    وتجدر الإشارة إلى أن استعمال كلمة كوير باعتبارها هوية -في بدايات استعمالها- كان استعمالاً استفزازيًا للمجتمع وتحديًا له وقول واضح حول تقبل الهوية مهما كانت تعتبر اضحوكة، تمامًا مثل المظاهرة العارية “مظاهرة الشراميط” في كندا ردًا على وصف الشرطي لامرأة لبست تنورة قصيرة بأنها “شرموطة/slut”.
    ولكن كلمة شاذ لا تقابل كلمة كوير بتاتًا لأنها كلمة اقصائية أكثر من كونها وصفًا لفئة اجتماعية لها ملامح وصفات كما في “كوير”. وحتى لو وجدت تلك الكلمة المقابلة لكوير، فإن استخدام هذا الاسلوب الاستفزازي و”الفضائحي” بين مزدوجين ما هو إلا نسخ للنموذج الغربي، وبهذا تناقضين نفسك، حيث نرى أنك حساسة جدًا لأي تأثر بالثقافة الغربية.
    أنا أرفض كلمة شاذ وأدعو إلى الابتكار والابداع والأصالة اللغوية والثقافية لكن بدون تعصب، فنحن جزء من العالم لا ضير أن نتأثر به، ونحن مدعوون للتأثير به أيضًا.

  3. لا بأس يا عزيزتي، نظريًّا إن استوردنا بعض المصطلحات وأحيينا أخرى، مادام السياق يسمح بذلك. فالنص القرآني قد استورد بعض الكلمات من الفارسية وغيرها، وبالمقابل طوّر دلالات كلمات عربيّة. ثنائيّة التلاقح اللغويّ والتطوّر الذاتي ثنائيّة صحيّة. إلّا أن كلّ مفردة حالة خاصة، ولها سياقها الخاص، كما تفضّلتي. لذا سأعلّق على كلمتين تناولتهما: المثلي/ المثليّة، وأري أنّها طبعا إنجازٌ لنا كأمّة عربيّة. أما “كوير”: فلثقل الدلالات السلبيّة ثقافيًّا لكلمة “شواذ” ، ولعدم جهوزيّة المجتمع العربي لاعادة قولبة معنى “شاذ”، وللسياق الحديث للمفهوم كما تفضّلتي في تعليقك، أرى أنّ “استيراد” مفردة “كوير” هو إنجاز مماثل. الآن كلمة كوير تُستعمل ولا ضرر ثقافي يهدّد أمّتنا من جرّائها، هيّا لنعرّب المصطلح التالي بالطريقة الأنسب ليتبنّاه مجتمعنا العربيّ.

  4. الى ياسر – قوة الكويرية ككلمة وكنظرية نابعة من كونها post-structural ، اي ناقضة للمبنى وبهذا فهي تشير الى المبنى والى نقيضه وهذا بالزبط ما تشير اليه كلمة “شاذ” وربما هي ادق بهذا المعنى من كلمة “كوير”. ان تكون خارج المبنى او ناقض له لا يعني انه ما في مبنى بالعكس…. مهو اذا ما في مبنى ما في حاجة تكون خارجه او ناقضة اله. اذا ما في مبنى ما في “كوير” (يعني ما في “غريب اطوار” لانه غريب اطوار حسب مين) ونفس الشي بالنسبة لكلمة “شاذ”… بالعكس ملاحظتك تدل على انه اسهل على من يتكلم العربية انه يفهم المعنى العميق لكلمة “كوير” من خلال استعمال كلمة “شاذ”.

    الى أحمد – انه كلمة مثلي لم تأتي من الهواء او من عامل خارجي بل من قرار اتخذه المثليين العرب وقامو بصقل هويتهم بنفسهم. وهذا المقال يحاول طرح الأسئلة على المثليين العرب من جديد، فهل ينتظر المثليين العرب من التغيير ان يحدث من تلقاء ذاته او ان المجتمع يكرم عليهم بكلمات يتماهو معها؟ ام يقوم المثليين العرب بذاتهم بخلق الحيز الملائم لهم داخل مجتمعهم؟ فاذا استعملوا في الوقت الحاضر الكلمات المستوردة متى سيحين الوقت الملائم لأستعمال كلمات عربية؟

    عزيزي راجي – لا توجد محاولة بنزع الخطاب العربي عن الخطاب الغربي بل يوجد محاولة الى ربطه محليا. استعمال كلمة “كوير” باللغة العربية تغييب الكلمات العربية الملائمة وتغييب الثقافة المحلية عن الخطاب وبهذا تسلم بالهيمنة الغربية للخطاب العالمي. وكما ذكرت سابقا لاحمد فأن كلمة “كوير” لم تغير معناها من تلقاء نفسها او من كرم المجتمع المغايير وحسن نوايه وطيبة قلبه في التعامل مع المثليين بل تغيرت بفعل قرار فردي وجماعي من قبل المثليين الغربين بأسترداد الكلمة وتحويلها من مذمة الى مصدر قوة. باعتقادي انه استعمال كلمة “كوير” بلغات وثقافات مختلفة يسيئ الى ما يصبو اليه هذا الفكر حيث بهذا يتم تثبيت الهيمنة الثقافية الفكرية لفئة معينة (ربما مش بالصدفة غربية وبيضاء في هذة الحالة) ووضعها بمكانة ذو افضلية على كلمات من لغات وثقافات مختلفة وبهذا بدل ان تنقض هذة الكلمة المبنى السياسي العالمي وعلاقات القوة الموجودة به تتحول الى جزء منه وتثبته. ان جاءت “الكوير” لتعطي الحق لكل المختلفين (الشواذ) بالوجود فبأستعمالها وتعميمها عالمية تلغي المختلفين الاخرين، “الشواذ”، وتفرض على الجميع نوع واحد من الشذوذ الثقافي، وهو الشذوذ الكويري.

  5. عزيزتي نسرين
    مقال جيد ولكنه يحاول بالقوة نزع الخطاب العربي عن الخطاب الغربي وبالذات أعمال فوكو وباتلر ، تسمية “مثلي” أو مثلية” كما ذكرت أنت تحصر الهوية بالجسد والدور الجنسي ولكن “كوير” تخضع للحظة الراهنة من الخطاب ولا شك أنها تغيرت وتفككت خلال عشرات الأعوام واصبحت تشكل دلالة على القوة السياسية الجارفة ضد الهيمنة الغيرية\ الذكورية \ البيضاء وخاصة بعد أزمة الإيدز التي حلت بالعالم …أما كلمة “شاذ” فهي تعني بالضبط ما عنته “كوير” في بدايات القرن العشرين ومع تفاؤلك طيب القلب بالثورات العربية إلا ان ثورات الوعي لم تبدأ بعد ولذلك تبقى كلمة “شاذ” بالعربية تحمل كافة معانيها السلبية وأثقالها النابعة عن المنظومة الذكورية-الدينية بينما عبرت “كوير” عملية هندسة فكرية جعلتنا ننسى أصلها وجعلتها تعبر عن كل ما يقف في وجه الهوية “الطبيعية” للأب.

  6. أوافق على ضرورة الإبتعاد عن استيراد الكلمات و التعابير اللغوية الغربية و محاولة ايجاد أو خلق تعابير محلية. و يمكننا استخدام استراتيجية استرداد الكلمات السلبية المحلية لأنها بالمبدأ استراتيجية جيدة و يمكن العمل على تعديلها لتناسب السياق المحلي.

    و لكن المشكلة التي أود طرحها هي التالية (و قد أشار إليها ياسر في التعليق قبلي). لقد تطلب حوالي العشر سنوات للوصول إلى اعتماد كلمة “مثلي/ة”. كم من الوقت سيتطلب ايجاد تعابير آخرى بدلاً عن (LGBTIQ). و خلال هذا الوقت هل يجوز استعمال هذه التعابير المستوردة لطرح المواضيع المتعلقة بالمجتمع المثلي أو بالأصح المجتمع ال(LGBTIQ)؟!

    ما أحاول قوله هو أن استعمال مثلي أو مثلية غير كافي للدلالة على جميع أفراد هذا المجتمع و يثير الحساسية لدى الفئات، و تكون ردة الفعل عليها مثل تلك عند استعمال (homosexual) أو (Gay/Lesbain)! فهل يمكن استعمال الكلمات و التعابير المستوردة خلال هذا الوقت لتكملة الحوار القائم و تفادي الوقوع في حلقات مفرغة من الجدل البيزنطي؟!

  7. اعتقد ان المشكلة في الكلمات العربية (كل الكلمات العربية), انها لا تحمل معنى مجرد, بل دائماً تحوي نوعاً من البعد, والمعنى الضمني داخلها.. كون الكلمات العربية ترجع دوماً الى جذر ثلاثي له معنى مستقل, ويربطها مع سلسلة من الكلمات اللتي تحمل معان اخرى.
    مثلاً “شاذ”=Queer باللغة الانجليزية, لكنها باللغة العربية تفترض ضمنياً وجود شئ غير شاذ/طبيعي.
    نصل الى نقطة خلافية: ماللذي يحدد ما هو الطبيعي.
    ويسري هذا كثيراً على العديد من الكلمات العربية.

  8. بإستعمال “شاذ”، قد نتفادى إستيراد كلمات “كوير” الغربية، ولكننا نكون نستورد إستراتيجية غربية، هي تحويل عبارات شتم إلى مصدر فخر. هل هذه الستراتيجية الصحيحة لمجتمعاتنا؟

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>