الفرار من عباس محمود العقاد

مع أن علاقتنا الجنسية لم تكن مذهلة أو مفاجئة إلا أنني وقعت فريسة الولع الإكزوتيكي بياسر, ولع يوصم المستشرقين الأوروبيين الذين يتركون بلادهم الباردة والمفهومة ضمنا ليقطنوا في موتيلات حقيرة في ديارنا..هذا ما كان يحركني..أسرار ياسر..وغموضه هذا..وامتلاكه للحيز وميكانيكيته.

الفرار من عباس محمود العقاد

| زياد م.|

منذ أن غادرت القدس للدراسة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة, لم أزر مدينة نصر كثيرا, إلا عندما تعرفت على ياسر.

فقد اصطحبني بعض الزملاء إلى المولات التي تنتشر هناك في بداية مرحلتي القاهرية قبل الثورة بعام, ولكنني شعرت بالنفور منها ..لا أعرف لماذا كان هنالك أمر ما مقلق في هذا الحي, فهو مكان يشعرك بالانقباض والريبة وان شخصا ما يطاردك, لا تعرف من , كما تنتشر مظاهر التدين الشديد في أوساط الطبقة الوسطى التي تقطن المكان, إضافة إلى رائحة الرمل الذي يهدد بالهجوم والانقضاض على جهازك التنفسي في كل لحظة..لا أعرف..كان هذا المكان يبعث الشؤم في نفسي, فأنا أكره الطبقات الوسطى عندما تكون مغلقة على حقيقتها وقيمها وثنائيات الحلال:الحرام و الصح: الغلط …

عندما تهت لوحدي في يوم من الأيام في شارع عباس العقاد وسط شعور الملاحقة هذا قررت عدم العودة إلى مدينة نصر..ثم حدثت الثورة وأصبح محيط التحرير ووسط البلد والزمالك (للنقاهة) بيتي الحميم على الرغم من المخاطر ودموع أمي في فلسطين عبر الهاتف…

ولكن الشهوة تتغلب ..أحيانا , فها أنا أجد نفسي أعود مرة كل أسبوعين للقاء ياسر في شارع عباس العقاد , وياسر هو رجل طويل بجسم ضخم متناسق ولكنه ليس رياضيا, ياسر محام ملتح يملك مكتبا للشؤون القانونية  به سرير وكافة اللوازم ,يتركه الموظفون الذين لم التق بأحدهم أبدا في السابعة مساءً لنلتق من بعدها على سرير اللذة والمكاشفة الجسدية , تعرفت على ياسر عبر موقع “منجم”, اعجبتني بطاقته, فهو حاد, يعرف ما يريد, “توب” أو إيجابي يملك أيرا كبيرا, كما أنه في العمر الذي أعشق ..45, والأهم من ذلك أنه يملك مكانا بحيث لا يتطلب الأمر سداد أثمان البهدلة في شقتي التي اتقاسمها مع آخرين  أو في بنسيونات الدرجة العاشرة في منطقة رمسيس وطلعت حرب. كان ياسر(وهذا أكثر ما جعلني أعود إلى عباس العقاد بعد الوعد الذي قطعته على نفسي) لا يبحث عن علاقة رومانسية مدمجة بالجنس كما يشترط معظم القاهريين..بل  عن علاقة جنسية خالية من أية مشاعر, مما يتلاءم مع طبيعتي الشخصية وطبيعتي “الشامية” العملية والتي تزعج المصريين في كثير من الأحيان.

كان اللقاء الأول مع ياسر غريبا بطبيعة الحال..فقد أحاطته لوحات النصوص الدينية , كما لم يعكس تصميم المكتب الكبير ذوقا رفيعا في الاختيارات بل كان تجسيدا لذوق محدثي النعمة. كان ياسر يعرف ما يريد مني بالضبط فعندما استقبلني في المرة الأولى لم يبدي أي اضطراب أو بلبلة بل أصبح ينشر الثقة الممزوجة بالبرود الشديد في أنحاء المكان مما كان يقذفني بسرعة من الغيظ الشديد إلى الشعور المريح بالأمان انطلاقا من رجولته الكاسحة الصامتة وتحكمه بكافة تفاصيل المكان.

ومع أن علاقتنا الجنسية لم تكن مذهلة أو مفاجئة إلا أنني وقعت فريسة الولع الإكزوتيكي بياسر, ولع يوصم المستشرقين الأوروبيين الذين يتركون بلادهم الباردة والمفهومة ضمنا ليقطنوا في موتيلات حقيرة في ديارنا..هذا ما كان يحركني..أسرار ياسر..وغموضه هذا..وامتلاكه للحيز وميكانيكيته..كان ياسر يقدم لي أيره لألهو به  بحركة استباقية لا تنتظرني..حركة استعلائية كلبية .وقد اشترط علي منذ البداية ألا أجرؤ حتى على ملامسة محيط شرجه…كان أيره جميلا ولكن الفكرة كانت أجمل…كان ياسر ينيكني بعدها بثقة كاملة وبإيقاع متناسق وبابتسامة باردة وفي لحظة معينة كان يعرف اين يوجه قضيبه ليجعلني أقذف شهوتي وهو معي..ولكنني كنت دائما أجن من هذه النظرة الساخرة والابتسامة الخفيفة جدا التي لا تبث تواطئا مع الفعل بل تهكم عليه..كنت أجن من هذا..كنت أريد الكثير من هذا…

ولكن في ذلك اليوم لم يعد هنالك مجال للسخرية في العيون, كان ياسر جديا للغاية على غير عادته ومضطربا أيضا..توقف وانتفض وسألني بقلق..

-          هل أنت مسلم؟

-          نعم

-          ولكنك لا تبدو كذلك…يجب أن أذهب..إلى رابعة العدوية..هل تأتي معي؟

قمت عن السرير الضيق, نظرت إلى ساعتي دون هدف, وأجبت..

-          لا, أنا ذاهب لمحيط الاتحادية..

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>