من برلين، مع خالص الودّ! / مرزوق الحلبي

من برلين، مع خالص الودّ! / مرزوق الحلبي

برلينُ بسيطةٌ،
عفويةٌ تركضُ في الحدائقِ المعلّقةِ على الشّبابيك
ترمي ضحكاتٍ عابثةً على العتبات
وتنسابُ معَكَ مثلَ عرباتِ المترو

berlin

.

| مرزوق الحلبي |

مرزوق الحلبي

مرزوق الحلبي

برلينُ تنتظرُ على محطّةِ القطار

راضيةً بكلِّ الهويّاتِ الوافدة

فكُنْ ما شئتَ،

وامتثلْ لشارةِ المرور!

دخّن تِباعًا واطلبْ شرابَكَ كما تريد.

لا تُخفي لغةَ أمّكَ أو مواويلَ أبيك

ولا بردَ قلبِكَ!

كنْ كما أنتَ!

صريحًا!

وحرًّا!

في برلينَ يتساوى المقيمُ والوافدُ

أمامَ أكشاكِ النّقانقِ

وماكنةِ تذاكرِ المترو

فكُنْ طيّبًا مثلَ الّذينَ يدلّونَكَ على مبتغاكَ قبلَ أنْ تسألَ

هيَ هناكَ كيْ تُعطي،

وأنتَ، لتأخذَ وتتركَ لغيركَ!

 .

النّادلاتُ في برلينَ يقدّمنَ لكَ الطَلباتِ بدقّةٍ

لنْ تجدْها في المطارِ الّذي أقلعتَ منْهُ!

ابتساماتهنَّ محسوبةٌ

لا هيَ فائضةٌ عنِ الغرضِ ولا هيَ أقلُّ ممّا تشتهي!

مدرّباتٌ على إيفائِكَ حقَّكَ،

لا أكثرَ ولا أقلّ!

فكنْ دمثًا مثلهنَّ

ولطيفًا مثلهنَّ لا أكثرَ ولا أقلّ!

 .

بيتُ الكاتبِ في برلينَ مسكونٌ بالوحيِ

وأميراتُ بابلَ يحملنَ لكَ الوقتَ

كي يظلَّ قلبُكَ في القصيدة،

وعيناكَ على مجازٍ مخادعٍ

وفكرةٍ مثل المقاهي مفتوحةٍ لمَنْ

لا يُغيظُهُ دخانُ السّجائر.

 .

الدّفءُ طقسٌ لاختمارِ المعاني في

المُفرداتْ

والنّادلاتُ يقرأنَ ما يُكْتَبُ

ويُذَكّرْنَ الرّوادَ بقبّعاتِهم في آخرِ اللّيل!

 .

في برلينَ، رأيتُ غريبًا يدلُّ غريبًا على ماضيهِ

ويبتسمُ.

منْ كثرةِ الغرباءِ في ردهةِ الحانةِ

تصيرُ برلينُ وطنْ!

 .

إنْ جئتَ برلينَ أطِلِ الإقامةَ في مفاتنِها!

كلّما امتدّتْ مناسكُكَ هناك،

اتّسعتْ مودَّتُها

واكتملَ مداك!

 .

شيءٌ ما في برلينَ غيرُ موصولٍ

رغمَ اختفاءِ الجدارْ،

ورغمَ انصرافِ الجيوشِ إلى الحاناتِ.

هيَ لعنةُ التّاريخِ

بينَ مدينتينِ طريدتينِ

وضفّتينِ!

الوقتُ في برلينَ مبتورٌ بفأسِ شيطانٍ وفكرةٍ منْ جهنّمَ

الوقتُ في برلينَ محفورٌ

ومشروخٌ بأصواتِ الّذينَ نَجَوْا

والنّاسُ تقطعُهُ بنشيدِها السّلميِّ

تكتبُ على بقايا السّورِ قصّةَ زمنٍ مغايرٍ مغمّسٍ بالعسلْ

 .

برلينُ بسيطةٌ،

عفويةٌ تركضُ في الحدائقِ المعلّقةِ على الشّبابيك

ترمي ضحكاتٍ عابثةً على العتبات

وتنسابُ معَكَ مثلَ عرباتِ المترو.

إذا واعدتْكَ، لمّت شعرَها بخفّةٍ

وأتتْكَ على درّاجتِها الهوائيّةِ

لتمنحَكَ قلبَها صافيًا

صافيا

بدونِ الهاتفِ الذّكيّ.

ترسلُ ذراعَها إليكَ كأنّها تقطفُ زهرةً

تسرقُ منكَ التّساؤلَ

وتتركُ لكَ الارتباكَ

واختيارَ المقهى ومهمّةَ التّفاوضِ معَ النّادلِ.

فكنْ وفيًّا واتركْ لَها ظلَّها الخفيفَ

كيْ يطيبَ النّبيذ

 .

(تشرين الأوّل  2013)

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

1 تعقيب

  1. التعليقجميل يا مرزوق. أعجبني.

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>