متحف الآثار الفلسطيني (روكفلر): صرح استعماري!/ يارا سقف الحيط

متحف الآثار الفلسطيني (روكفلر): صرح استعماري!/ يارا سقف الحيط

يبدو تصميم المتحف محاولة للتوسط بين اثنين من المفاهيم المتضاربة لتعريف الدور البريطاني في فلسطين: فهو يستخدم الفن المعماري الأوروبي المعاصر في التعبير عن التفوق الثقافي البريطاني، ويقدّم مفهوماً أبوياً عن دور القوة الاستعمارية التي ترى نفسها في مقام الوصي، من خلال ما يحتويه من نمط معماري محلي

gallery

>

|يارا سقف الحيط|

قد يكون من المستغرب بأنّ النزعة الحديثة نحو تجميع “المكتشفات التاريخية” داخل فضاء مبني، ليتم التأمل فيها وتقديرها من خلف واجهات زجاجية برّاقة، وبمساعدة نصوص توضيحية، لم تترجم على أرض الواقع في فلسطين قبل عام 1938، عندما تمّ تأسيس متحف فلسطين للآثار، والذي يعرف اليوم باسم “متحف روكفلر”. شهدت فترة بناء المتحف تحوّلاً تدريجياً من الاهتمام الدّيني بالأرض المقدسة نحو فضول أكثر علمانية، ولذلك لا تقتصر أهمية هذا المتحف على التوثيق التاريخي؛ حيث أن استعراض المراحل المختلفة التي مرّ بها خلال السنوات التي تلت إنشاءه يوثّق محاولات إعادة قولبة مستمرة لهذا التاريخ، وانتقائية عالية في تقديمه.

فتح متحف روكفلر أبوابه للمرة الأولى أمام الجمهور عام 1938، في فترة شهدت التأسيس لعلم الآثار على اعتباره علماً قائماً بذاته. تجاوزت الحفريات الأثرية في فلسطين حينها محاولات الكشف عن الماضي، إذ ساهمت بفاعلية في الحاضر الذي تمت فيه، وشاركت في تحديد معالم مستقبله. فمن خلال المسوحات الأثرية، على سبيل المثال، تمكنت مؤسسة صندوق اكتشاف فلسطين (PEF) من وضع خريطة للمنطقة تمهيداً للاحتلال العسكري الإمبريالي والأيديولوجي البريطاني في نهايات القرن التاسع عشر، والتي شكلت أنوية الخرائط الحديثة لفلسطين.

شكّلت بدايات القرن العشرين عصر الحفريات “العلمية” الأولى، والتي جرى الكثير منها في فلسطين. ومع هذا، فإن الموضوعية المرتبطة بالطابع العلمي لهذه “الاكتشافات” لم تكن المحدد الرئيسي في عرضها. كما هو الحال في مجالات الرسم والكتابة والتصوير، شكلت الحفريات الأثرية أداة فعالة لتكوين حقيقة انتقائية في فلسطين؛ حيث جرى العمل على اختيار القطع الأثرية من بين الكم الكبير المكتشف بعناية فائقة للحفظ والعرض، بالتركيز على ما يتماشى مع الرواية التوراتية التي طالما نُظر إلى فلسطين استناداً إليها.

كان مصطلح “اكتشافات” الأكثر استخداماً لوصف هذه القطع الأثرية. الاكتشاف يتضمن عادةً عملية بحث تؤدي إلى مواجهة مع الجديد وغير المعروف، إلا أن علم الآثار في ذلك الوقت كان يسعى إلى تأكيد ما هو معروف، والسعي إلى ترجمته بصرياً من خلال قطع أثرية منتقاة بعناية. لا تزال الخزائن الزجاجية الأصلية التي تعرض القطع الأثرية المصقولة والمرتبة التي تم اكتشافها في فلسطين خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، تصطف على طول جانبي الرواق الجنوبي للمتحف. ومع أن المعروضات تمتد زمنياً إلى أكثر من مليوني سنة إلى الوراء، إلا أنها تبدو وكأنها تجسد رواية حديثة نسبياً للاكتشافات الأثرية ومأسستها.

وعلى نحو غير مألوف لما كان دارجاً في تلك الفترة، فإن القطع التي تم اكتشافها في فلسطين لم تُنقل إلى ما وراء البحار لتنضم إلى مجموعات الموميات والمقابر المعروضة في المتحف البريطاني، وبدلاً من ذلك، فإنها عُرضت في بلدها الأصلي، في مبنى يكشف تصميمه للناظر في الوقت الحالي، مواقف متناقضة بخصوص دور المستعمِر في الحفاظ على موروث المستعمَر. يبدو تصميم المتحف، والذي صممه أوستن هاريسون، كبير المهندسين في وزارة الأشغال العامة للانتداب، بأنه محاولة للتوسط بين اثنين من المفاهيم المتضاربة لتعريف الدور البريطاني في فلسطين، ولحل معضلة الأسلوب التي يفرضانها: فهو يستخدم الفن المعماري الأوروبي المعاصر في التعبير عن التفوق الثقافي البريطاني، في حين أنه يقدّم مفهوماً أبوياً عن دور القوة الاستعمارية التي ترى نفسها في مقام الوصي، من خلال ما يحتويه من نمط معماري محلي.

خلال السنوات اللاحقة لنكبة عام 1948، تم تشغيل المتحف من قبل دائرة الآثار الأردنية، وفي عام 1956 تولى مجلس أمناء دولي زمام السيطرة، ثم جرى تأميمه من قبل الملك حسين في العام 1966. وفي أعقاب حرب الأيام الستة عام 1967، والتي احتلت فيها إسرائيل القدس الشرقية، استولى الجيش الإسرائيلي على المتحف، ومنذ ذلك الوقت أطلق عليه رسمياً اسم “متحف روكفلر”.

الذاهبون لزيارة المتحف اليوم سيجدونه إلى جانب أسوار مدينة القدس، في موقع مطلّ على جبل الزيتون. كانت الأرض التي يقع عليها المتحف تسمى فيما مضى بـ “كرم الشيخ”، وكانت تعود إلى عائلة “الخليلي” الفلسطينية التي كان منزلها الصيفي القريب، والمسمى قصر الشيخ، أول بناء يُقام خارج أسوار المدينة. ويُدار المتحف اليوم بشكل مشترك من متحف إسرائيل وسلطة الآثار الإسرائيلية.

(باحثة في المتحف الفلسطيني)

 

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

1 تعقيب

  1. مقالة مهمة جدا لكن  المتحف بني فوق مقبرة اسلامية وكل ما يحتويه المتحف اثارات قصر هشام من اريحا .

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>