“تقبرني!”/ أسمى العطاونة

“تقبرني!”/ أسمى العطاونة

تغنج المرأة لدينا وتهمس في أذن عشيقها “الرّجّال” بما يشتهي هو وما يتمنّاه، متمادية في حبّها، متوسلة أن “يقبرها” طمعًا في التعبير عن أقصى ما يمكن أن تصل إليه من درجات الحبّ

Medora by Horatio Greenough, Baltimore Museum of Art

Medora by Horatio Greenough, Baltimore Museum of Art

|أسمى العطاونة|

asmaa atawne

في بلادنا العربيّة تُردّد كلمة “تقبرني!” مرارًا وتكرارًا لتدلّ على مدى الحبّ. الحب لغاية الموت. نسمع الكلمة في المسلسلات التلفزيونيّة، وحتى تلك “التركية المدبلجة”، وفي الأفلام العربيّة، طبعًا، وفي الأغاني وفي الشارع وفي كلّ مكان. لم أفهم يومًا كيف يمكن أن يعشق الإنسان إلى حدّ موافقته على أن يقبره الآخر!

هذا الحب المبالغ فيه في عالمنا العربيّ ربما يأتي من مقدار كميّة العاطفة، “عاطفة بلاد البحر المتوسط”، وربما يأتي من مبالغتنا في التعبير عن مشاعرنا أيًّا كانت: أسلبيّة أم إيجابيّة.

هنا في فرنسا تستخدم الكلمة في الإعلانات الترويجيّة لحملات مناهضة العنف ضدّ المرأة. فمثلًا، نرى في إعلانٍ وجهَ امرأة شابة وجميلة يتم تلطيخه شيئا فشيئا بكدمات زرقاء وبنفسجيّة وخضراء ليصبح مشوّهًا تمامًا، لنرى جسد المرأة مُلقى على سرير في المستشفى، في آخر الأمر. في الإعلان صوت لرجل يرافق مراحل تشويه الوجه وهو يهمس بصوت دافئ وحنون: “أحبك قليلاً، كثيرًا، بحنوّ، بشغف، بجنون” وينتهى حبّه أو “جنونه” بقتلها.

ربما يُعدّ الموضوع من مواضيع “ديجا فو” (شوهد من قبل) ولكن ما يثير فضولي وما شدّني لمشاركة كلماتي هذه هو كيفيّة الاستخدام وكيفيّة التعبير عن الحبّ كمرادف للـ”دفن” و”الموت” في مجتمعاتنا ومجتمعاتهم. فتغنج المرأة لدينا وتهمس في أذن عشيقها “الرّجّال” بما يشتهي هو وما يتمنّاه، متمادية في حبّها، متوسلة أن “يقبرها” طمعًا في التعبير عن أقصى ما يمكن أن تصل إليه من درجات الحبّ. أمّا هنا فيُستخدم مرادف الكلمة للتعبير عن العنف ضدّ المرأة.

من خلال الأعوام الستة عشر التي عشتها في فرنسا، مندمجة في مجتمعهم، وناشطة مع الحركات النسوية في المدينة الوردية، لا أتخيل أبدًا امرأة فرنسية ومن دون أن ترفع أيّ شعار نسويّ أو حقوقيّ بأن تعشق حبيبها إلى حدّ أن تطلب منه “قبرها”. فالاحترام هنا يُولد بالفطرة؛ احترام المرأة الفرنسية لنفسها عادة تكتسبها منذ نعومة أظفارها. تنشأ كفرد مستقلّ وناشط، تحميها الدولة والقانون.

أتحسّر بكلّ ما تحمله الكلمة من أسًى على كل امرأة عربية تودّ أن تُدفَن ولو “مازحة”، فالخطر يكمن في توارث ما نتناقله من دون أيّ تفكير، والتغيير لا يأتي بالوراثة.

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

1 تعقيب

  1.  الرجل الشرقي غارق في العصور المظلمة وللاسف تقابله امرأة شرقية لا تقل سوءا وغرقا عندما تقرأ المرأة الشرقية هذا المقال سوف تراودها رغبة بصفع الكاتبة وليس رغبة بفراق زوجها الوحش هناك وحوش تعيش بداخل الانسان الشرقي يجب قتلها قبل التفكير باي شيء آخر .شكرا اسمى العطاونة لوصفك مشهد لم اعد شخصيا احب ان اكتب عنه لكل المشاعر السلبية التي تنمو في اعماقي كلما تذكرته 

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>