سَلمولي عَ العزوبيِّة

صراخ، صياح، هواش، طوشة، ميمعة، طراخ طريخ، تسكير شوارع، موسيقى صاخبة حتى آخر الليل، آلام رأس وأذنيْن، عجقة، تزاحم غير مسبوق، ضجة لا متناهية، طبْل وزَمِر، دِبّ وسعدان، سمِّها ما شئت

سَلمولي عَ العزوبيِّة

|إياد معلوف|


inside_weddeing_pic

طبّللي شويّة شويّة...

جاء الصيف وبدأ التصييف الفعلي لبعض العقليّات وانجرارها وراء جريمةِ “الفرح العربيّ” مع سبق الإصرار والترصّد. في السنة لدينا 12 شهرًا، نملأ أيامها بالعمل والعسل، والدراسة، والعُطل، والأعياد، وأوقات الفراغ (القاتلة منها وغير القاتلة)، والقراءة (تخيّلوا؟ هناك من يقرأ!) والإنترنت بما فيه من فيسبوك وماسنجر ويوتيوب ومواقع دينية وجنسيّة إباحية، ونزور الأهل والأقارب، من نحبّ منهم ومن لا نحبّ، ونشتري من صاحب الدكان في أول الحارة ما تسنّى لنا من مسليّات ومعطّشات، ونفردُ كلّ نشاطاتنا السياسيّة والاجتماعيّة والدينية والجنسية والبهلوانيّة على 300 يوم في السنة، ونحتفظ لأنفسنا بـ65 يومًا (وربع) لنحصر فيها ما يزيد عن 10 أعراس كمعدّل للعائلة الواحدة. ولو ظننتم أن العُرس (أو الفرح، على رأي إخوانا في مصر) يبدأ وينتهي في يوم وليلة فلا بدّ أنكم لم تجرّبوا التعذيب على طريقة الأعراس العربيّة.

صراخ، صياح، هواش، طوشة، ميمعة، طراخ طريخ، تسكير شوارع، موسيقى صاخبة حتى آخر الليل، آلام رأس وأذنيْن، عجقة، تزاحم غير مسبوق، ضجة لا متناهية، طبْل وزَمِر، دِبّ وسعدان، سمِّها ما شئت – عنصر الحرب يفرض وجوده في العرس العربيّ ليغطّي بذلك على عنصر الحب (الذي من المفروض أن يكون أساس الارتباط). لا أفهم المنطق من وراء عدم وجود كمنجة مثلاً، أو بيانو، أو موسيقى كلاسيكيّة لبيتهوفن أو شوبان تُعزَف عند دخول العروسيْن إلى القاعة، واستبدال ذلك بالطبلة والدربكة وصوت الأورغ المزيِّف لباقي الأصوات.

بهذا المنطق المبهدَل، يمكن اعتبار العرس والمناسبات السعيدة أكبر منظومة نفاقيّة في الشرق العربيّ.

“يللا نستقبل العرسان”.. وتقوم الدنيا وكأنّ ضربة كهربائيّة أصابت الجميع. وبقدرة قادر لم أفهمها حتى الآن، تتغيّر قواعد الفيزياء والرياضيات: فيصير بقدرة الشاب الصغير النحيل أن يرفع العريس تارةً، وأباه تارةً أخرى، وأخاه وعمّهُ وخاله، وأصدقاءَه. ويدخل العريس في الملحَمة العظيمة، ويشرُّ عرقًا بعد أن يشربَ قدحًا، واثنيْن وثلاثة. وينزع ربطة عنقه، ويصل حدود الجلطة القلبية والدماغية والنفسية والعضوية، ثم يجلس إلى جانب عروسه كأنه خرج للتوّ من حرب استقلال أو تحرير.

أمّا النفقات، فحدّث ولا حرج. فلو جمعنا نفقات العرس الواحد: سهرات يوميّة (بالأحرى ليليّة)، والسهرة الرئيسيّة، والإكسسوارات، وجبال الطعام واللحم والتبولة والسلطات والمعجّنات والمشروب من كولا وبيرة وماء، ما خفيَ منها وما ظهر، والملابس بمُلابساتها، واستئجار القاعات والفرقة الموسيقية بعدّتها وعتيدها – كلّ ذلك في كفّة- وتصفيف شعر العروس، في كفّة أخرى، لوصلنا إلى نتيجةِ أنّ نفقات كلّ ما ذُكر تكفي لبناء مستوصف طبّي أو مركز تربوي بأحدث المعدّات اللازمة.

يأتي جيش المشاركين (المعازيم يعني)، كلٌّ يحمل ظرفًا يضع فيه مبلغًا محدّدًا من النقود، يدفع فيه ثمن فطوره وغدائه وعشائه ومشروبه ووقته الذي يقضيه في أحضان الأسرة السعيدة. فبدل أن تكون المشاركة الماديّة رمزيّة، نراها إجباريّة. وعُرس في ظهر (أو بطن) عُرس والنقود تتوجّه إلى مثواها الأخير أكثر من مرّة ومرّتيْن وثلاث. والقضية تستمرّ: فالأمر ليس مجرّد هبة للتعبير عن المشاركة الصادقة، وإنما هو ديْن بكلّ مشتقاته وتبعاته السابقة منها واللاحقة. لأن من يدفع المال (ولا أقول ينقّط) مقابل سعادته هو، يجب أن يستردّه وزيادة بعد فترة من الزمن في حال تزوّج هو أو زوّج أحد أقربائه. بهذا المنطق المبهدَل، يمكن اعتبار العرس والمناسبات السعيدة أكبر منظومة نفاقيّة في الشرق العربيّ.

“يللا نستقبل العرسان”.. وتقوم الدنيا وكأنّ ضربة كهربائيّة أصابت الجميع.

بعد أن ينتهي كلّ شيء، وينجو العريس والعروس من القبلات والزغاليط والتصفيقات والدبكات والصرخات والآهات ولفّات المباركة والخنقات في الطقس الحارّ والتعاليل والسهرات المتأخرة وفرد الكراسي ولمّها وتصفيف الشعر والماكياج وكلّ مشتقات الحرب الأهليّة، تبدأ رحلةٌ جديدة من الانتقادات بين دجاجات أمّ يعقوب ودجاجات أمّ سلمى: “لك شفتِ شو لابسة فلانة الفلانة؟ ليش هيك كان شعرها؟ والله ما في أحلى من إم فلان” وعلى هذا المنوال يمكن تمضية ليالٍ بكاملها دون ملل أو كلل! إذ لا أحبّ على بعض -ولا أقول كلّ- النساء تقديم تقرير سي.أن.أنّي مفصَّل عن كلّ شخص وشخص شارك في المناسبة. يُفصفِصنَهُ من كعب الكندرة حتى تصفيفة الشعر وينتهون بالحديث المعهود: “أنا ما بحب أحكي على الناس…..بس شفتِ فلانة الفلانة كيف..”.

تاري يا جماعة، من راقب الناس لم يمت همًّا… بل عاشَ مهمومًا!

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

3 تعقيبات

  1. نوعاً ما عرض رائع ..
    ولكن بحب انتقد بعض الاشياء..
    مثلا بالنسبه للنقوط هو مش حق السعاده ولا هو دين ..ابداً لا
    النقوط هو عباره عن مساعده ماديه يقدما الضيف لاهل العرس لانو صح بكلف مبالغ طائله ! وهو مش دين بالعكس هو يمكن تسميته بـ واجب المساعده عـ اهل العرس
    يمكن مرات انا بتضايق من الطريقه الهمجيه للبعض بس من ناحيه ثانيه بتنبسط لما بتشوف انو ولو للحلظات انو بعدنا منحب بعض وبعدنا منقف مع بعض ومننبسط لبعض بالاعراس !

  2. عزيزي..
    إشي جيد إنك تطرقت للظواهر السلبية وخاصة إنو العرس بكلف كثير…بس مع هيك كتبت شوية “هراء” :)
    يعني الأعراس اللي جوها حرب برضو ملانة حب..وهي برضو مناسبة بتجمع كل الأحباب والصحاب..وهي مناسبة بتنتساش بالنسبة للعيلة..
    بالنسبة لجملتك هاي:
    “لا أفهم المنطق من وراء عدم وجود كمنجة مثلاً، أو بيانو، أو موسيقى كلاسيكيّة لبيتهوفن أو شوبان تُعزَف عند دخول العروسيْن إلى القاعة، واستبدال ذلك بالطبلة والدربكة وصوت الأورغ المزيِّف لباقي الأصوات.”

    قمة السخافة عزيزي.. :) وأنا بفهمك ليش بنفعش:
    في إشي إسمو حماس ممكن تشعلو بس بالطبلة ومش بالسيمفونيات..
    بنفع تسمع مونلايت سوناتا لما تمارس الجنس مش لما تفوت العرسان.

    تحياتي.

  3. يعني انا من زمان بدي اسمع انسان يحكي على هذة العادة المنتشرة في الوسط العربي !! بس ايش الغريب اننا دائما بنكون نحكي انو ما معنا ناكل وما عنا مصدر رزق يكفينا بس يجي موسم الاعراس بصير الكل معا يعني نحن شعب غريب!!!!!!!!!!!

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>