عن الأحلام الصغيرة، والجوع الكبير…/ علاء أبو دياب

تخيلوا في هاليوم يطلع بطلنا شهيد، يطلع بإسعاف بلا دبكة ولا زغاريد، بدون إم ترقصلوا بالمنديل، وبدون سحجة وقرقعة، وبدال ما يحمله على كتافه شب واحد..يحملوه أربعة..

عن الأحلام الصغيرة، والجوع الكبير…/ علاء أبو دياب

علا ءالعلي؛ "لم أندم ولن أندم ولن أتوقف عن قرع جدران الخزّان"..

|علاء أبو دياب|

صديقي علاء العلي..

لا زلت أذكر يوم إعتقالك منذ ما يزيد على عشرة أعوام، ذلك اليوم الأسود كليْل المظلومين، لقد كنت أكثرنا رجولة، وأكثرنا مرحاً، أكثرنا وسامةً وأكثرنا صَلفاً، أكثرنا أملاً، أكثرنا عملاً، أكثرنا إيماناً وإنتماءً..

في ذلك اليوم لم يعتقلوك وحدك، لقد إعتقلوا معك الفرح، كبّلوه كما كبّلوك، ورموه وحيداً كما رموك، وحكموا عليه بالسجن كما حكموك..

لا زلت أحفظ رسالتك الأولى من داخل السجن، لقد كنت متفائلاً أكثر منا رغم حكمهم بسرقة إثنى عشر سنة من شبابك عقاباً على عشقك للحريّة، لازلت أذكر تلك الكلمات.. “أكتب لك من على بُرشي وأنا أنظر إلى الشمس وهي تغيب على شاطيء عسقلان”.. أذكر كيف سألتني عن الجميع وبعثت السلام لكل ما هو جميل، أذكر شوقك للشوارع وسهرات الحديث عن النساء والوطن..

لا أزال أذكر كيف ختمت رسالتك.. “لم أندم ولن أندم ولن أتوقف عن قرع جدران الخزّان”..

*

بتعرفوا لو سألتوا مُعتقل شو نفسك تعمل لما تطلع من السجن أيش ممكن يجاوبك؟ رح يجاوبك جواب كتير أبسط من ما بتتخيّل، ممكن يقولك أشرب قهوة على برندة بيتنا، أو ممكن يقولك أروح أشتري بكيت دخان وأدفع حقّه بمصاري ورق وأخد الباقي فراطة تخرخش بجيبتي وأنا مروّح مشي عالبيت، ممكن يقولك إني أنام للضُهُر بدون ما أضطر أصحى على صوت السجان عالستة الصبح وهو بصيّح عدَد.. عدَد..

سنصرخ حتى يفهم سكّان المقاطعة أن تصفيق كل سكّان الأرض لا يجعل منا شعباً يحترمه العالم ما لم نحفظ كرامة أسرانا..

أحلام المعتقل بسيطة، نفسه.. يمشي بشارع، يحبّ صبية، ينام تحت دالية، يبوس جبين إمه يوم العيد، يلعّب إبن أخوه الزغير، يروّح تعبان من الشغل، يشرب قهوة مع أبوه أو يمشي بجنازته..

نفس هالأحلام بتكون عند أهله، بستنوا يوم ترويحته وكأنه يوم البعث، بحضْروا من اليوم كيف بدهم يحتفلوا كمان 7 سنين ولا 14 سنة وفي ناس كمان مؤبّد.. بفكروا كيف رح ياخدوا باص ويروحوا يجيبوه من باب السجن أو من الحاجز، بفكروا وين رح يعلقوا الاعلام ووين الشباب بدها تدبك، قديش نسوان بدها تزغرد، ومين اللي بدها تكون مسؤوله عن الطبيخ.

هادا اليوم للمعتقل وأهله هو يوم عرسه حتى لو كان متزوج، هادا يوم ما رح يرجع الزلمه اللي الكل حس بغيابه، يوم هداة البال ورجعة الجدع سالم، هادا اليوم اللي باب السجن بفتح وبطلع منه الفدائي قُدام السجّان ببتسم بعد سنين الصبر وكأنه بقول للمحتل مبروك عليك شبابي ومبروك علينا النصر.

تخيلوا في هاليوم يطلع بطلنا شهيد، يطلع بإسعاف بلا دبكة ولا زغاريد، بدون إم ترقصلوا بالمنديل، وبدون سحجة وقرقعة، وبدال ما يحمله على كتافه شب واحد..يحملوه أربعة..

معتقلينّا أعلنوا إضراب عن الطعام لحد ما نحس فيهم، وأكيد ما لازم نشوفهم طالعين من باب السجن شهداء عشان نتحرك! المعتقلين لما بعلنوا إضراب عن الطعام بكونوا عارفين إنو الجوع كافر والموت وارد بس واثقين فينا، عارفين إنّا مش رح نسكت ورح تولّع الأرض تحت سجّانهم، بعولوا علينا لأنهم عارفين إنو حياتهم عند السجّان ما بتسوى أكتر من سرير فاضي  بسمحله يعتقل مناضل جديد! بس همّه متأكدين إنو حياتهم بتعنيلنا، كل اللي عم بحاولوا يعملوه إنهم يحركونا.. إنهم يسمعوا صوتنا، راهنوا السجّان علينا، راهنوه إنو شعبهم ما بتهاون بحق أحراره..بحياتكم.. بحياة شبابهم.. ما تخلوهم يخسروا الرهان.

*

صديقي.. أيها الحُر رغم الأسر.. لك ولرفاقك نقول: إن أنين أمعائكم الخاوية يقض مضاجعنا.. لن نقف متفرجين، سنملأ العالم ضجيجاً، سنعتصم ونسيّر المسيرات، سنحفظ كرامتكم وحلم أمهاتكم.. سنصرخ حتى يفهم سكّان المقاطعة أن تصفيق كل سكّان الأرض لا يجعل منا شعباً يحترمه العالم ما لم نحفظ كرامة أسرانا..

علاء العلي، أيها اللاجيء الأسير،  طمأن رفاقك.. سنقرع معكم جدران الخزان..

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

1 تعقيب

  1. سنملأ العالم ضجيجاً، سنعتصم ونسيّر المسيرات، سنحفظ كرامتكم وحلم أمهاتكم.. سنصرخ حتى يفهم سكّان المقاطعة أن تصفيق كل سكّان الأرض لا يجعل منا شعباً يحترمه العالم ما لم نحفظ كرامة أسرانا..
    أشكرك !!!

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>