وين ع رام الله/ راجي بطحيش

|راجي بطحيش| كنت أجلس مع  بعض الأصدقاء المقربين في إحدى […]

وين ع رام الله/ راجي بطحيش


رام الله ليلا

رام الله ليلا



|راجي بطحيش|

raji-qadita

كنت أجلس مع  بعض الأصدقاء المقربين في إحدى مقاهي الكولونية الألمانية في حيفا، حين داهمت مائدتنا المشبعة برطوبة الصيف القاتلة فتاة ثلاثينية تعمل في أدغال الجمعيات الأهلية التي تركز على الهم الإجتماعي للعباد. وهي فتاة -والحقّ يُقال- تحمل وعيًا ذاتيًا منقطع النظير كما أنها لا تتعاطى إلا بالفن الملتزم وهي تؤدّي كافة فروض الاستماع لمارسيل وزياد وجوليا، إضافة إلى سعاد ماسي وإلهام المدفعي، ولا تفوت للأخير أية حفلة يقيمها في بيت لحم أو رام الله. اقتربت “سراب عفان” من المائدة وقالت باستعراضية لا تجتهد كي تكون مُستترة:

- أووف تعبانه كنت برام الله.

(ملاحظة: مجرد ترديد كلمة رام الله أو رميها بالصدفة في أوساط المُثأفين في الناصرة وحيفا يشكّل مدعاة للفخر ويرسم البسمة والبريق الخاصّ في عيون الحاضرين.)

- نيالك شو كنتي تساوي هناك؟

- كنت عند أصحاب (هذا يعني أنّ الفتاة نافذة أيضا في أوساط المثقفين في رام الله).

- وكيف كان؟

- بيجنن (أتمنى أن يقول أحدهم إنّ زيارته لرام الله كانت مقرفة).

يتدخل شخص من أصول اعجمية لم يزر الضفة الغربية في حياته ويسأل “سراب عفان” بنبرة انتروبولوجية:

- وكيف الوضع الإقتصادي هناك في ظل الإنقسام؟

- واووو لو تشوفوا شو عايشين المطاعم والقهاوي بتجنن… حياة… هناك حياة مش زي هون.

تقول إحدى الفتيات التي لا تقلّ وعيا ذاتيا عن “سراب عفان” (كما أنها تعشق أحلام مستغانمي وتصرّ على تذكيرنا بخيبتنا المتمثلة بعدم متابعة مسيرة مستغانمي بعد “عابر سرير”… إلى أن قلت لها ذات عصر وفي ساعة غضب: لقد سئمت سماع جمل نزار قباني التي ترددها مستغانمي، سئمت وهذا من حقي…):

- آه الحياة هناك بتجنن، مفكرة أنقل لهناك.

أسأل “سراب عفان”:

- حلو، يعني كل الناس هناك عايشين!

- آه كلهم.

- دخلك رحتي عَ برونتو وسنجريا؟

• •

لم أفهم مرة ما سر السحر الراملاوي هذا عند نساء الشمال العزباوات منهن وغير العزباوات صاحبات الوعي الذاتي المرتفع. هل الرجال هناك أجمل أو أكثر فحولة وحضورًا من رجال القدس مثلا؟ أم أنّ المرافق التي أنشئت خصيصًا لرجالات ونسوة السلطة أوهمت هؤلاء الفتيات الساذجات بأنّ رام الله هي نيويورك “والكل هناك عايشين”؟ فإذا كانت القدس مدينة حقيقية بنسيج مدينيّ واضح ومثير فإنّ العاصمة البديلة رام الله هي مخيم للـ VIP من السلطة وأبنائهم الذين لا يتكلمون سوى الإنجليزية، مع انهم يتقنون العربية إضافة إلى الوافدين الغربيين من منظمات الـ “إن جي أوز”. ويختبئ جميع هؤلاء في المقاهي والمطاعم  المغروسة على تلال لا يمكنك بلوغها الا بالسيارة بسبب الطبيعة الطوبوجرافية العشوائية للمدينة التي كانت مصيف أبي والملك حسين المفضل قبل أن تعيد رياح أوسلو تشكيلها من جديد وتحولها الى مركز سياسي- ثقافي يمارس أبوية لم يطلبها أحد منه. كما يجتهد بخلق رقابة سياسية-اخلاقية –اجتماعية  ليس من الطبيعي ان تتواجد في مكان هو أصلا تحت احتلال كبير، بحيث يقرّر لنا ما هو دخيل على المشهد الفلسطيني ممّا نكتبه وما هو متناغم مع المشروع الوطني المتهاوي أصلاً.

يزدحم مركز مدينة رام الله بأبناء المخيمات والبلدات المحيطة كما يكتظ بالفتيات الخجولات بمعظمهن واللواتي يلتزمن بالثياب الشرعية وجميع هؤلاء لا يملكون ثمن القهوة أو ستيك الأنتريكوت في مقاهي ومطاعم المحيط، بل إنّ الكبت الجنسي والشعوري هو سيد الموقف هناك حتى تكاد تعبئ التوتر الجنسي داخل رزمة من القارورات. أما عندما تطأ قدماك مركز المدينة فيبهرك الزحام والصّخب حيث تعتقد لأول وهلة أنّ الجّادات المشجّرة بانتظارك وأنّ شوارع المتاجر والمكتبات لن تنتهي.. إلى أن تكتشف أنك ما زلت تدور حول نفسك بين المنارة وشارع ركب.

(“عن رمان”)


المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

8 تعقيبات

  1. الى سراب عفان (الإنجليزية)
    لم أقصد السخرية من رواية “يوميات سراب عفان” فهذه الرواية وبالذات شخصية سراب عفان هي رمز كبير في المسيرة الروائية الفلسطينية ولجبرا ابراهيم جبرا بالذات..
    فالرجاء عند قراءة اي نص الخروج من عقليةان كل شيءوكل اسم وكل مصطلح هو طابو حتى يثبت العكس..
    الرجاء ان تناقشيني على المضمون فقط وبالعربية

  2. جوان، وهل ذكرت انا ان الكاتب طرح شيئا ضد حيفا؟!
    انا احب حبفا كما احب رام الله ،هذا معى جملتي الاخيرةز
    بالنسبة للفجوة الطبقية الصارخة انا بوافقك لكن احب دائما انا انظر الى النصف الملآن من الكأس رام الله مدينة تحت الاحتلال كانت و لا تزال ومع ذلك هي تحاول ان تهنض من تحت الرماد مع كل ما سوف يرافق ذلك من اعراض جانبية مع الوقت ومع ايماني العميق بقدرة شعبي على المطالبة بالمساواة والعدل لكل فئات الشعب سوف نتحسن الاحوال لكن اؤكد لك انه ليس باستطاعةرام الله ان تتحول الى المدينة الفاضلة في عصر وزمن غير فاضلين ، خلي الناس تعيش وتتبحبح اذا بتقدر شو العيب في هذا ، ما بعرف !

  3. sorry for the english, I would have used Arabic if it were available. however, i found the quote of Sarab affan’s name rather humiliating in this context. it is a very beautiful book and I’m sure that deep down in every Ramallanian woman lies a little potential Sarab affan
    if only the Arab man had the slightest potential of having a Nael Amran. unfortunately you raised the poor woman’s stupidity as if she had existed as a sole gender on an empty island of “open” men like you
    i hate Ramallah by the way, so do all the people I like

  4. للمعلقة قبل الأخيرة
    لم يذكر الكاتب شيئا ضد حيفا
    هو طرح الرؤية السطحية لأهل الشمال حول اهل راماللة …انهم يتمرغون بحياة الليل والبحبوحة
    مع انها مدينة تعاني من الفجوة الطبقية الصارخة

  5. هل يعتقد السيد بطحيش ان بيروت لكل البيروتيين، او ان باريس لكل الباريسيين، او ان نيويورك لكل النييوركيين، ما بعرف ليه في عند “مثقفنيا” هواية القرف من كل شي، صح رام الله مو مدينة منفتحة بالمعنى الحرفي للكلمة لكن مقارنة مع غيرها من المدن هي متقدمة بأشواط، دور “مثقفينا” انهم يضووا على هالجانب وبعززوا فينا حب الانفتاح مو فكرة انه البلد كلها ماكلة هوا، كثير حلو النقد لما بيكون بناء، اما القرف لأجل القرف هو بحد ذاته قرف
    god bless ramallam & haifa

  6. قرأت المقال في رمان، وأحببت وجوده هنا ، طبعا مشان أعلق :).
    الحقيقة أنو كل كلام الكاتب حقيقي..”يزدحم مركز مدينة رام الله بأبناء المخيمات والبلدات المحيطة كما يكتظ بالفتيات الخجولات بمعظمهن واللواتي يلتزمن بالثياب الشرعية وجميع هؤلاء لا يملكون ثمن القهوة أو ستيك الأنتريكوت في مقاهي ومطاعم المحيط”.

    هاد الي بصير، والثقافة أصبحت بعيدة عن هموم الشعب. الفئات المهمشة صارت مهمشة أكثر لأن الثقافة أيضاً أصرت على تهميشها!. القضايا الواقعية لا يكتب عنها أحد. الثقافة تسكن في برج عاجي، وتتحدث بلغة لا يفهمها أحد من الساكنين تحت.

    ما بعرف عن حيفا ..
    بس عن رام الله، أين المواطن في رام الله؟
    رام الله ليست للمواطنين.. رام الله لأصحاب المصاري فقط.

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>