رسالة من امرأة غير مجهولة

إمتعضتم وقلتم: “إسّا وقتكو؟”، وكأن حراكّنا السياسي والاجتماعي والثقافي وغيره يجري وفقاً لقائمة تبضّع معلقة على ثلاجات الأمّة!

رسالة من امرأة غير مجهولة

ahmadi-gays

..

|بقلم: اللامنهجية|

.>>

ملاحظة أولى لا بد منها:

تزامن إطلاق موقع “قديتا” مع موجة ضغط/حر موسمية فرضت علي عزلة قسرية عن الشبكة العنكبوتية لأيام عدة فلم يتسنَّ لي أن أقرأ عن كثب وبتمعن ما قيل وكُتب من النقد الشائك والناعم للزاوية المثلية. لكن حين سمعت شظف هذا النقد المتناثر في الهواء، فكرت ما الجديد؟ فنحن شعب يفتقد كلّ عناصر المفاجأة والتشويق؛ فقد كان متوقعاً أن تعتلي الزاوية المثلية صدارة موجة الانتقادات التي توقعها (بل وربما انتظرها) القيمّون على موقع “قديتا” الوليد.
..
أصدقائي المستقيمين والمستقيمات؛
أنا امرأة تستوقفني الأنوثة عند كلّ ناصية، تتربّص بي في كلّ زاوية وفي كل مقعد. أتأمل تفاصيل النساء بترقب وتأني المستكشفين، وفي خضم ما أرى وأسمع وأشعر، أتحيّن الفرص مراراً للكتابة عن هذه التفاصيل وتصويرها على الورق. ولكن، كوني لا أومن بأنّ الشهوة لجسد الآخر أو الأخرى هي مسألة أخلاقية أو اجتماعية أو تربوية أو حتى أصّر بعضكم وأضفى عليها وصمة “السياسية”، فإني لم أشغّل نفسي يوماً بالبحث عن “أصولي” الجنسية، تاركةً لكم هوس التلصص والاستجواب والدخول في التحليلات النفسية على أنواعها.. لذلك، لم أستغرب حين “أدلجتم” الميول والرغبات الجنسية لبعضنا وتسويقها على أنها آفة اجتماعية وفقاً للرجعيين منكم، أو على أنها تمام بس الموضوع كله أولويات القضية وفقاً لأشباه المتحرّرين منكم؛ فكل هذه مردّه للمفاهيم الخاطئة التي تحملونها حول ما تسمونه “بالحالة المثّلية”.
أصدقائي، بعيداً عن صبّها في قالب الحريات والحقوق، المثلية هي حالة إنسانية حسّية شخصية فردية بحت. هي حالة إنسانية قائمة بحدّ ذاتها بغضّ النظر عن تعامل المجتمع معها. عليه، فإنّ الكتابة عنها ووصفها هو وصف لحالة إنسانية مَنوطّة بقرار الكاتب وحريته بالتصرّف بنصّه كما يشاء. وفي خضمّ محدوديتنا في النقاش عامةً وبشكل خاصّ بما يتعلق بالجنس والرغبة والشهوة والفيتشيزيم وغيره، نسي حتى المثقفين “المتحررين” منا أننا لا نستطيع أن نأدلج كلّ شيء في الحياة! وربما اختار القيمّون على موقع “قديتا” تسليط الضوء على الأدب المثليّ وعرضه من خلال زاوية منفردة، لإبراز واقع غيابه من نقاشتنا عن الجنسانية على شحّها، ومحاولة الكشف عن حقائق في التجربة المثلية تساعدنا على كسر مفاهيمنا المشوهة لها.
وهنا يجدر التوجّه إلى الرفاق من المثليين والمثليات، وتنبيههم إلى أنهم أيضاً عادة ما يقعون في مطبّ أدلجة المثّلية. فانشغالهم بإثبات حضورهم بدلاً من عيشه حقاً، لغى المثلية الفردانية. فأنا لم أستطع أن أغضّ النظر عن الفقاعة التي
حصرتم أنفسكم فيها ونسيتم ذلك العالم المترامي الشهوات خارجها. رأيتكم تقيمون الجمعيات والجماعات لتبنوا “المجتمعات المثلية” المتكتلة سوياً، ونجحتم بشكل أو بآخر فصار الإنضمام الى حيّزاتكم منوطاً بإثبات المثلية وفقاً لتعريفات ومعايير مشوّهة وغير مقنعة تماماً. إنشغلتم بالمفردات وصياغة الخطابات التي توازي بين شهواتكم الجنسية والشهوات السياسية والوطنية، فأصبح الفرد مرغماً على تبعية الجّمع من غير أن يكون قادراً على مركَزة نفسه لكي يستطيع استكشاف تلك الحقائق الأساسية عن تجربته بعيداً عن المفردات وأيديولوجيات الجماعة.

..
أصدقائي المستقيمين والمستقيمات، المثليين والمثليات؛
سمعتكم من مكاني وراء الكواليس تناقشون الأبعاد السياسية لاحتضان “قديتا” لزاوية الكتابة المثّلية. سمعتكم قبل ثلاث سنوات أو أكثر حين اختارت بعض الزميلات من المثّليات الإنكشاف على العلن من خلال مؤتمر “أصوات” الأول
والتلويح بميولهنّ الجنسية “الشاذة” في وجه قضاياكم الكبيرة، فامتعضتم وقلتم: “إسّا وقتكو؟”، وكأن حراكّنا السياسي والاجتماعي والثقافي وغيره يجري وفقاً لقائمة تبضّع معلقة على ثلاجات الأمّة! وفعلياً حدا هذا التوجّه المريض إلى خلق مجتمع مريض، حيث نرى تزايداً في العنف ضد النساء وبروز ظواهر عجيبة غريبة مثل الفصل بين الإناث والذكور في المدارس، وتراجع على المستوى الثقافي والتربوي واللغوي، ناهيك عن تغييب كامل لمواضيع أخرى لا تقلّ أهمية بدورها مثل البيئة.
فوفقاً لحاملي راية القضية الفلسطينية اليوم، فإن مناقشة ومتابعة وتسليط الضوء على القضايا المجتمعية التي تمثّل كل المجتمعات في العالم، هي من “الكماليات” التي لا يحق لنا إستراتيجيا وسياسياًً تكريس الوقت لها الآن.
أعزائي، لماذا تحبون التسابق على أيٌ قضيه أهم وأثقل وأكثر قومية من الأخرى؟
وليس هذا بسؤال بمحض اختياري بل من واقع هشاشتكم. وكأنّ القضية الوطنية ستثيرها شهوة المثليات أو المثليين “فتخلص” وترتخي وتذوب وكأنّ شهوة المثلي خلافاً لشهوة “المستقيم” هي التي تهمش القضية وتعمي أعيننا عن الأولويات الثورية؛ وفقاً لتوجهكم أيها الرفاق والرفيقات، خلينا كلنا ننذر أجسادنا للقضية “نترهبن” من رغباتنا ومن الكتابة عنها.
إنّ حرية الكتابة عن المثّلية ليس من شأنها أن تنتقص من دور وأهمية وثقّل قضايانا العامة والشاملة بما في ذلك “الشريحة المثلية”، بل على العكس: حريتنا الجنسية هي سلاحنا للتخفيف من ثقل الهموم اليومية، وليس انشغالكم بالبديهيات وانغماسكم بالتصدّي للمساحات الجنسية للأفراد سوى انشغال عن القضايا الجماعية البالغة الأهمية.

..

وأخيرًا؛
من قال إنّ الهوية الجنسية لموقع “قديتا” مستقيمة وليست مثّلية مثلاً؟ وهل إذا قرّرت قديتا أن تكون مثّلية ستعلنون مقاطعتها؟

تفضلوا، فلن تكونوا حينها إلا مخصيين فكرياً وجنسياً وإنسانياً.

(18.8.10؛ حيفا)

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

8 تعقيبات

  1. هذا المقال في غاية التشوش، يبدو لي أن الكاتبة أقدمت على كتابته في لحظة سخط على كل شيء! ينبغي المناقشة بطريقة سببية منطقية. ما أريد أن أعلق عليه هو نقطة واحدة فقط والتي تخص انتقادك لانضمامنا لمجموعات وجمعيات،عزيزتي إذا كان المجتمع يتقبلك فعلاً ولا خطر عليك من التصريح بمثليتك وعيشها تمامًا كالمغايرين جنسيًا دون التعرض للاهانة أو التضييق (وفي دول أخرى السجن والقتل) فإنني سأكون أول الأشخاص الذين يتركون العمل ضمن جمعية مثلية، فصدقيني إن وقتي لا يتسع للكثير من النشاطات، لكن الواقع مختلف تمامًا ولا حاجة لأشرحه لأنك تعرفينه وتعيشينه بدون شك، فلذلك، ولأننا لا نعيش في جزيرة منقطعة، إذًا علينا التنظم لإحداث التغيير في المجتمع من أجل نيل حقوقنا وحريتنا التي هي حق أساسي وليس منة من أحد.

  2. كتير حبيبت!!!! كفيتي و وفيتي :)

  3. رائع واقول ذلك وكلي فخر باني مثلي جنسش فلسطيني واحب بلدي وارضي وشعبي وانا سياسي ايضا في الخارج ، كل قضايانا متشابكة ببعضها البعض ولكننا يجب ان نقوي من زيمتنا حتى نثبت انفسنا اكثر واكثر .

  4. طوال فترة ما وأنا أحاول تكوين صورة عن المثليين ذكورا وإناثا بمعزل عن تصوراتي المسبقة.. في النصوص شعرت بوجود افتعال شديد الغاية القصوى منه ذكرت مفردات معينة أو تبجيل صورة مجردة من واقعها أو لمحض الاختلاف بمعزل عن القيمة الفنية؛ في المقالات رأيت محاولات فكرية لتأصيل الأمر على أنه “أقلية” وطبيعة بيولوجية؛ وخلصت إلى النتيجة التي مفادها أن المثلية -في أحسن أحوالها- حالة فردية لا تصلح للتأصيل الفكري أو التنظيمي أو السياسي. وبعد قراءة مقال الكاتبة هذا (وأوافقها في الكثير من الأمور) خلصت إلى أنه ارتباك في الهوية الجنسية يتقاطع مع الارتباكات الأخرى (كالقومية والوطنية)، وليس من قبيل الصدفة أن تكون بدايات التأصيل (التنظيمي) للمثليين في حيفا بالذات.
    إن المثلية قضية خاسرة حتماً عبر الزمان والمكان..

  5. وجهة نظر مقنعة فعلا اعجبني موقفك يا لامنهجية
    واذا ممكن ارد علي رنا اعتقد انك لم تفهمي ما كتب
    اعيدي قراذته وستحصلي علي اجابات لاسذلتك

  6. عزيزتي لامنهجيّة،
    اولا احببت طريقة كتابتك والأسئلة التي فتحتيها وشاركت فيها. أوافقك بأن المثلية هي *أيضاً* “حالة إنسانية حسّية شخصية فردية” إلا انه ليس فقط. لا يمكن الفصل بين الشخصي والعام، خاصة اذا العام كان مغيّب، مهمّش، ملاحق ومعنّف… وفي هذه الحالة هنالك حاجة بالنضال من أجل هذه الحريات.. أما بالنسبة “الإنضمام الى حيّزاتنا المنوط “بإثبات المثلية وفقاً لتعريفات ومعايير مشوّهة وغير مقنعة تماما” فأقترح عليك اعادة فحص معلوماتك الخاطئة وأدعوك لنقاش نقدك هذا :)

  7. 1) لم أفهم ماذا تريدين – ففي البداية تنتقدين الدمج بين المثلية والسياسية وفي النهاية تطلبين الترهبن من الجنسية والتركيز في الأمرو المهمة تاركين الشهوات جانباً – فما أفهمه من حديثك انك تطلبين من المثليين العودة الى الخزانة لكني غير متأكدة بأن هذا ما أردت قوله من هذة الكلمات والجمل المتراصة لمحاولة بائسة في التعبير عن معنى ربما سيرى فيه احدهم مغذى

    2) الكلمية العربية لكلمة straight هي سوية، سويين أو أسوياء – اما كلمة “مستقيم” فهي ترجمة حرفية للكلمة ويصح أستعمالها لأستقامات أخرى كأستقامة العضو التناسلي الذكري وليس للتعبير عن ميول جنسية مغايرة

    3) المثلية الجنسية ليست مجرد شهوات! فكما ان المثلية المغايرة ليست شهوات فقط، فهي ترتبط بتكوين عائلة كوحدة أجتماعية أساسية، وفي الحصول على الدعم الحكومي والمجتمعي المادي والمعنوي وغيرهم فكذلك هي المثلية غير انها ممنوعة من الصرف!!!

  8. رهيب!

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>