ليش أوقات بستحي قولها؟

صحيح مجتمعها فقير ومعتّر ومقموع بكتير طرق، بس ع الأقل أفراده من الرجال والنساء قادرين يعبروا..

ليش أوقات بستحي قولها؟

painti191

|بقلم: عشتار|

بشغلي، بلتقي بكل أنواع الناس: رجال، نساء، كبار، زغار، فقرا، أغنياء، متعلمين، غير متعلمين، ببيروت، بالشمال، بالجنوب، بالبقاع وبالمخيمات. بدق أبوابهن، بفوت ع عوالمهن، بعرف عن حياتهن وأخبارهن ومشاكلهن. في كتير منهن بيحكوا، بيخبروني عن القمع والظلم اللي بيتعرضولوا، أو العكس، عن قديش مرتاحين ومبسوطين. بيحكوا عن طموحاتهن، آمالهن، مشاكلهن، أوجاعهن، أفكارهن، والاشيا اللي عم توقف بدربهن. في كتير بيحكوا، وفي كتير بيضلوا ساكتين وما بسمع أصواتهن أبدا، بس دايما، بكون عم شوف عيونهن، كتير منيح.

أما أنا، فبحكي عن القمع: القمع الطبقي، القمع الجنسي، القمع الذكوري الجندري، القمع السياسي، القمع العرقي، وبحكي عن الأمل بالتغيير وكيف ممكن نغيّر. بحكي كتير عن حقوق الإنسان بالمطلق، شو ما كان هالانسان، عن حقوا بحياة كريمة خالية من القمع، عن حياة أفضل، عن تعليم أفضل، عن مستوى معيشة أفضل، عن بيئة أنظف وصحية أكثر، عن العدالة شو ما كان نوع هالانسان، امرأة أو رجل، وشو ما كانت وظيفتهن ومركزهن ودرجة تعليمهن، وشو ما كانت جنسيتهن. بحكي عن حرية الخيار بكل شي، وقصدي، كل شي. حرية اختيار الشكل، والملبس والمهنة ومكان السكن وطريقة الحياة وساعات الطلعة والرجعة… وحرية ال… ليش بسكت ما بقولها؟

أوقات بقولها، “حرية الخيار الجنسي”، بمطارح  كتير معينة، ومع جمهور كتير معين. بس كتير أوقات، بستحي وبسكت. ما بستحي لأن بعتقد انو خطأ أو انو المثلية الجنسية أو الحرية الجنسية بالمطلق عيب أو شذوذ أو مش طبيعية. بس لأن بيكونوا الناس يللي عم بحكيهن، بمطرح تاني.

مثلا، لمن فوت ع منطقة عايشة واقع بائس جدا، جدا، واقع من الفقر، والفقر والفقر، والجوع، والتعتير لدرجة انو استحيت بثيابي اللي هني كثير بسيطين. من الصعب جدا ساعتها، انو أوقف قدام هالناس، وقلّهن، ليكوا: انتو حرين تناموا مع مين ما بدكن. مش لأن هالناس محافظين بس، بس لأن بحس انو معاناتهن أكبر من هيك جملة، كتير أكبر. وعلى الرغم من انو حقوق الإنسان ما بتتجزأ، ومنها الحريات الجنسية والجسدية، وعلى الرغم من اقتناعي التام انو مش ممكن يكون في أولويات بسلم أولويات الحقوق، وهيدا نقاش دائم ومستمر بين ناشطي وناشطات حقوق الإنسان، الا انو في شعور بيجي فجأة بلحظة معينة وبيطغى علي من دون أي تفسير أو تبرير وبيخليني اسكت.

بس من كم يوم، كنت عم بعمل شغلي، والتقيت بانسانة من اللي ما بيحكوا شي. كانت قاعدة وحدها بآخر صف، وعم تتسمع كل الوقت بلا ما تحكي ولا كلمة. بس كان في بعيونها وجع، يمكن كتير قلال يللي بيقدروا يلاحظوه، كان في كلام بدو يطلع وما عم يطلع. كانت كأنها عم تنتظر مني قول شي، احكي عن شي هي بدها تحكي بس ما فيها لأنها بنت هالمجتمع الضيق اللي رح تبقى فيه من بعد ما أنا فل. نطرت، ونطرت، وكل ما مرق الوقت كل ما صارت علامات خيبة الأمل ونوع من القرف تبيّن ع وجّها. خلصت حكي، وما قلت الشي يللي كانت عم تنطروا. قامت فلّت، وتركتني مع احساس كتير كبير بالذنب والضعف والخجل. هالمرة، استحيت منها هي، ما استحيت من مجتمعها الفقير والمعتّر.

صحيح مجتمعها فقير ومعتّر ومقموع بكتير طرق، بس ع الأقل أفراده من الرجال والنساء قادرين يعبروا عن قهرهن لبعضهن بأوقات كتير، ولو ما كان صوتهن مسموع للدولة وللعالم. الأهل يمكن قادرين يشكو الفقر لولادهن، والولاد قادرين يشكو الحرمان لأهلهن. البنت قادرة تشكي قصة حب فاشلة مع شي شاب لأمها، والشاب قادر يحكي عن تجربته الجنسية مع شي بنت لأصحابه، وكلهن قادرين كل يوم يحكوا عن التمييز والقمع اللي بيعيشوا سوا. بس هيدي البنت، كيف عايشة؟ هل هي متصالحة مع جنسانيتها؟ هل هي متصالحة مع جسدها؟ كم مرة حبّت؟ كم مرة انكسر قلبها؟ كم مرة بكيت وحدها بلا ما تكون قادرة تقول لحدا؟ كم مرة حست بالذنب وما لقت حدا حدّها يقلها انو كل شي عم تحسو وتعيشوا طبيعي ومن حقها؟ كم مرة تعرضت للتمييز والسخرية والشتائم وحتى الضرب؟ كم مرة انزربت بغرفتها، وانهانت وانذلت؟ كم مرة ما قدرت تقول لأمها عن قصة حب فاشلة مع بنت؟ كم مرة ما قدرت تقول لأهلها انو ما بدها تتزوج وانو الحياة اللي بدها ياها، غير الحياة اللي بدهن ياها تعيشها؟ كم مرة فكرت تتزوج تا تهرب من واقعها لواقع أقسى وأمرّ يمكن؟ كم مرة حبّت تعزم البنت يللي بتحبّها ع فنجان قهوة وما كان معها أكثر من 2000 ليرة (ما يعادل دولارًا ونصف) بجيبتها؟ كم وكم وكم؟

كل الليل فكرت بهالاشيا، وبكيت. حسيت حالي كتير جبانة، خيّبت آخر أمل يمكن كان عندها ياه، تا تعرف انو في حدا بهالعالم بيفهمها وبيعبّر عنها. بس وقتها عرفت قديش كنت عم قصّر بحق مجموعة كبيرة من الناس يللي كانوا بين الجمهور الحاضر. وقررت انو ما يقى قصّر بحقهن، لأن مهما كان في فقر وتعتير وقهر وتمييز، من الأفضل انو ما نضيف عليهن تمييز وقهر وكبت وقمع زيادة.

صحيح انو يمكن ما اقدر قولها بطريقة مباشرة، بس دايما في طرق ملتوية فينا نستغلها تا نحكي بالمواضيع اللي ضروري نحكي فيهن. من يوم وطالع، ما بقى رح استحي، وعد مني.

(عن مجلة بخصوص المثلية اللبنانية- بموجب اتفاق تبادل نشر بينها وبين قديتا-نت)


المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>