عام على “مثليون ونص”

كان أول الأدوار الهامّة للزاوية وضع كل ما يتعلق بالمثلية الجنسية على طاولات الحوارات في أماكن وأوساط مختلفة

عام على “مثليون ونص”

|تاج العريس|

عندما أُعلِن عن انطلاق زاوية “مثليون ونص” انتابني شكّ بأنّ تكريس موقع “قديتا” لزاوية للكتابة المثلية يأتي من باب عرض موضوع “سكسي” يضمن جذب عدد أكبر من القراء. لكنّ التعامل الجدّيّ مع الزاوية والإصرار على الاستمرار فيها رغم ما سببت من جدل، أزالا شكّي هذا. وقد قمت بإرسال بعض من نصوصي للزاوية، وفعلا تم نشرها ولاقت استحسانا من القراء.

برأيي تكمن أهمية هذه الزاوية في هذا الموقع السبّاق في كونه المنبر العربي الوحيد الذي عرفته وأعرفه والذي يرحّب بالكتابة المثلية العربية ويشجعّها ويطوّرها، وهي التي طالما تم تجاهلها، بينما قوبلت الكتابة الغيّرية بالترحاب طبعًا، شرط ألا تُسرف في الكتابة الإيروسية.

لقد كان أول الأدوار الهامّة للزاوية -والذي لاحظته أول انطلاقها- وضع كل ما يتعلق بالمثلية الجنسية على طاولات الحوارات في أماكن وأوساط مختلفة؛ فالزاوية ومضامينها سلبت “امتياز” تجاهل المثلية ممّن تجاهلوها وأقحمتها الحيّز العام، بل شجّعت مَن تخوّف من طرح الموضوع على خوضه خصوصًا كون الزاوية تقع ضمن موقع “غير مثليّ”.

الدور الأهمّ والأعمق بنظري كان دور مسألة معايير الكتابة والأدب والفن، والتي طالما وضعناها لأنفسنا والتزمنا بها عقودًا كثيرة. فالزاوية ذبحت قطيعًا من البقرات المحرّمة بثقة بالغة ومن دون هوادة أو تأتاة تُذكر، وهذا باعتقادي ما جعل الجدل الواسع والصاخب الذي رافق انطلاق الزاوية يتراجع شيئا فشيئا حتى كدنا لا نسمع اليوم نقاشا حول شرعية الزاوية وأهميتها، رغم الاستمرار في نشر النصوص ذات الطابع الايروسي والتي تميز الزاوية، واختفت تقريباً من زوايا الموقع الأخرى.

أحمل على الزاوية التفاوت الكبير في أنواع النصوص ومستوياتها، بحيث نُشرت نصوص علمية وأخرى أدبية وتقارير في خليط عجيب أفقد الزاوية زخمها أحيانا. كذلك افتقرت الكثير من النصوص الأدبية إلى الجمالية وأخفقت في معالجة الأفكار أدبياً وجمالياً، وتقوقعت في الشعاراتية في قالب أقرب لما يُسمي بـ “الخواطر”!

كان أكثر ما أحببت من النصوص، تلك التي ارتقت بالتفاصيل الحياتية الصغيرة إلى نصوص أدبية جمالية

وخاصة النصوص التي تناولت التجربة الفلسطينية بوجه جديد. فحاولت ونجحت بنظري بشكل لا بأس به في دفع عجلة مشروع جديد نشهده في السنوات الأخيرة والذي بلا شك يلاقي احتجاجًا من أوساط عديدة، كونه يهدّد ما كان سائداً ويتعامل مع التحوّلات والتعددية في المجتمع الفلسطيني ويعرّي علاقات القوى القامعة وتجلياتها عبر التحرر من السلطات المركزية القديمة، وتذويت التصور اللاهرمي للهويات وعلى رأسها الهوية الجنسية والجندرية والتعبير عنها، ومعاينة المفهوم الجوهري واللاتاريخي للقومية والذي يغيّب علاقات القوى على المستوى الطبقي والجندري داخل المجتمع الفلسطيني، ومساءلة كل الفرضيات والمسلمات وكسر المحظورات والمعايير الدينية، واستنهاض كل ما أقصي إلى الهامش.

لا شكّ في أنّ الزاوية ساهمت في تفكيك وخلخلة الخطاب السّائد والإعلاء من شأن الهامش، وعلى رأسه الكتابة المثلية، وروّجت لحوار منفتح حول التعدّدية الجنسية والجندرية، وبذلك عزّزت الحراك المجتمعي باتجاه قيم الحرية والانفتاح، وعمّقت وطوّرت درجات الوعي المجتمعي والاستجابة لمجموعة أفكار جديدة تعمل بحرية بعيداً عن الثوابت القديمة وتطوّر رؤية بديلة للهوية الجنسية والجندرية.

لقد كنت ممن أيدوا الـ”غيتو” المثلي هذا في “قديتا”، إيمانا مني بضرورة عدم دمج الكتابة المثلية والغيّرية في مكان واحد؛ بداية لأنّ ذلك سيخفف من وقع الحدث وقد يؤدّي الى نفس الهيمنة الغيّريّة التي نجدها في كل مكان، ولأنّ “غيتو” كهذا -وعلى غرار التجربة النسوية- من شأنه أن يُشجع البعض على القيام بالخطوات الأولى في نشر أعمالهم لأنه قد يكسبهم الثقة والجرأة على خوض تجربة الكتابة المثلية. لكن اليوم، وبعد تحقيق الهدف المذكور وإيماناً بوجوب طرح شمولي لقضية التحرّر الجنسي، فقد آن الأوان لإعادة صياغة هذه الزاوية لتكون أكثر شمولية ولتفتح الباب أمام التعدّدية الجنسية والجندرية والتحرّر الجنسيّ والفكري بكافة أشكاله، لا سيما ثقافة أحرار الجنس (الكويرز) وكلّ ما يتعلق بالجنسانية. فالبقاء في “غيتو” طويلا قد يصبح عقبة في وجه تطوير التعددية الجنسية عامة وهذا ما أعتقده الهدف المنشود.
بغض النظر عن الشكل الذي سوف يُعتمد في الزاوية الجديدة، آمل أن تظل المسألة الأساسية هي ذاتها: التعددية الجنسية والحريات وتجارب الحرية، وأن تشكّل هذه العمودَ الفقري للزاوية.

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

1 تعقيب

  1. هل استأذن ادارة الموقع فى تبادل القصص القديمة والتى ربما قد اثرت فى شخصية الأصدقاء على الموقع والتى قد يكون استرجاعها هو نوع من استرجاع المتعة … انا لن اعرض البريد الالكترونى خاصتى لتبادل القصص والمعلومات الا بعد الحصول على موافقتكم .. اعرف ان هذا الموضوع لن ينشر الا بعد المراحعة وعلية اطلب منكم الموافقة وشكرا

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>