دخان/ عادل زعبي

|عادل زعبي| يُحكى ان أجمل زوجين من البشر عاشا في بلاد ا […]

دخان/ عادل زعبي

|عادل زعبي|

عادل زعبي

يُحكى ان أجمل زوجين من البشر عاشا في بلاد الخرافات حيوات عديدة بمحبة وأمان، وكانا في تصالح دائم مع محدّث الخرافات… إلى أن تعرفا على التبغ. ومع مرور الوقت اكتشفا التدخين، وصارا يدخنان ويدخنان، حتى صار محدّث الخرافات يسعل، فعاقبهما ولعنهما. الجنس- كانت هي تسمية وحيدة، أضافها الى حياتيهما فجعلت منهما أربعًا، ثم  شعبًا، ثم ما اتفق على تسميته بالجنس البشري.

مذ بداية تناسلهما، وحتى قبل بلوغ عددهم عشرة أزواج، أدرك زوجان منهم تخلف الأزواج المتبقية عنهما. وبعد عدة محاولات من كل زوج على حدة، لتسخير الأزواج الأخرى لخدمته، اجتمع الزوجان، وبعد ان تناقشا طويلا اتفقا على خلق الله، ونجح الزوجان معًا في السيطرة على جميع الأزواج، والأزواج الذي أعقبتهما في ذاك الزمن الغابر.

وحين استمر الجنس البشري بالتكاثر، كانوا قد اعتادوا جميعا على وجود إلهة، تريد أن تدلهم على كيفية تنظيم جنسهم. إلهة تحبهم، ومن شدة حبها لهم تعدهم بحفلة جنس طويلة، فيها نفس لا ينقطع، إلهة لا أم ولا أب لها، مات خالقوها الأوائل، إلهة تناقلتها الأجيال وحرصت على تحديث خلقها… تماما كما حرص البشر -جيلاً إثر جيل- على تحميلها كل شرورهم ومآسيهم.

إلى يومنا هذا يبقى الجنس محور الحياة البشرية بأسرها، هو مادتها الأساسية وغذائها الرئيسي، هو مجمل المخيلة وخلاصتها، تاج المتعة وعرش تلذذها، قلب المعاني ومعنى تجاربها؛ هو جوهر المعرفة البشرية وحقيقة وجودها وتجدّدها؛ هو مركز الأوجاع وباطنها، وهو اسم الصلوات ودلالات خشوعها، ومهما تعدّدت الأشكال وتنوّعت الأوجه، يبقى وحده المسموع بكل النغم، الجلي بكل لون، الحاضر برسم كل حرف.

تبقى النفس البشرية مشتتة ما لم تتحقق من ميولها، وتحقق جنسها الخاص. فالكل يأتي بعالمه من شهوته؛ فقد احكم الجنس قبضته وأصبح أسلوب قيادة السيارات والسبب في اختيارها. فمن لا يشم رائحة الاحتكاك المستمر داخل حافلة ضيقه تمضي إلى فرع بريد مزدحم؛ من لا يسمع تأوهات الاحتكاك السحري في ملاعب المدارس؟ الجنس، الجنس يقدح شرره بكل ركن، يفيض من وراء كل قصد. هو عالمنا المختبئ الذي نصادف فيه بشرًا يتخذون من الخشب صنعة لهم، من دون أن يخطر لهم ببال أنّ أصل ذلك كله يعود فقط لرغبة منهم بممارسة الجنس على غصن شجرة.

وهكذا، وبسبب الإفراط في التدخين تحوّلت حياة زوجيْن إلى جنس بشريّ يرمي البنات في النهر ليضاجعنّ، ولا يرسل الطوفان جنس بشري يخلق الله من عذراء، مبشر بمعاشرة أبدية للجميع. جنس بشري إلى جهنم والعياذ بالله ما لم يتوقف عن التدخين.


المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

1 تعقيب

  1. القصة حلوة
    وشكراً لعادل رعبي
    الي فضى وقتوا على هذا الاشي الحلوا الي الوا مغزى

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>