“رام الله الشقراء”؛ رواية ترصد تفاصيل الحياة وسياسات الهوية

من جانبه تناول أستاذ الأنثروبولوجيا الثقافية في الجامعة علاء العزة بنيّة النص ورآه مميزا من الناحية الفنية لأنه يشبه المدينة في تشظّيها، فالرواية حسب العزة “تشبه الحالة التي تتناولها، والنص يتميز بكون الرواي فيه ينطلق من زمانية مغايرة يحاكم الواقع أو الحاضر في ضوئها..”

“رام الله الشقراء”؛ رواية ترصد تفاصيل الحياة وسياسات الهوية

| خدمة إخبارية |

عقدت دائرة علم الاجتماع والإنسان في جامعة بيرزيت ندوة حوارية لنقاش رواية “رام الله الشقراء” للكاتب عبّاد يحيى والصادرة منذ أيام عن دار الفيل في القدس، تناولت فيها الرواية والقضايا التي تثيرها بحضور مجموعة من الأكاديميين والأساتذة والطلاب، انطلاقا من رؤية الدائرة أن الرواية تناقش بعين سوسيولوجية التغييرات الاجتماعية والاقتصادية التى طرأت على رام الله كمدينة؛ وعلى الشوارع كمجالات للنشاطات الاجتماعية؛ والتغيرات الطبوغرافية للشوارع والمبانى والمنعزلات المكانية؛ وتُقدم قراءة نقدية لطرق الاتصال الجديدة المتأرجحة بين المحلية والكوسموبوليتية، وتَفحص المحددات “الجنسانية (الجندر)”، و”الإثنية” و”الفضاءات المضادة”، وُتفكك المرجعيات الثقافية الجديدة وتُحُلل ظهور مكونات وشرائح اجتماعية جديدة.

وقدّم رئيس الدائرة الدكتور أباهر السقا قراءة موجزة في الرواية قائلا “إن الرواية تعكس الحالة الهستيرية التي تعيشها رام الله بالمقارنة مع غزة السمراء أو الحمراء اليوم”، ورأى السقا أن “الرواية تحاكي تناقض المحلية والكزموبوليتية والتغيرات الاجتماعية العديدة في المدينة وتحاكي الفضاءات المضادة وكل المظاهر الجديدة بطريقة رائعة سلسة، وكلنا نستحضر في هذه المدينة محليتنا وهي تغدو مع الأيام لا تشبهنا، وتتناول الرواية واحدة من أهم القضايا في رام الله والأكثر إثارة في الرواية وهي الحضور الأجنبي في المدينة، والرواية ترصد تفاصيل الحياة والعمارة وسياسات الهوية والعلاقة مع الشتات الفلسطيني، وعبّاد يحيى يمر على كل هذا الطيف بدءا بسلافوي جيجك وصولا لباعة القهوة في المدنية”.

وفي مداخلتها قالت أستاذة علم الاجتماع الدكتورة ليزا تراكي إن “الرواية تنتمي إلى أدبيات جديدة نقدية حيال رام الله بعد سنوات من وجود أدبيات احتفائية بالمدينة، ومن المهم التركيز على قوة الرواية في إبراز التناقضات الموجودة في حياة الناس، ومنها التناقضات في حياة اليساريين الذين تم احتواؤهم بطرق مختلفة، والتناقضات في حياة الفنانين والمثقفين الذين تم شراؤهم، والتناقض في وجود مطاعم ومقاهي مترفة ومشرعة طوال الليل على تخوم مخيم للاجئين، والتناقضات تمتد إلى الكثير مما يتجاوز الحياة الفردية وصولا للظواهر الاجتماعية”، ولفتت تراكي الانتباه إلى الديناميات الجندرية بين الراويين الذكر والأنثى، وقالت إن “الراوية شخصيتها قوية جدا وهذا مهم وهي مستعدة للدفاع عن مواقفها ومستعدة للاعتراف بنقاط ضعفها، فين حين أن الرواي لا يضيّع أية فرصة لانتقادها ولفت نظرها لكل نقاط تناقضها، في حين يظهر هو –الرواي- كواعظ أخلاقي لا يعيش أية تناقضات وهذا لافت، مع الإشارة إلى أن الواعظ هو من سقط في التناقض الأهم”.

أما الدكتور عبد الرحيم الشيخ فقدم مداخلة قال فيها إن “الرواية في العادة هي جنس أدبي مظلوم، وأفضل طريقة لفهم الأمر هي القول أن الرواية رواية، والنوع الادبي الذي اختاره الكاتب مشهور ومعروف وقديم من ابن حزم إلى بورخيس لمحمود درويش …إلخ، هنالك جنس أدبي قائم على الرواية المعتمدة على المراسلات، ومحمود درويش من جهة أخرى قدّم القصيدة التسجيلية، كونها بالدرجة الأولى تسجّل مثل قصيدة حالة حصار، ونحن هنا أمام رواية تسجيلية وتتجاوز التسجيل، ومن جهة أخرى فإن كانت كتابات الحداثة كما يقول ليوتار تكتب وفق قواعد فإن كتابة ما بعد الحداثة تمضي وهي تبحث عن قواعد، وكما يقول الفرزدق “علينا أن نكتب وعليكم أن تحتجوا”.

جانب من الحضور

جانب من الحضور

ورأى أستاذ الفلسفة والدراسات الثقافية في برزيت أن الكاتب في الرواية “أنشأ مرآة بحجم سماء رام الله بالضبط تعكس المنطقة الخضراء الامنية والمؤسسات الأجنبية والأجنبيات وما يجري في المدينة، وتحديدا العمل على مفهوم “الأخرى” كغازية كما عمل عليه جورج طرابيشي في المقارنة بين “موسم الهجرة للشمال” و”أصوات”، ومن المعقول جدا الإضافة على مفهوم الذكورية في الاستعمار بحيث تصبح هناك أنوثة في الاستعمار، وهي الأنثى الغازية المؤدية لوظائف استعمارية، وفي النص تعبير عن حالة رام الله التي يسميها خالد عودة الله “مستعمرة ما بعد الاستعمار”، وربما يسميها الفارابي “المدينة الباحثة” حيث مئات المراكز البحثية تبحث نفسها ومنطقة خضراء تعرّف على انها منطقة خضراء وتدرس نفسها على أنها منطقة خضراء، والكاتب في الرواية استطاع بـ”دبوس من عسل” التقاط ما يجري هنا”.

من جانبه تناول أستاذ الأنثروبولوجيا الثقافية في الجامعة علاء العزة بنيّة النص ورآه مميزا من الناحية الفنية لأنه يشبه المدينة في تشظّيها، فالرواية حسب العزة “تشبه الحالة التي تتناولها، والنص يتميز بكون الرواي فيه ينطلق من زمانية مغايرة يحاكم الواقع أو الحاضر في ضوئها، ويمكن القول إن الرواية محاكمة للحاضر انطلاقا من زمن القصص الكبرى والقضايا الكبرى، والرواية تعالج العلاقة الأعقد بين الغرب والشرق، وتحديدا العلاقة الاستعمارية مع النص التي مازالت مستمرة في حيز رام الله، والشقار يتجاوز البعد الجنسي إلى مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسة الأمنية والحياة الاستهلاكية، وفي رام الله محاولة دؤوبة للقول والتمثيل بأننا نشبه الأجنبي الأبيض الأشقر والمدينة تحاول إثبات أنها تشبه الغرب، ولكل ما لهذا التمثيل من رمزية في العلاقة الاستعمارية ككل، ويمكن القول إن رام الله اليوم فيها الكثير من الوجوه السمراء والأقنعة البيضاء”.

وقدم العديد من الطلبة والطالبات مداخلات حول الرواية وبعض الآراء لفتت النظر إلى أن “في الرواية ردا على الاستعمار من خلال الكتابة عنه، كيف نراه وكيف نتصوره، وهو ما يشكل خروجا عن الاستسلام للتصورات الغربية عنّا”، والرواية تبدو حسب بعض المداخلات تحمل “إجلاء للكثير من الريبة والشكوك حيال الوجود الأجنبي والغربة التي يعيشها الفلسطيني في مدينة يفترض أنها مدينته، وبعد قراءة الرواية يبدو أن القارئ لن يرى رام الله كما عرفها أول الأمر”.

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>