حُورة الجنوب وومْضُنا ومحْلُهم/ أسعد موسى عودة

على هامش معركة الانتخابات البرلمانيّة الوشيكة والشّائكة (5)

حُورة الجنوب وومْضُنا ومحْلُهم/ أسعد موسى عودة

|أسعد موسى عودة|

asaad-qبينما أنا منصرف إلى كتابة هذه السّطور الأسبوعيّة، بعد أن عنونتُها “ومْضُنا ومحْلُهم”، جاءني خبر حُورة، ففزِعتُ فيه بآمالي إلى الكذبِ، يا شاعر العربِ. ولكنّ الخبر – واحرّ قلباه ممّن قلبهم حجر – سرعان ما بات نبأ لا يقبل التّكذيب. ثماني نساء أمّهات غاليات، قد أنجبنَ ثماني قبائل، كنّ عائدات حاجّات من ثالث الحرمين وأولى القبلتين، وما كنّ يعلمن – ليت شِعري، فلربّما أحسسن – أنّهنّ يستقللن حافلة من موت، قد اكتنزت لحمًا وهمًّا. فأنياب الحرّاثة نفسها الّتي كانت – قبل سُوَيْعات – تُعْمِل حقدها الدّامي في عَلك الشّجر والحجر، أبتْ – في طريق عودتها – إلّا أن تُكمل المَهَمّة، فلم تفوّت، أيضًا، فرصة لِعلْك البشر، لتكتمل معادلة الحصاد القذر.

لا! لن نسلّم بمعادلة الشّاعر: “ومن لم يمُت بالسّيف مات بغيره / تعدّدتِ الأسباب والموت واحد”؛ فيجب ألّا نقبل ولن نقبل بأن تكون حَيَواتنا عُرضة لأنياب حَيّاتنا. يجب ألّا نقبل ولن نقبل بأن تكون حَيَواتنا رهينة في يد الإهمال والعبث من جانب، والتّجبّر والاستكبار من جوانب.

كان لافتًا، حقًّا، لأسباب لم تتّضح بعدُ أسبابُها، أمر التّغطية الإعلاميّة الواسعة الّتي حظيت بها معالم هذا الحادث الجلل، لكن – في الوقت نفسه – لم يكن لافتًا غياب أيّ مسؤول رفيع عريض عن ميدان الواقعة. ولن أوسع في هذا الشّأن ذمًّا؛ ففي مستوى الشّعور الإنسانيّ الحضاريّ، الرّاقي الدّيمقراطيّ المسؤول، نقول: “لقد أسمعتَ لو ناديتَ حيًّا / ولكنْ لا حياة لمن تنادي / ولو نارًا نفختَ بها أضاءتْ / ولكنْ أنت تنفخ في رماد”. لتظلّ معادلة أبي الطّيّب – منذ أزيَد من ألف عام – هي الغالب: “حُسن الحضارةِ مجلوبٌ بتطريةٍ / وفي البداوةِ حُسن غير مجلوبِ”.

رحمكنّ الله – نساءَنا أمّهاتِنا – وتقبّلكنّ قبولًا حسنًا، وتجاوز عن ذنوبكنّ وأكرم نُزُلكنّ، وألهم ذويكنّ – من بعدكنّ – حسن العزاء وطول البقاء. آمين يا ربّ الأرض ويا ربّ السّماء!

هذا – وفي سياق متّصل، نراه أبدًا – كان من شأن “و م ض”، أيضًا، الّتي أطلقناها رمزًا لقائمتنا المشتركة، أن تثير حفيظة وقلق وخوف ورعب من ستأتي عليهم بنا – بحول الله الأغنى – مواسم محْل سياسيّ تترى، فتترى وتترى ثمّ تترى، نعني حزب التّكتّل ومن لفّ لفّه، وعلى رأسِه رأسُه الّذي سيُسقِطه ويَسقط معه على رأسِ رأسِه، ورمزه من حاله –  إن شاء الله – محْل؛ “م ح ل”. وذلك بادّعاء استحواذهم هؤلاء على حرف الميم واحتكارهم إيّاه في العبريّة، شكلًا في بداية الكلمة أو وسطها. حيث رُفع الأمر إلى لجنة الانتخابات المركَزيّة برئاسة قاضي المحكمة العليا، سليم جبران، واضطُرّ وكلاء قائمتنا المشتركة إلى اقتراح تعديل لرمز القائمة من “و م ض” إلى “و ض ع م” (الجبهة الدّيمقراطيّة للسّلام والمساواة، التّجمّع الوطنيّ الدّيمقراطيّ، الحركة العربيّة للتّغيير، والحركة الإسلاميّة؛ باعتبار تراتبيّة الحروف، ههنا، فقط لا غير)، إذ تصبح الميم – في هذه الحال – في آخر الكلمة الرّمز، فيختلف شكلها في العبريّة، وبذلك تُفوَّت على وكلاء التّكتّل الآيل إلى التّفكّك – إن شاء الله – فرصة ادّعائهم هذه. وهو ما ستبتّ أمره اللّجنة المذكورة في بحر أسبوع، قد جفّ جلّه.

ويكون وكلاء قائمتنا المشتركة باقتراحهم هذا التّعديل – إن شاء الله – قد أضافوا إلى فعْل الومْض رمزًا لفعل الرّعد، أيضًا (حرف العين) لسحاب سيُمطرنا نورًا ويُمطرهم نارًا؛ لسحاب سيُطْلقنا سنابل ويُطْلقهم فسائل؛ لسحاب سيُجرينا جداول ويُجريهم سلاسل؛ لسحاب سيبعثنا أصائل ويُلقيهم بدائل.

خمسة عشر مقعدًا ورابع أو حتّى ثالث كتلة في برلمان دولة إسرائيل – أيّها الشّرفاء أيّتها الشّريفات، أيّها الأعزّاء أيّتها العزيزات، أيّها الأحرار أيّتها الحرائر – في متناول اليد، أيضًا، كما هو في متناول العين. فهلمُّوا وهلْمُمْن، عربًا فِلَسطينيّين، دروزًا، مسيحيّين، ومسلمين؛ ويهودَ (يهودًا) لا-صِهيونيّين، ديمقراطيّين، متنوّرين، تقدّميّين، وليبيراليّين حقيقيّين، لنقلب الطّاولة ونصوغ المعادلة من جديد، بيد من ورد وحديد، على أسس من العدل والدّيمقراطيّة الحقّة. وعشمنا الأكيد أن تكونوا – نوّابَنا/ نائباتِنا، منتخَبينا/ منتخَباتِنا – على قيْد الأوائل والأُوَل، وعلى قدّ الأمل.

وإنّه – وخصوصًا باعتبار الرّاهن من عناصر المشهد السّياسيّ – الاجتماعيّ الإسرائيليّ كافّة – باتت مشاركتنا، نحن – العرب الفِلَسطينيّين الأصليّين الأصلانيّين الأصيلين – في هذه الانتخابات، أكثرَ من أيّ وقت مضى، واجبًا أيّما واجب، وليس مجرّد حقّ – إن شاء الله – غالب. وإنّما تبنّي فكرة المقاطعة باختلاف أشكالها، أو المناداة بها والتّرويج لها (حتّى لو كانت هذه بإلقاء ورقة بيضاء في العلبة الزّرقاء) – في مثل هذيْن الحَراك والعِراك – ما هو إلّا ضرب من اللّا-مسؤوليّة والعبثيّة والعدميّة والمبدئيّة النّاقصة. كما أنّ التّصويت لغير هذه القائمة المشتركة (و ض ع م) – عندي – لأحزاب صِهيونيّة أو لأحزاب عربيّة مراهِقة لا تهوى إلّا المغامرة لا بل المقامرة ولربّما المؤامرة، فليس لها أدنى حقّ أخلاقيّ ووطنيّ في الوجود، ما هو إلّا ضرب من الغباوة والخيانة، لا أكثر ولا أقلّ.

(الكبابير/ حيفا)

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>