نحلة في عُشّ دبابير: على هامش معركة الانتخابات البرلمانيّة الوشيكة والشّائكة(6)/ أسعد موسى عودة

نحلة في عُشّ دبابير: على هامش معركة الانتخابات البرلمانيّة الوشيكة والشّائكة(6)/ أسعد موسى عودة

رغم سبع ملاحظات عميقة رشيقة سأشافِهُه بها وحدَه لا محالة، كان أيمن – مرّة أخرى وتترى، وكيف لا؟ – الوجه الجميل الكميل النّبيل الأصيل، ثقافةً ووعيًا وطرحًا سياسيًّا منطقيًّا

ShowImage

|أسعد موسى عودة|

هكذا بدا لي أخي أيمن عودة، رئيس القائمة (العربيّة) المشتركة، في المواجهة أو المكاشفة (المناظرة – في لغة أهل العلم) الانتخابيّة لعام 2015، الّتي بثّتها القناة الإسرائيليّة الثّانية، ليل الخميس الفائت، 26 شُباط 2015، نحلةً في كُور (عُشّ/ بيت الدّبّور) – هكذا بدا لي وهكذا كان، أو نحلةً في “كُور” الصّهر الصِّهيونيّ المتوهَّم، بَلْهَ (دعك من) “كُور” الجنوب المظلم.

فرغم سبع ملاحظات عميقة رشيقة سأشافِهُه بها وحدَه لا محالة، عسانا نتداركها جميعًا قُبيْل المواجهة أو المكاشفة (المناظرة) القادمة في القناة الإسرائيليّة الأولى، مساء الثّلاثاء القادمة، كان أيمن – مرّة أخرى وتترى، وكيف لا؟ – الوجه الجميل الكميل النّبيل الأصيل، ثقافةً ووعيًا وطرحًا سياسيًّا منطقيًّا، عقلانيًّا، واقعيًّا، وشجاعًا، ودونه كانت مجموعة من المتناحرين المتنابزين، الّذين يكذبون جِهارًا ويتلاعنون تَكرارًا، فلا يُسمِنون ولا من جوع يُغنون.

هذا ومن الواضح لعينَي من يرى ببصيرته، أيضًا، أنّ المؤسّسة الحاكمة في هذي البلاد – ورغم بعض نزاهة الإعلام وتحبّبه وتربيته (مصدر ربّت)، لكنّهُ خبثه المبطّن، أيضًا – باتت تستشعر الخطر الدّاهم – في نظرها، طبعًا – من صعود ثالث قوّة سياسيّة في البرلمان الإسرائيليّ، بَلْهَ (دعك من) سيناريو اتّحاد بيبي وبوجي وليـﭭـني في حكومة ائتلاف وطنيّ، ما سيجعل – بالتّالي – القائمة (العربيّة) المشتركة – أوّل مرّة في عمر إسرائيل – حزب المعارضة الأكبر، ويجعل رئيسها – بالتّالي – رئيس المعارضة، أي “يوشـﭫ روش هأوﭘـوزيتسيا” (“يا حبيبي” – “راحت عليك يا بيبي”). فباتت هذه المؤسّسة بأذرعها المختلفة تبثّ براثنها – ومن أبناء الـ”مـﭽـزار” طبعًا وغالبًا – لتعيث في الأرض فسادًا، ولتشوّه الصّورة الجميلة لهذه القائمة الفتيّة المِطواعة العصيّة، الآخذة في التّشكّل والإصرار على التّكتّل يومًا بعد يوم، ولتصطاد في مائها الآخذ في الصّفاء، ولتدقّ الأسافين في طينها الّذي لا يزال طريًّا وعجينها الّذي لم يختمر بعد تمامًا، والّذي نسأل الله الّذي هو – سبحانه – عند ظنّ عبده به، أن يكون، هذا العجين، قريبًا وبعيدًا، رغيف “خبزنا الدّافي” لا “خبزنا الحافي”.

فيا أبناء وبنات شعبيَ الشّرفاء الشّريفات النّبلاء النّبيلات، ويا أيّها الأحرار يا أيّتها الحرائر من أبناء وبنات شعوب هذي البلاد كافّة، احذروا هؤلاء المجرمين ذي الياقات البيضاء والأُرْبات (ربطات العنق) الزّرقاء من أبناء جلدتنا السّمراء. احذروا الدّود في العود والسّمّ في الدّسم وفي الماء العلقم.

قانون دولة إسرائيل – في هذا السّياق – معنا، ومحكمة (العدل) العليا فيها، والّتي يُنتظر منها أن تحكم – إلى جانب القانون – بمعايير الاستقامة والنّزاهة والعدالة والضّمير – معنا. ولكن لا شيء مضمونًا في زمن “داعش” الفاحش، لا قبله ولا بعده، فلْنعمل ما علينا على الأقلّ، ولْنكن لنا لنكون لغيرنا، أيضًا، ولنكون؛ فإن لم نكن لنا فمن لنا؟ وإن كنّا لغيرنا دوننا فلن نكون لنا ولا لغيرنا، ولن نكون. فهلمّوا وهلمُمْنَ بالواو والضّاد والعين والميم (“و ض ع م”) واملأوا الوادي سنابل واحذروا زرع القنابل.

ولْنكرّر مع أبي الطّيّب قول أبي الطّيّب، من قبل ألفٍ وخمسين عامًا: “على قدْر أهل العزم تأتي العزائمُ / وتأتي على قدْر الكرام المكارمُ // وتعظُم في عين الصّغير صغارُها / وتصغُر في عين العظيم العظائمُ”.

تصحيح “صحيح الكلام”.. الشّاقل والشّيكل وما بينهما

ذلك أعلاه، وفي سياق متّصل أبدًا، وفي الصّفحة الرّابعة والعشرين من عدد الخامس والعشرين من تمّوز عام ألفيْن وأربعة عشر، من صحيفة حيفا، وفي زاوية اسمُها “صحيح الكلام”، كتب أخونا العزيز، الأستاذ الكاتب الصِّحافيّ نايف خوري، ما يلي اقتباسه، حروفًا وحركات وعلامات: “الشّيكل – الشّاقل. عندما نتحدّث عن مبلغ من المال بموجب العملات النقديّة، نقول: الدّولار والدّينار والجنيه واللّيرة بأسمائها كما هي. فلماذا نقول للشّيكل إنّه شاقل ونجمعه على شواقل؟ إنّ الشّاقل هي [هو] قيمة وزن وليست [وليس] عملة نقديّة، ولذا لا تصحّ تسمية الوزن بالنّقود.. يجب أن نسمّي الشّيكل باسمه ونجمعه على شيكلات، كالدّولار والجمع دولارات؟ فالشّيكل وهذا اسمه والجمع شيكلات.”

إنّ الأستاذ خوري في طرحه المقتضب أعلاه، إنّما اجتهد ولم يُصِب فله أجر، ولو كان اجتهد وأصاب لكان له أجران. فبارك الله له. وإنّما أقول قولي هذا بروح الإمام الشّافعيّ، قدّس الله سرّه: “قولي صواب يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصّواب”.

يُرى – أيّها الأعزّة – أنّ الأستاذ خوري قد أخطأ من وجهتين، أولاهما الفكرة والطّرح اللّغويّ، والّتي سنفصّل فيها في ما يلي. وثانيتهما التّمثيل بقياس فاسد (اصطلاح أهل الفلسفة)، هو لفظ الدّولار، الأجنبيّ بامتياز (بَلْه (دعك من) الخلط اللّغويّ بين الّدولار والدّينار (وجمعه دنانير) والجنيه واللّيرة)، مغفلًا صِلة الرّحم بين العربيّة والعبريّة، الّتي قد تصل حدّ كونهما توأمين سياميّين غير منفصلين، رغم ما فُضّلت به إحداهما على الأخرى، ونعني، قطعًا، ما فُضّلت به العربيّة على العبريّة وغيرها وامتازت به عنها وعن غيرها، وهو كثير. أمّا بعد، فإليكم تفصيل ما وقع فيه الأستاذ خوري من خطأ في مستوى الفكرة والطّرح اللّغويّ.

إنّ الشّاقل (العربيّة) والشّيكل (العبريّة) اسمان لمسمًّى واحد هو وَحدة وزن أو عملة أيضًا، فالشّاقل ليس وَحدة وزن فقط، والشّيكل ليس وَحدة عملة فقط، كما ادّعى الأستاذ خوري. أو قُل إنّ الكلمة الأصل هي شاقل (جذرها “شقل” أي وزن، ولاحظ، أيضًا، علاقة ذلك بالجذر “ثقل”) وعبريّها شيكل (بجذرها ومشتقّاتها المختلفة)؛ حيث العربيّة هي رافد العبريّة (الكلاسيكيّة) مادّة وتاريخًا، إلى جانب رافدين آخرين هما الآراميّة (لغة أهل المناطق المرتفعة من بلاد الشّام) والكَنعانيّة (لغة أهل المناطق المنخفضة من بلاد الشّام) وفي القلب منهما العربيّة، كما أسلفنا؛ حيث هي الأقدم لفظًا وكتابة (عمرها نحو 8,000 سنة، مقارنة بالعبريّة، مثلًا، وعمرها نحو 4,000 سنة)، والأوسع جذرًا (في العربيّة نحو 16,000 جذر، وفي العبريّة، مثلًا، 3,500 جذر، وفي اللّاتينيّة 700 جذر لغويّ، فقط)، والأكثر صوامتَ (حروفًا) والأقلّ صوائتَ (حركات)، والأعلى طاقة على التّفعيل والاشتقاق، وغيرها من الخصائص والدّقائق الّتي تتميّز بها العربيّة عن وتمتاز على جميع ألسنة الأرض وتجعلها في مصفّ اللّغة الأمّ وأصل اللّغات جميعها، وعسانا نتوسّع في ذلك في مقال قادم، بإذن الله. وما أقول قولي هذا اعتباطًا أو حماسًا أو عصبيّة، إنّما هو حديث علميّ خالص اجتهد فيه علماء عرب وعجم، فوُفّقوا إلى غير قليل من البراهين. لكنّها السّيادة هي الّتي تكفل العبادة. ولكُم أن تتخيّلوا ما كان سيُحدثه اعتراف أكاديميّ جارف بهذه الحقيقة العلميّة الرّاسخة على الصُّعد الإنسانيّة والسّياسيّة كافّة. لكنْ “مَعَلِشّ”؛ “نحن الّذين أعَرنا الكونَ بهجتَه / لكنّما الدّهرُ إقبالٌ وإدبارُ”، وإنّه حتمًا، يومًا، ستعود إلى ذويها الدّارُ، إذا ما امتلكنا ناصية الحِلم (الصّبر) والجرأة على الحُلم والعزيمة على أن نلمس الشّمس.

هذا ويُردّ أصل الشّيكل – بعد العربيّة – إلى الأكّديّة أو الأكاديّة – البابليّة (شِيقْلُو أو سِيقْلُو، نحو 3,000 سنة قبل الميلاد)، وقد عرفه كوَحدة وزن وعملة السّاميّون الغربيّون (سكنوا مصر وفِلَسطين والأردنّ)، المؤابيّون، الأدوميّون (السّكان القدماء لجنوب وجنوب شرق البحر الميّت)، والفينيقيّون. هذا وقد عرف الكَنعانيّون الشّاقل في عصر النّبيّ إبراهيم الخليل عليه السّلام (3,300 سنة قبل الميلاد).

فنوجز ونقول إنّ الكلمة في الأصل عربيّة – “شاقل” وجمعها “شواقل”، وعبريّها “شيكل” وجمعه “شْكَلِيم”، وهما وَحدتا وزن وعملة، أيضًا. فقُل الشّاقل تعبيرًا عن الشّيكل (وزنًا أو عملة)، واجمعه على شواقل وثنّه على “شاقلان”، مع مراعاة المحلّ من الإعراب. وكم أحبّ أن يتيسّر لنا متّسع من الوقت والسَّمْت لاحقًا، للحديث، أيضًا، عمّا اجترحنا تسميته “رُهاب الإعراب”.

(الكبابير/ حيفا)

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>