صُمود/ مروان أ. فريح

> |مروان أ. فريح| لم يعد للعشب ماء، قال الشيخ في سكو […]

صُمود/ مروان أ. فريح

pic 1

>

|مروان أ. فريح|

مروان أ. فريح

مروان أ. فريح

لم يعد للعشب ماء، قال الشيخ في سكون ومدّ صوته للمراعي النابتة بالإبل: لم يعد لنا مكان. أشعل عود ثقاب كي يرى الظلام يغرس أشواكا في عينيه..  خنجره التوى ليفتح للحزن مرمى داكنا.. لكن الصحراء صمتت، فلم تعد خيمة لم تمسسها الشمس.

توسد الشيخ ناصية التراب، ومات.

برجوازية لا تعرف معنى العدالة، تحمل إلى النقب عدالة مفقودة. رواية من روائي قد بذر بذور القلق في نفوس أصحاب الأرض وجسّد أحلامهم في أن يتخلصوا من أصفاد نخاسيهم في الداخل والخارج.

روائي لم يكُن يتصور البداية أبدا، يبغي كتابة أجمل النصوص الصهيونية العنصرية، فتخذله آلية الكتابة وصوت الحضارة ليصل إلى مآل لم يتصوره كمن جلا سيفه من نُقبتِه..

حداثة النكبة البراڨرية لا تقف فقط عند تهجير فلسطينيي النقب بل تصل أقصى حدود التعليم والتربية ليكبلهم بأصفاد من فولاذ ويحررهم من قيود الحبال.. قد كان غسان كنفاني وفدوى طوقان منهاج اللغة العربية داخل الخط الأخضر، أما اليوم فأصبح (الأسود يليق بك) المنهاج.. سلام ذابل لكم أساتذتي خليل السكاكيني وقسطنطين زريق وموسى العلمي وقدري طوقان وجورج حنا، لتتربع على عرش الذبول سميرة عزام بين أسوار عكا القديمة.. فكيف لا تصبح أحلام مستغانمي المنهاج وإسرائيل لا تريد للشعب أن يتعلم مواضع الظلم ويستأثرون بثمرات عمله.. ابتسمي فلسطين، الصهيوني يخافك.

وتأتي شريحة البطالة بعد التعليم ولأول مرة تهتم إسرائيل في بطالة بدو النقب، كيف لا وهي تريد بهم تنمية جيل جديد يهودي ناطق بالعربية.. بدوي يعشق الكيان الصهيوني.. كذبة سافرة تملك قول الحقيقة.. وبين أوساط المنفذين الضالعين تفقد الحقيقة، وظيفتها الشريفة في تمثيلها الزائف للواقع.

لا يليق الأسود بالصحراء لكن وربما سيليق إن لم يخترق المجتمع التقدم الفكري، الفكر النهضوي. وأن يكون التقدم علاقة داخلية فيه، أن يكون الوعي ولادة نهضة لا نكبة حتى لا تأتي الهزيمة والاندثار، حتى لا تعيد السلطات إنتاج شروط الهزيمة.

وعي ممزق في واقع معوّق وحقل أسئلة لا متوقعة أمام ولادة جيل مثقف، تحمل جسدك المنهك وتخرج للشارع المتكئ بالعمال المصطفين في انتظار حافلاتهم، فتصطف معهم.. واقع لا إرادي تحت كيان أوراق الرئيس المصطنع.

يغيبون زمنا لا يعرف أحدهم مقداره، فالبعض يقول: (أيام)، والبعض يقول: (شهور)، والبعض يقول: (دهر)، لكنهم حين يجتمعون مرة أخرى، يجدون الصحراء محقونة بالشركات لتهرب بهم إلى الظلام المتكدّس خارج البيت.

أنت محمول على أكتافهم، يفسخون الجلد ثم يمضغون اللحم، إن صرخت مسترحما، يتوقفون كشجر مشتعل لتتقافز قطع الجلد وتلتصق ببعضها البعض، وتعود الوجوه المحتشدة تلاصقك وتتنفس هواءك، فيتبخرون.

السياسة البراڨرية تغوي نظرية التطور لتُقرأ على العقلاني الذي لا تؤرقه الهوية.. كنقص جدير بالاكتشاف كما لو كان في حضارة الإسلام مبرأ نقص.. أمة حددتها الجغرافيا بانتماء وطني فوق معتقد ديني..

تبا للسائرين مغمضي الأعين مكبلي الأدمغة، متخذين من النشوء والارتقاء عنوانا.. محرري الأسئلة ومعتقلي الأجوبة..

ما جاء به القرآن والنبي والصحابة هو الأصل، وما على المسلم إلا أن يتبعه ويحمله معه في الأزمنة المختلفة.. فلن تحتل الصهيونية موقع الدين.. لن نقبل البدعة الجديدة.. يجب أن نعي بدْءًا، أن مساحات النقب الكبيرة التي نراها في الزمان الحاضر كتلة واحدة متماسكة الأطراف متواصلة النواحي، ستبقى على ما هي أزمانا.. فإذا تأملنا الأطراف وجدنا أن عدد أفرادها يبلغ الغاية القصوى من الانتشار والذيوع في البقاع..

النقب ليس بلعبة ليغو.. نعم هي أغلى قطعة ليغو في نظر الصهيونية.. فوالله لو انتقلت سحابة من سمائنا إلى سماء أي قطعة مجاورة فستحلف هناك، أنها مرت على قطعة بالغة في الأمن والسلام والرخاء والخير والاستقرار.

مرّت على قطعة صامِدة تعرفها وتعي ما هي وتعتبرها جزءا لا ينفصل عنها، تشير ببوصلة جسدها وعقلها وكيانها صوب النّقب، نقب الصمود، الصّمود الذي يختلف معناه عن حروفه الأربعة إن سألنا عنه في النّقب، الصمود في النقب هو أن تسأل طفل شعفاط وطفلة أبو ديس وشباب البيرة وطالبات رأس العامود وشباب غزة ونساء اللد وشيوخ عكا ورهبان الناصرة وساعة يافا وأسواق البلاد القديمة والحديثة والأتربة والأعلام والأسوار وماء البحر مالحًا كان أم لم يكن، عن العراقيب عن أم الحيران عن وادي النعم عن خشم زنة عن الزنوق، يجيبونَ: كُلّنا النقب.. كلّنا فلسطين.. كُلّنا الصمود… كلّنا قرى معترف بها رغم أنف من يريدون ومن لا يريدون.

من خصر النقب تستيقظ الفراشات المذهبة، ثم تطير، فيمتلئ الهواء بالذهب.. فيا براڨر لا يأخذنّك الغرور.. الريش قد يسقط عن أجنحة النسور.. ماء النقب سيبقى في باطن الصخور..  ستبقى الجذور.. ستبقى الجذور..

(الكاتب مدير ومؤسس المقهى الأدبي في رهط)

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>