يسرا الهواري تتحدّى السور و«اللي معلّيه»/ محمد خير

المغنية الشابة خفيفة الظل متعددة المواهب، لحنت الأغنية أيضاً، وتعزف بنفسها على آلة لم تعد مستخدمة كثيراً اليوم هي الأكورديون. تقدم لحناً مرحاً وتلعب دور مسافرة تحمل حقيبة ثقيلة، تتقدم نحو السور ثم تجلس فوق حقيبتها حائرة، ثم تحاول تسلق السور.

يسرا الهواري تتحدّى السور و«اللي معلّيه»/ محمد خير

| محمد خير |

ربما كانت أغنية «السور» ليسرا الهواري أول لوحة كاريكاتور تتحول إلى فيديو كليب. كلمات الأغنية أقرب إلى نبوءة، كتبها الرسام وليد طاهر ضمن لوحة كاريكاتور نشرت قبل سنوات في صفحة «ضربة شمس» في جريدة «الدستور»، ثم ضمها كتابه «حبة هوا» (2008). لكنها مع ذلك، ولدى رؤية كلماتها وقد تحولت إلى أغنية وفيديو كليب، تبدو كأنها كتبت اليوم.

الأسلوب المميز لوليد طاهر اعتمد على نصوص قريبة من الشعر تتكامل مع لوحات الأبيض والأسود، ولا يمكن عادةً فصل النص عن اللوحة. لذا استخدمت الهواري فكرة الرسمة نفسها ونقلتها من الورق إلى الكليب. لم تضطر لبناء «السور». وجدته بالقرب من وزارة الداخلية. بعد المواجهات بين ثوار مصر وقوات الأمن في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي (أحداث محمد محمود)، أقامت السلطات عدداً من الجدران الحجرية تسد بها المنافذ من الوزارة وإليها. على تلك الأسوار/ الجدران، رسم الثوار لوحات الغرافيتي لتعبر عن أحلامهم الملونة. وعلى أحد تلك الأسوار، صوّرت يسرا الكليب وغنّت الكلمات القليلة المعبرة لنصّ وليد طاهر «قدام السور/ قدام اللي بانيه/ قدام اللي معلّيه/ وقف راجل غلبان/ وعمل بيبّي (تبوّل)/ ع السور، واللي بانيه، واللي معلّيه».

الكليب المرفوع على يوتيوب لم يحمل توقيع أي مخرج لأنّ «مش لازم كل حاجة يبقى لها مخرج» وفق تتر الأغنية. هو الاكتفاء إذن بتصوير سارة يحيى، ومونتاج ميشيل يوسف ويسرا نفسها. المغنية الشابة خفيفة الظل متعددة المواهب، لحنت الأغنية أيضاً، وتعزف بنفسها على آلة لم تعد مستخدمة كثيراً اليوم هي الأكورديون. تقدم لحناً مرحاً وتلعب دور مسافرة تحمل حقيبة ثقيلة، تتقدم نحو السور ثم تجلس فوق حقيبتها حائرة، ثم تحاول تسلق السور. بينما وقف شباب فوق حافة السور يرقصون على وقع الموسيقى، يطاردهم جميعاً عجوز غاضب بعصا غليظة. يبدو العجوز حقيقياً لا ممثلاً، والشباب كذلك كما يتضح من التتر الذي يشكر «شباب منطقة باب اللوق»، كما يشكر «حملة مفيش جدران» و«حملة ما تخسرنيش» و«كل اللي رسم على الجدران». ثمة فرق آخر بين الأغنية والكاريكاتور يكمن في أنّ «الراجل الغلبان» الذي يتبول لا يظهر في الكليب «لحسن الحظ». بالطبع شكلت كلمة «البيبّي» صدمة لبعضهم لجهة استخدامها في أغنية. لكن يسرا كغيرها من الظواهر الفنية الشابة لجيل ما بعد الثورة، تعمد إلى تحرر غير مألوف لناحية الكلمات والأفكار والمواضيع، وحتى لناحية تصوير كليب من دون مخرج. التطور المتلاحق في التقنيات الحديثة حرّر الفنانين الشبان من ثقل الإنتاج. بدا تأثير ذلك واضحاً قبل الثورة في السينما المستقلة. واليوم، يتضح أكثر في التجارب الغنائية الجديدة والبرامج التي يحتشد بها اليوتيوب. يسرا واحدة من مواهب ذلك الجيل مع فنانات أخريات كميّ وليد وآية متولي. بدأ الثلاثي أخيراً في تقديم حفلات مشتركة يتعاون فيها موسيقياً، بعيداً عن التخصص الصارم في التلحين والتأليف والتنفيذ. يحتدم ميدان السياسة المصرية هذه الأيام، لكن لا شيء يمنع أن يتحول الرسم إلى فيديو كليب، والسور الحجري إلى أغنية.

عن “الأخبار” اللبنانية

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>