“نص تفاحة” الجولان/ رشا حلوة

عد إصدار ست أغانٍ كتب المغربي كلماتها ولحنها، يختار الشاب في الأغنية السابعة والتي صدرت مؤخراً بعنوان “سوريا الحلم المالو حدودي” (شاركته في الغناء الفنانة السورية سهير شقير) لحناً مستوحى من تراث الجولان، وهي تقال كترنيمة “ندب” في جنائز الشباب وتحمل تكثيفاً لحالة الحزن.

“نص تفاحة” الجولان/ رشا حلوة

 

NosTofa7a

| رشا حلوة |

rasha-qadita

هي التلة السورية التي يمكن للفلسطينيين في الأراضي المحتلة العام 1948 أن يصلوا إليها، هي تلك المنطقة المُحتلة التي يصلها المرء بلا حواجز أو “حُراس طرق” لا علاقة لهم بالمكان، تنبض منذ الإحتلال العام 1967 بالمقاومة وبفنانين من مجالات فنّية وثقافية مختلفة. ونشأت فيها مؤخراً، كنوع من الإمتداد للثورة السورية، فرقة موسيقية تحمل إسم “نص تفاحة”.

فرقة قررت منذ تأسيسها أن تغنّي:”للأمل الذي دخل حياتنا منذ بدأت هذه الثورة، الأمل بالتحرير والتحرّر لأننا متأكدون من أن التحرير والتحرّر لن يأتي على يد هذا النظام، نغنّي لأجل أنفسنا، كي لا يخنقنا الضجيج في داخلنا”.
تصدر الفرقة أغانيها في موقع “يوتيوب”، في إطار مقاطع فيديو تضم أحياناً صوراً من سوريا وأحياناً أخرى فيديو أُنتج خصيصاً لأغنية ما، كي يصل لأكبر عدد ممكن من الناس، في سوريا وخارجها. مؤسس الفرقة الفنان مضاء المغربي، إبن قرية بقعاثا في الجولان السوري المُحتل، يحب أن يبدأ حديثه بالقول لـ”المدن”: “نحن متروكون منذ ما يزيد عن أربعين عاماً… أريد أن أعود إلى دمشق، اشتقت لأصدقائي، للشوارع”. كيف يعود المغربي إلى دمشقه الآن؟ هو الذي لا يتردد في القول “إن المسؤولين الأساسيين عن تمزيقنا هما الإحتلال والنظام معاً”.
واختار المغربي أن يعبّر عن فكرته تلك بالأغنية، ولذلك أسس فرقة “نُص تفاحة” التي واكبت الثورة السورية منذ بدايتها، وصار لها الآن “أرشيف” من سبع أغان هي: مازوط، هس، بيشو، محل زغير ومسكر، ليش ضرب النار؟، قوم (راب)، ومؤخراً أغنية “سوريا الحلم المالو حدودي”.
لماذا “نص تفاحة”؟ يجيب المغربي: “الإسم مستوحى من التفاح الذي أصبح، مع الزمن، رمزاً لمنطقة الجولان السوري المحتل، ويُنسب إليه أنه أحد أسباب الثبات في الأرض عام النكسة 1967، وتقع على عاتقه أيضاً معيشة غالبية عائلات الجولان المُحتل، إلا أن اختيار الفرقة لكلمة “نُص” أتى إعجاباً بجمالية السؤال التي تحملها الأشياء غير المكتملة”. ويضيف: “نحن نعيش في أرض محتلة، نأمل بالتحرر، بالوطن الأم الذي ينعتق من محتلّه الداخلي. وبالعامية: نحنا معكن، وعم منغنّي منشان ما نختنق”.
عندما تأسست الفرقة كان أعضاؤها مجهولو الهُوية، وذلك امتداداً للفرق الفنّية العديدة التي إنتشرت بعد بداية الثورة السورية تحت أسماء مستعارة، كان السبب الأساسي آنذاك هو تفادي ما يفعله النظام بالأشخاص الذي يقاومونه أو كلّ من يمت لهم بصلة، إن كان من إعتقال، ملاحقة، تعذيب وقتل. هذا “التخفي” أفضىن في رأي المغربي، إلى “نوع من الثقافة الجميلة لا يهم فيها من يقدم العمل، المهم هو العمل نفسه، تستطيع العمل من خلال إسم مستعار وتقديم ما تريده بكامل الحرية ومن دون أي قيد شخصي”.
بعد فترة وجيزة، كشفت الفرقة عن الأسماء الفعلية لفريقها، بعدما واجهت ضغطاً اجتماعياً قاسياً في بداياتها، وتسلحت الفرقة في خروجها إلى العلن بالتشجيع الدائم من قبل معارضي النظام. لم يمنع هذا تلقي الفرقة سيلاً من التهديدات، إلا أن مضاء قابل كلّ هذا بالإبتسام: “التهديدات تحمل وجع تهديد الأخ لأخيه، لا يخيف لكنه يحرق القلب”.
لم يقتصر ظهور الفرقة مجهولة الأسماء على الجانب الإجتماعي، بلّ يتحدث مضاء المغربي عن المخاوف الشخصية وعن الصراع الذاتي في كسر حاجز الخوف داخله عند تأسيس الفرقة، معتبراً أنّ الإنسان يصل إلى مرحلة لا يسأل فيها أسئلة كثيرة، خصوصاًعند الرغبة في التحرر والإنعتاق من كلّ قيد يكبله، ويضيف: “حتى أني رميت أغنية مشبعة بالوقاحة والركاكة الفنّية (يقصد أغنية “بيشو”) كي أستطيع تمزيق صورة القائد في داخلي بالدرجة الأولى، واكتشفت أن الإبداع والخوف مثل الملح والسكر، ما بينبلعو مع بعض”.
بعد إصدار ست أغانٍ كتب المغربي كلماتها ولحنها، يختار الشاب في الأغنية السابعة والتي صدرت مؤخراً بعنوان “سوريا الحلم المالو حدودي” (شاركته في الغناء الفنانة السورية سهير شقير) لحناً مستوحى من تراث الجولان، وهي تقال كترنيمة “ندب” في جنائز الشباب وتحمل تكثيفاً لحالة الحزن.
وخلافاً للأغاني السابقة، لم يصل الفرقة أي تعليق نقدي أو مهاجم للأغنية، كونها تحمل حزن السوريين جميعاً أينما كانوا ومهما كانت مواقفهم، ويقول المغربي: “حجم الحزن الموجود في سوريا اليوم في حاجة إلى كلام ولحن عتيقين كهذا، مشهد الدوران الذي يعيده الناس في جنائز شهداء سوريا كان يعيد إلى ذهني هذا الندب دائماً”.
تميزت “نص تفاحة” بتفاعلها مع الشارع والشباب السوري خارج سلطة نظام الأسد، وبإعلاء صوت سلميّة الثورة. هنا يعتبر المغربي أن المهمة التالية والواجب، وبعد عامين على الثورة، يتمثلان في الغناء ضد من يحاولون سرقة ثورة هذا الشعب: “لم ينهض السوريون ضد الديكتاتورية لكي يقعوا بين أنياب المتطرفين، فمطلب الشعب السوري الحرية، لا السلفية ولا الإخوان، بل الدولة المدنية”.
ويعود المغربي، ليذكر بالهدف الأساس لإنطلاقة “نص تفاحة” أصلاً: “نحن نغنّي لأن جدتي تريد العودة إلى أهلها، صديقي يريد أن يعود إلى حبيبته، وصديقتي يجب أن تعرض لوحاتها الفنّية في غاليري أتاسي”.

 

عن صحيفة “المدن” الإلكترونية

 

 

 

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>