«إله الثورة»: زمن الخيبة على «يوتيوب»/ أمل كعوش

«إله الثورة»: زمن الخيبة على «يوتيوب»/ أمل كعوش

العمل الغنائي مقتبس عن قصيدة بالفصحى بالعنوان ذاته للشاعر الفلسطيني الشاب مروان مخول (البقيعة، الجليل الأعلى) قام مغني الراب تامر نفار (اللد) عضو فرقة «دام»، بصياغة نسخة منها باللهجة الفلسطينية المحكية، وتشاركه في أدائها غناء تيريز سليمان (حيفا).

thawra

| أمل كعوش |

مطلع العام 2011، أطلقت مجموعة من الفنانين الشباب من فلسطينيي 48، فيديو غنائيا، كتحيّة لثورة الشعب التونسي بعنوان «الثورة الخضراء». رفع العمل على «يوتيوب»، لينقل التضامن الفلسطيني عبر شبكة الانترنت، في توليفة من الغناء والراب. تضمّن الشريط مقتطفات من تسجيل لقصيدة «كيف نشفى من حب تونس»، بصوت الشاعر الراحل محمود درويش. اليوم وبعد مرور ثلاث سنوات على بداية الربيع، تحوّلت نبرة الأمل التي طغت على أغنية «الثورة الخضراء»، إلى نبرة تحمل شعوراً بالضعف والعجز أمام الدمار الذي بات يلف المنطقة. ضمن هذا السياق، تناقلت شبكات التواصل الاجتماعي خلال الأيّام الماضية، فيديو بعنوان «إله الثورة»، تشارك في إنتاجه صوتاً وصورة مجموعة من الفنانين الشباب من فلسطين 48، بمشاركة موسيقية من عازف الغيتار يزن ابراهيم، من الجولان السوري المحتل.

العمل الغنائي مقتبس عن قصيدة بالفصحى بالعنوان ذاته للشاعر الفلسطيني الشاب مروان مخول (البقيعة، الجليل الأعلى) قام مغني الراب تامر نفار (اللد) عضو فرقة «دام»، بصياغة نسخة منها باللهجة الفلسطينية المحكية، وتشاركه في أدائها غناء تيريز سليمان (حيفا). مخرج العمل هو إيلي رزق (الناصرة)، هو نفسه مخرج فيديو «الثورة الخضراء» الذي تم تصويره حينها، في شوارع حيفا. هذه المرة، لجأ رزق إلى خشبة مسرح الميدان في المدينة، ليقدّم في «إله الثورة»، فيديو أشبه بقصة تجربة أداء، شارك فيها إلى جانب المغنّين، مجموعة من الممثلين والراقصين.


بأداء متميّز من تيريز سليمان، تبدأ الأغنية بمطلع قصيدة مخول «إلهي أعدني إلى الصحراء من فضلك، وامحُ الحدود التي علبتني»، قبل أن يكمل تامر نفار من خلال الراب وباللهجة الفلسطينية ما اقتبسه من القصيدة «انصب لي خيمة على وتدين قبالي الواحة، شوية أعشاب وحجرين بدل قداحة، بلا «آيفون» حوالين النار مع ولدي قاعد بغنيله لزرياب برويله عن زمن غابر، بلا ما يوصله sms عن أخبار فضل شاكر».

يستمر العمل في محاكاة غنائية متينة ما بين سليمان ونفار حتى الدقيقة الثانية، حيث يحضر مروان مخول صوتاً وصورة، لإلقاء مقاطع من قصيدته. وهنا تبدأ الأغنية بفقدان إيقاعها، إذ أن اختيار مخول للمقاطع الأكثر مباشرة والأقل شاعرية من قصيدته، يشكّل نقطة الضعف الأساس في العمل، لا سيما أن الأفكار التي يطرحها في تلك الأجزاء مستهلكة مثال «في الغاب ما ليس فينا.. لا دينَ فيهم ويحيَونَ في سِلمٍ كما ترى، أمْ ترى اللّيثَ يَقتلُ من أجلِ مذهبِهِ الطّائفيِّ ظبيًا». والأمر لا يتوقف عند هذا الحد، إذ يصبح النص في موضع آخر أقرب إلى الخطاب السياسي المباشر: «على ظهرِ الصّواريخِ أميركا تُصَدِّرُ عدلَها العصريَ، يوميًّا روسيا تُمانعُ، فتزرعُ وردةً سوداءَ في البارجاتِ على شاطئِ الشّرقِ المقدّسِ والمُكدّسِ بالمذابحْ».

يختلف توظيف صوت مخول في العمل تماماً عن توظيف صوت الراحل محمود درويش في عمل «الثورة الخضراء»، إذ أن تاريخ درويش كشاعر فلسطين، متوأماً بغيابه، حمل رمزية كبيرة للعمل. فالأداء الدرامي لمخول، يضعف من «إله الثورة» كعمل غنائي. كما أنّ الكاميرا لم تستطع أن تخفف من وطأة فخ المباشرة، حيث اختار مخرج العمل أن يكون مخول حاضراً شخصياً في الصورة، متشحاً بالسواد في إطار جامد، ما خلق إرباكاً بصرياً بعدما كان تقطيع المشاهد أكثر خفّة، حين كانت الكاميرا تنقل أداء بقية المشاركين في الفيديو من راقصين وممثلين. الأمر المستغرب هو غياب تيريز سليمان تماماً في الجزء الثاني من الأغنية، حيث يحتكر نفار الصورة في أداء غريب بدا أقرب إلى الخطابة منه إلى الراب، ناقلاً القصيدة من موضوع الهشاشة الإنسانية أمام الحروب، إلى ما يشبه جلد الذات ملقياً الملامة على العرب في تصنيفاتهم المجتمعية المغلوطة. كما يبرز تناقض مع بداية القصيدة التي تنقد الإدمان على التكنولوجيا المسبب لتفكيك الروابط المجتمعية، في حين يقوم نفار بتعزيز مكانة الرجل الأبيض الذي استطاع تطوير تفاحة آدم إلى Apple بحسب قوله.

كل ذلك لم يمنع نجاح «إله الثورة»، والدليل كثرة مشاركته على شبكات التواصل الاجتماعي، خلال الأيّام الماضية. ولذلك، يمكننا القول إنّ فداحة الواقع لم تحل دون خلق حيّز للإبداع لدى الشباب العربي، الذي ما زال ربيعه الفني مستمراً، رغم تردّي أحوال الربيع السياسي.

عن صحيفة “السفير”

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>