صوت الموت: شهادة امرأة اُعتدي على طفولتها

صوت الموت: شهادة امرأة اُعتدي على طفولتها

في يوم المرأة العالميّ، بالذات، يجب أن تقرؤوا هذه الشهادة. شهادة امرأة تكتب عن الاعتداء الجنسيّ عليها وهي طفلة، وعمّا فعله هذا الاعتداء بحياتها. شهادة حقيقيّة فضّلت كاتبتها الحفاظ على سريّتها

child-sexual-abuse

 .

لم تكن الكتابة بالنسبة لي أكثر من نافذة مغلقة خشيت فتحها.. نافذة تعلقت بها أتربة الأيام وسخام حرائق العمر.

كنت طفلة صغيرة ووحيدة عندما اكتشفت قلمي وأوراقي. لم يقفز عدد سنوات عمري عندها عن عدد أصابع يديّ بأكثر من سنة واحدة… أمّا جسدي الغضّ المحشور في عنق الزجاجة ما بين طفولتي وحياة حبلى بأيامي التي لم تولد بعد، فكأنّه في لونه الساطع استفزّ ذئبًا بشريًّا فاستباحه. إنتهك الجسد فشاخت الروح. عمري الأخضر لم يشفع لي ولا حتى ضفيرتي المتأرجحة مع الأغاني. رحل عني صوتي فاستَعَضتُ عنه بقلمي. أصبح هو حنجرتي وكلماتي صراخي، لكنه كان صراخًا مكبوتًا لم تسمعه سوى كلماتي.

كرهت والدي؛ لم أغفر له غيابه المتواصل في سعيه لسدّ جوع أربعة أفواه. تساءلت دومًا أين يقع حضن أبي في جغرافية الكون. كنت أفكّر عندها بأنّ الله حوّله إلى أضلع من إسمنت وقلب زجاجيّ. ألم تحم الغربان فوق رأسه عند انتهاك حرمات جسدي فتشاءم؟ كيف لم ينتبه لنظرات عيوني الشاردة والهاربة من عيون الأيّام؟

جسدي المُدمى وروحي المشوّهة أصبحا سجني. أنا الحرة الطليقة غدوت سجينة نفسي. كلما لمعت ذكرى تعذبتُ وصرختُ. لم يدرك الناس من حولي سرّ انعزالي ولم يستوعب أحدهم سرّ كرهي الفجائي لوالدي، سوى قلمي وأوراقي.

كرهت والدي؛ كرهت رجلا كان مبادرًا لجلبي إلى هذا العالم البذيء الذي تعمّد أذيّتي. لم أغفر له غيابه المتواصل في سعيه لسدّ جوع أربعة أفواه. تساءلت دومًا أين يقع حضن أبي في جغرافية الكون. كنت أفكّر عندها بأنّ الله حوّله إلى أضلع من إسمنت وقلب زجاجيّ. ألم تحم الغربان فوق رأسه عند انتهاك حرمات جسدي فتشاءم؟ كيف لم ينتبه لنظرات عيوني الشاردة والهاربة من عيون الأيّام؟ هربت عيوني خوفا كأني أنا التي اقترفت دنس الجسد! كيف لم يسمع ندائي الخفيّ؟.. ضُمّني إليك يا أبي.. ضُمّني إليك لأغسل روحي بدموعي المالحة… لأعود طفلة تركض حافية القدمين ومسرعة لتلحق بالعصافير؛ تصطدم بالحصى فيتلقفها حضنك. لم يستجب فكرهته أكثر.

هرمتُ وهرمتُ ونحتت التجاعيد في روحي سبلًا. أدركت أنّي لست سوى حوتٍ وليدٍ تاه في المياه، أصدر نداء استغاثة لم يفهمه البشر ولم يسمعه القطيع السابح بعيدًا…

ستمرُّ سنوات طوال قبل أن أتعلّم الغفران…

رافقتني الأحرف والكلمات داخل فقاعتي في سنواتي العجاف؛ خجولة، غير منمّقة، لم تنمُ أسنانها بعد… عرجاء وتخشى نور الشمس. لكنها كانت هناك من أجلي ومعي فأحببتُها… حدث أحيانًا أن فتحت أبواب قوقعتي من أجل حبٍّ يقرع الأبواب، لكنّ رجلا لم يستطع تحمّل لسعات كلماتي. كيف يفعل وهي المولودة من نار؟ كان القلب يعود إلى سباته كلّ مرّة من جديد وترجع الكلمات لتتكدّس على نفسها في أنحاء أيّامي.

مرّ العمر وبقيت كلماتي بنات خيالي. أحيانا كنت أسمع شوقها للنسائم تدغدغها، فما كان منّي إلّا أن أمسّد شعرها وأضمّها إليّ.

الآن، ولأسباب استفزّت روحي، تتعلّم كلماتي الحبو على أرضيّة الحياة الصّلبة، فلربما آن الأوان لأحدهم أن يسمعها، ويسقيها ويرعاها، فتكبر ويصلبّ عودها، وتزاحم باقي الكلام على مكان يخصّها في هذا العالم المجنون حيث لا يُسمع سوى صوت الموت!

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

1 تعقيب

  1. الله !!….تلك القطعة الفنية لا تستحق أن تولد يتيمة دون إسم مبدعها…

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>