في طريقي إلى البرتغال/ مطانس فرح

.. |مطانس فرح|   لم أتوقّع ما كان ينتظرني قبل أزيَد من […]

في طريقي إلى البرتغال/ مطانس فرح

لشبونة- تصوير: مطانس فرح

..

|مطانس فرح|

 

لم أتوقّع ما كان ينتظرني قبل أزيَد من ثلاثة عشر يومًا خلت، وأنا في طريقي إلى البرتغال، عبر مطار اللُّدّ (“بن غوريون”) Tel-Aviv  (تلّ- أبيب) – ذلك المطار حامل الأسماء الثلاثة بثلاث لغات مختلفة! – فقد ظننت أنّني سأجده خاليًا من المسافرين و/أو المغادرين؛ ولربّما ظننت ذلك لسبب سفري الفجائيّ في الدقيقة التسعين. لكنّني – وبخلاف ما توقّعته تمامًا، ولدى دخولي المطار منتصف الليل – وجدته ضاجًّا مكتظًّا بالمواطنين المسافرين والزوّار المغادرين.

ولا حاجة للتذكير بأنّه يجب القدوم إلى المطار قبل إقلاع الطائرة بثلاث ساعات.. فوصلته، فعلًا، قبل إقلاع طائرتي بثلاث ساعات وقليل، جاهزًا – نفسانيًّا وجسديًّا – للأسئلة والتحقيقات والتفتيشات و..

كان طابور الانتظار طويلًا، وطابور التفتيش الآليّ أطول قليلًا، أمّا طابور التفتيش “البشريّ”/اليدويّ، فكان أطول من زميليه بكثير!

“إلى أين أنت مسافر؟” – سألتني فتاة الأمن في المطار.

“إلى البرتغال” – أجبتها.

“ولكنّك تقف في طابور المسافرين إلى مدريد!” – قالت مستغربة.

ابتسمتُ وقلت لها: “أعلم ذلك جيّدًا؛ وذلك لأنّني مسافر إلى البرتغال عبر مدريد”.

ردّت بعصبيّة: “ولكنّك لم تقل ذلك من البداية!”.

ابتسمتُ بكلّ برود أعصاب، وقلت: “سألتِني عن مكان سفري، فأجبتك”.

“أرِني جواز سفرك، وتذكرة الطائرة لو سمحت” – طلبتْ منّي بفظاظة.

ناولتها جواز سفري وتذكرة الطائرة والابتسامة تعلو وجهي، منتظرًا الآتي.

“أنتَ تتحدّث العبريّة بطلاقة” – قالت مستغربة.

“ولِمَ لا؟!” – أجبتها.

“ولكن ما معنى هذا الاسم (مطانس)؟! هل أنت من مواليد إسرائيل؟” – سألتني مستفسرة.

“نعم، نعم.. أنا من مواليد هذه البلاد، طبعًا” – أجبتها بإصرار.

“ولكن ما معنى اسمك وما هو مصدره” – سألتْ مجدّدًا عن الاسم، محاولةً استيضاح الأمر، وبشكل التفافيّ، وشبه غبيّ، لمعرفة قوميّتي لربّما.

لم أجِبها، وسألتُها بدوري هازئًا: “على ما يبدو لا يعجبك اسمي؛ أتريدنني أن أغيّره؟!”.

“لا! لم أقصد ذلك” – أجابتْ وابتسامة ماكرة تعلو وجهها.

ثمّ سألتْ: “أين تسكن؟”.

“أسكن مدينة حيفا” – أجبتها.

“متى قدِم والداك إلى البلاد؟” – سألتني.

“والداي – عزيزتي! – من مواليد مدينة حيفا، أيضًا” – أجبتها.

“ما اسم والدك؟” – سألتني.

“مارون” – أجبتها.

“ما معنى هذا الاسم، أيضًا؟” – سألتني.

هل فتاة الأمن هذه غبيّة إلى هذا الحدّ، فعلًا؟! أم أنّها تقوم بدراسة حول معاني الأسماء وأصولها؟! أم تحاول استفزازي بأسلوبها هذا؟!

“إنّها أسماء عربيّة” – أجبتها بصوت مرتفع قليلًا، لأريحها وأريح نفسي من أسئلتها الغبيّة!

نظرت إليّ متأمّلةً، وكأنها توًّا (حالًا) صادفتني..

“اِنتظر لحظة من فضلك” – طلبت منّي، وابتعدت حاملةً جواز سفري لتعود بعد دقائق معدودة برفقة فتاة أمن أخرى، تركتني معها وانتقلت لاستجواب مسافر آخر.

“مرحبًا” – قالت فتاة الأمن (الجديدة)، بكلّ رقّة، والابتسامة تعلو وجهها.

“أهلًا” – أجبتها، مبتسمًا كذلك.

“آسفة! لكن يجب أن أسألك بعض الأسئلة” – قالت لي.

“بكلّ سرور، فلدينا وقت طويل حتّى موعد الإقلاع” – قلتُ لها ساخرًا.

“لا تقلق! لن يستغرق ذلك سوى بضع دقائق، أو أقَلّ” – قالت بإصرار.

سألتني عمّا إذا كنت أحمل بطاقة هُويّة، فأجبتها بالنفي.

وهنا توقّعت أن تستنجد برجال الأمن لاستكمال الاستجواب واقتيادي إلى غرف التفتيش الخاصّة.

استفسرتْ مجدّدًا عن مصدر اسمي، فقلت لها إنّه عربيّ.

ابتسمتْ وقالت متسائلة: “ولكنّه ليس عربيًّا فعلًا، فهل أنت مسيحيّ؟!”.

“وهل هناك فرق بين كوني مسيحيًّا أو مسلمًا؟ فأنا عربيّ” – أجبتها.

“مسيحيّ؟” – سألتني مجدّدًا.

“نعم.. أنا مسيحيّ” – أجبتها غاضبًا.

وسألتني، بعدَها، بعض الأسئلة الروتينيّة جدًّا، تمنّت لي سفرة ممتعة، ناولتني جواز سفري، وطلبت منّي أن أتّجه وحقيبتي نحو المِنَصّة (“الدِّلپِِك”) لتسلّم بطاقة الإقلاع من موظّف شركة الطيران، من دون أن تطلب منّي المرور بأيّ تفتيش أمنيّ أو حتّى أن أمرّر حقيبة سفري عبر جهاز الكشف الآلي!

ابتسمتُ ومضيت “منتصرًا” باتّجاه الموظّف الجالس خلف المِنَصّة (“الدِّلپِِك”)؛ ناظرًا يَمنةً ويَسرةً لأجد أنّ معظم المنتظرين في طابور التفتيش الآليّ واليدويّ من العرب، ومن الأجانب المغادرين، ومجموعة من الراهبات والكَهَنة، وقلّة قليلة جدًّا من اليهود.

وصلت إلى الموظّف، ناولته جواز سفري ليُعِدّ لي بطاقة الإقلاع.. نظرت مجدّدًا إلى الواقفين في طابور الانتظار، فرحًا لعدم وجودي بينهم طبعًا؛ ولكن – في الوقت نفسه – مستفسرًا – بيني وبين نفسي – هل لو كان اسمي مُسْعَدًا أو سعيدًا أو أسعد، ماجدًا أو أمجد، محمدًا أو أحمد، كنت سأكون ضمن هذا الطابور أو ذاك؟! ولكن، في الوقت ذاته، ماريانا وكرستينا وكريستوفر وپول وجون وحنّا وطوني، يقفون ضمن طابور تفتيش أطول؟! ويمرّون باستجوابات وتحقيقات مهينة أكثر!

كم هي غريبة وعجيبة سياسات التفتيش والاستجوابات والتفرقة هذه في مطار إسرائيل؛ صحيح أنّني أواظب على السفر بوتيرة عالية، لكنّني أنا الشخص ذاته حامل الاسم نفسه (مطانس) دائمًا وأبدًا، أمرّ، أحيانًا بعيدة، من دون أيّ تفتيش يُذكر لي ولا حتّى لحقائبي وأمتعتي، وغالبًا ما أقف ضمن طابور التفتيش، وطبعًا – ولأنّني عربيّ (وأفتخر بعروبتي) – مررت بتفتيشات خاصّة أيضًا، مسح خلالها طاقم الأمن جميع أمتعتي وحمولتي وحقائبي مِرارًا وتَكرارًا، وتعرّف أعضاء جسدي كلّها!

“تفضّل بطاقة الصعود إلى الطائرة سيّدي، أتمنّى لك رحلة ممتعة. ستتسلّم حقيبتك في مطار لشبونة في البرتغال” – قال لي الموظّف، قاطعًا خلوتي بنفسي.

“أشكرك” – قلت له بدوري مبتسمًا.

نظرت، مجدّدًا، إلى طابور التفتيش، وابتسامة نصر تعلو وجهي.. وأسرعت الخطى نحو السوق الحرّة (“الديوتي فري”) لأشتري ما أرغبه من كحول.. متّجهًا بعدها بساعات إلى البوابة التي مررت من خلالها إلى الطائرة الّتي أقلّتني إلى مدريد، ومن عاصمة الإسپان، حملتني طائرة أخرى إلى هدفي في البرتغال.

وللبرتغال حكاية، بل حكايات وأكثر، من ألف ليلة وليلة، عشتها بشعبها وأرضها؛ وبحرها وسهولها وجبالها؛ وشمسها ومطرها؛ ومأكلها ومشربها، بصباحها وليلها.. عشقتها، ولا بدّ أن أعود إليها؛ حتّى لو كان اسمي (مطانس) العربيّ سيدفع بي – حسَب مِزاج عناصر الأمن وفتاياته، والسياسة الغريبة العجيبة – إلى الوقوف في طابور تفتيش طويل وطويل جدًّا!

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

2 تعقيبات

  1. برافو. مقال جيد جدًا. غريبة الامور التي تجري في المطار فعلًا.

  2. Nice.Wallah.Bravo !

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>