نصوص/ طارق حمدان

نصوص/ طارق حمدان

نصوص من مجموعة جديدة تصدر في تشرين الأول/ أكتوبر القادم

بريشة الفنان العراقي وضّاح مهدي

بريشة الفنان العراقي وضّاح مهدي

|طارق حمدان|

 

طارق حمدان

طارق حمدان

 استهلاك

سنأخذ حرائقنا إلى المتاحفِ، يتقاطرُ عليها

آلافُ السيّاح من كلِّ حدب وصوب

وسنَجرّ آلامنا إلى الكتب، نصنع منها قصائدَ تطوف المهرجانات

ورواياتٍ وأفلامًا تحصد ميدالياتٍ وجوائزَ

صرخاتُنا، سنصنع منها سيمفونياتٍ عظيمةً

تُعرض في  كبرى دور الأوبرا، يصفق البشرُ لها

وتكتبُ عنها الجرائد والمجلات

أشلاؤنا التي تناثرتْ

سنجمعُها قطعة قطعة وسنضعُها في إطار

يُهرول إليه المهتمّون، ويزاود عليه جامعو التحف والأعمال الفنيّة

سنبدعُ

في كلّ ذلك وأكثرَ

نحنُ

من أنتجتْهُم الحروبُ

واستهلكتْهم الإنسانيّةُ.

قلب في الشارع

في الأمسِ سقط قلبٌ على الأرضِ

ارتطم بإسفلتِ الشارع وظلَّ يتدحرجُ حتّى استقرّ أسفلَ البناية

.

جارتي الكاثوليكية قالت بأنّه قلبُ شيطان

ركلَهُ الله من الأعالي

الفتاة الهيبّز هرعت تصيحُ من آخر الشارع: “المصانعُ.. المصانعُ”

صاحبُ الدكّان العربيّ ظلّ ينظر إلى القلب ويُردّدُ:

الله أكبر، سبحان الله..

صاحب المقهى

كان سعيدًا بالطلبات التي انهالت عليهِ فجأةً

لأناس يشربون البيرةَ ويأكلون الفستقَ أمام هذا القلب

سواح آسيويّون تواجدوا بالصدفةِ، سحبوا كاميراتِهم

وأخذوا يلتقطون صورًا وسيلفي

ساعي البريد الشيوعيّ توقّف بعجلته يضحكُ:

هذا قلب إلهُكم الميتُ

الشرطة وصلت وأخذت ترفعُ البصماتِ

عمّال البلدية جاؤوا، تجمّعوا بِهُوفراتٍ كبيرة ومقشّات عملاقة

ينتظرون إشارةً من رئيس البلديّةِ الذي حضر أيضًا مع مُوظّفيه.

كانَ القلبُ ينبضُ في الشارع

وأنا أقف على النافذةِ

أتأمّلُ الجموعَ تتكدّسُ في الأسفلِ.

 .

حين حلَّ الليلُ وانفكّ الناس إلى أسرَّتِهم

نزلتُ إلى الشارعِ

وتناولتُ القلبَ

قلبي

الذي كان قد قفزَ جزعًا

صباح الأمس.

المصنع الكبير

الخوفُ

يصنعُ العبيدَ

المالُ

يصنعُ العبيدَ

الأملُ

يصنعُ العبيدَ

الحبُّ

يصنعُ العبيدَ

الأديانُ كلّها

تصنعُ العبيدَ

الأفكارُ

تصنعُ العبيدَ

السلطةُ

تصنعُ العبيدَ

الطعامُ، الكحولُ، الجنسُ، المخدراتُ كلّها تصنعُ العبيدَ

حتّى الأطفال

يصنعون العبيدَ أيضًا.

أتساءلُ

كيف لعاملِ مُياوَمةٍ مثلي

أنْ يخرجَ مِن هذا المصنعِ الكبيرِ.

أتساءلُ

فلا أجدُ جوابًا

إلّا بالكلامِ

عَنِ الحريّةِ.

.

نشيج وضحك

كلّ البشر لديهم أيدٍ

وأرجلٌ

لديهم عشرُ أصابعَ في اليديْنِ

مثلَها في القدميْنِ

كلّهم لديهم أردافٌ

مِنها البيضاويُّ والمُفلطحُ والمنتفخُ

الرجالُ لديهم قُضبانٌ

والنساءُ لديهنَّ فُروجٌ

كلّنا نملك أجسامًا منتصبة

لدينا أذنان وعينان وأنف وفم

نسمع ونرى ونشمُّ ونتكلمُ

فلماذا يا ربُّ

كلّما فتحت عينيَّ

وجدتُ ضباعًا وأرانبَ وسحاليَ.

أبحث عن مرادفٍ لكلمة بشريٍّ

فأجدُ إنسانْ

أبحث عن الإنسانِ

فلا أجدُهُ

أعرف أنَّ كلّ هذا الخراب الشاسع

ما هو إلّا حصيلة غابة من نشيجٍ وضحكٍ.

أتقمّص ضبعًا فينهرُني نمرٌ

أتقمّص أرنبًا فيطاردُني الضبعُ

أصير سحلية في جُحر فيداهمُني المطرُ

أتحوّلُ إلى كائنات كثيرة

أضحك وأضيع

وأضيع وأضحك

إلى أن أنتهي بذرة في طين الأرض

تصير شجرة

فتتسلقها القرود.

ركض

كنتُ أركضُ

والشوارع والأشجار كلها تركض باتجاه آخر

كنت أركض برئتيِّ حصان

وخفّة أرنب

ولهفة لبؤة جائعة

<

ركضت طويلاً طويلاً

وحين سقطت

وجدت

أنّ كلّ هذا الركض

ما هو إلّا

عكسُ كلِّ اتجاهٍ.

الآن أجلس مرتاحًا

يدٌ تفركُ خِصيتيَّ

وأخرى تلوح للراكضين

في هذا الماراثون الرخيص

الذي يُدعى وصول.

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>