الاختيار

في نهاية الطريق يسأله الآخر أن يختار ما بين حبه له وبين وجود أصدقاء في حياته. تصيب الدهشة كريم ويجيب بأنه لا مجال للمقارنة بين الاثنين

الاختيار


أفيش فيلم "النداهة"


|كريم عزمي|

يسير الاثنان سوياً في الطريق صامتين، لا يدور بينهما أيّ حوار. لكن عقليهما يزدحمان بالأفكار. يحاول كريم أن يتقرب منه واضعاً يده فوق كتفه كالمعتاد، فيزيح الآخر يده بعيداً عنه. يحزن كريم ولكنه يداري حزنه. لا يفهم ما جريمته ولمَ كل هذا الغضب الذي يعتلي الآخر.

يقتربان من إحدى شارات المرور حيث السيارات الكثيرة المسرعة التي يخاف منها كريم. يسير الآخر وحده عابراً الطريق متجاهلاً كريم غير مهتمّ به. لا يخاف عليه مثلما كان يفعل دائماً حيث كان يمسك يده ويضع يده حول خصره أحيانًا ليعبرا الطريق سوية. جرى كريم خلفه وعبر الطريق ولكن إحساسًا باليُتم ملأ قلبه.
سار بجوار الآخر وخلفه أحيانًا، والآخر لا يلتفت ناحيته وكريم يخاف النظر إليه وهو في تلك الحالة. يتذكر كريم المشهد الأخير من فيلم “النداهة” حيث يسير شكري سرحان ومن خلفه ماجدة تحمل على أكتافها وزر جريمة لم ترتكبها حين اغتصبها أحد مخدوميهم وتحملت هي وزرَ الجريمة وعقابها بالنفي من المدينة التي عشقتها ويقرر زوجها أن يعودا إلى بلدتهما وتخلع ماجدة ثوبها الجديد الذي ارتدته في هذه المدينة الجديدة عليها والتي تعلقت بها وعشقتها رغم كل سلبياتها. وترتدي الثوب الذي جاءت به وتسير خلف زوجها منكسة الرأس وأمام محطة القطار تقف ماجدة ويقف كريم. لم يشعر شكري سرحان بها ولم يشعر الآخر به. تهرب ماجدة من شكري سرحان وتتوه في الزحام. لا يستطيع كريم الهروب ويقف مكانه. يلتفت شكري سرحان حول نفسه باحثاُ عن ماجدة ولا يجدها. يلتفت الآخر للخلف ويجد كريم يقف بعيداً عنه فيعود إليه يسأله: “وقفت ليه؟”..

يجيب كريم حزيناً “مفيش”.. ويكملان سيرهما.
في نهاية الطريق يسأله الآخر أن يختار ما بين حبه له وبين وجود أصدقاء في حياته. تصيب الدهشة كريم ويجيب بأنه لا مجال للمقارنة بين الاثنين وليس هناك اختيار- فكلاهما مهم وضروري. يستشيط الآخر غضباً ولا يقوى كريم على النظر إليه؛ فالعيون عند الغضب تكون مرعبة. ومنذ الصغر وكريم يكره العنف والغضب ويخاف العيون الغاضبة. يتحدث الآخر كثيرًا. يشعر كريم بالبرد الشديد. لا يقوى على الاختيار ولا الكلام. يتهمه الآخر بالهروب- فهي طريقته في حلّ المشكلات.

لم يعد كريم قادرًا على الصمود أكثر من ذلك. يركب العربة عائداُ لبيته ويجتاح البرد كل خلية من جسده ويملؤه الإحساس باليتم.

(مدونة يوميات كريم- كريم عزمي)


المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>