السينما الإيرانيّة متوّجة في «برلين»/ زياد عبدالله

بين ألمانيا الستينيات وطهران الزمن الراهن، عاش جمهور «البرليناله» على وقع قصص الحب المجنونة والثورات والانفصالات… الدورة 61 التي أسدل عليها الستار أوّل من أمس، كانت دورة الشباب بامتياز

السينما الإيرانيّة متوّجة في «برلين»/ زياد عبدالله



ليلى حاتمي وبيمان معادي في مشهد من «انفصال نادر وسيمين»

|زياد عبد الله|

إنعام بطلة شريط «أحمر شفاه» للإسرائيلي جوناثان ساغال، اغتصبها جندي إسرائيلي، أمّا سيمين بطلة «انفصال نادر وسيمين» للإيراني أصغر فرهادي، فتهجر زوجها نادر على أمل مغادرة طهران نهائياً. من جهته، يتتبع السينمائي الألماني أندريه فيل جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية في بلاده، وخصوصاً حركة «بادر ـــــ ماينهوف» وحركات اليسار الألماني الرديكالي في باكورته الروائية «إن لم نكن نحن، فمن؟»، بينما يعيد البلغاري بِلّا تار في «حصان تورينو» السينما إلى منابعها الأولى.

حمل برنامج الدورة 61 من «مهرجان برلين السينمائي» تواقيع مخرجين شباب في تجاربهم الأولى، ما رفده بتنوّع أسلوبي كبير… المهرجان الذي اختتم أمس، منح جائزة «الدب الذهبي» للسينمائي الإيراني أصغر فرهادي، عن شريطه «انفصال نادر وسيمين»، وجائزتي الأداء النسائي والرجالي لممثليه مجتمعين. بعد «عن إيلي» (الدب الفضي- 2009) عاد فرهادي هذا العام بفيلم جميل آخر (احتفى به بلده قبل أيّام، راجع المقالة عن «فجر 29» في الصفحة المواجهة)، وكان من المتوقع فوزه منذ البداية. هذا هو الفيلم الإيراني الأول الذي يتوَّج بـ«الدب الذهبي»، ليكون عزاءً محتملاً لجعفر بناهي الذي بقي مقعده في لجنة التحكيم خاوياً. طيف السينمائي الإيراني حضر بقوّة من خلال عرض مجموعة من أفلامه، وتخصيص خيمة تضامنية معه.

يستدعي فرهادي مدينة طهران، في شريط يبدأ في قاعة المحكمة وينتهي فيها. عمل مبني على الحوارات، وعلى مشاهد سريعة مؤلّفة من لقطات متعددة. الحوار درامي بامتياز، بحيث يقود أي تطور طفيف في الأحداث إلى أزمة. الحبكة بسيطة: سيمين تريد السفر، أمّا نادر فمن المستحيل أن يقدم على هذه الخطوة، وخصوصاً أنّه يرعى والده المصاب بالزهايمر. قرار منطقي وبسيط، يُدخِل البطل في نفق طويل من المشاكل. هو يستعين مثلاً بخادمة لتعتني بالعجوز، فتكتشف أنّه يبول في ثيابه. وبما أنه رجل غير محرَم، فإنّها لن تنظّفه، إلا بعد أخذ فتوى بجواز ذلك عبر الهاتف.

يضعنا فرهادي أمام شريط محكم الإنجاز، يخوض في مشاكل الطبقة الوسطى الإيرانية التي يمثّلها نادر وسيمين، وصولاً إلى الطبقة الفقيرة التي تمثّلها الخادمة وزوجها… تصير نقاط الالتقاء بين الطبقتين المتوسطة والفقيرة مساحة للإضاءة على وطأة الديني والاقتصادي والاجتماعي، وانعكاساته على الحياة اليومية للفرد الإيراني.

أما «الدب الفضي – جائزة لجنة التحكيم»، فكانت من نصيب «حصان تورينو»، للمخرج الهنغاري بلّا تار الذي كان أيضاً صاحب الحظّ الأوفر من إعجاب النقاد. نحن أمام فيلم متطرف سينمائياً، منحاز إلى لقطة المشهد، ومبني على المكان. يستعين تارة بقصة نيتشه الشهيرة في زيارته لتورينو الإيطالية أواخر القرن التاسع عشر. هناك التقى مصادفةً بحصان عنيد، يرفض الحركة، رغم سوط صاحبه المنهال عليه بلا هوادة. نعرف أنّ نيتشه ارتمى على ظهر الحصان باكياً، وكانت تلك بدايةً لعقد كامل من الجنون والهلوسة عاشه الفيلسوف الألماني حتى آخر أيامه.

هذا ما حدث لنيتشه، لكن ما الذي حلّ بالحصان؟ هذا السؤال سيكون معبراً إلى فيلم يتتبع ثلاث شخصيات: الحصان، صاحب الحصان وابنته. يعيش الثلاثة في مكان ناءٍ، وبيت بدائي متآكل، لا تدخله إلا الرياح العاتية. منذ اللقطة الافتتاحية المدهشة لحصان يجرّ عربة، سيمتدّ السرد على سبعة أيام. يترجم كلّ يوم سينمائياً بمجموعة لقطات طويلة عن حياة ذاك الرجل وابنته، وما تنطوي عليه أيامهما من تكرار ورتابة… بل إن لقطات كثيرة ستكون مكرَّرة، وصولاً إلى اليوم السابع. وعكس الأسطورة الدينية لخلق العالم في سبعة أيام، ستكون أيام بلّا تار السبعة أياماً لفناء كلّ شيء، في تراجيديا مبنية على معاناة الحصان المحتضر.

من جهته، حصد السينمائي الألماني أندريه فيل «جائزة ألفرد باور» الممنوحة تيمّناً بمؤسس المهرجان، عن فيلمه «إن لم نكن نحن، فمن؟». استوقف هذا الشريط النقاد، من خلال استعادته لحقبة حساسة في التاريخ الألماني الحديث، وتحديداً مرحلة «الجيش الأحمر/ جماعة بادر-ماينهوف»، وحركات اليسار الراديكالي الألماني. في أوّل أفلامه الروائية، بعد سلسلة أعمال وثائقية، يقدّم فيل رصداً سينمائياً استثنائياً لجيل ما بعد الحرب العالمية الثانية. يتناول الشريط الكاتب والناشر بيرنوارد فيسبر (أوغست ديل) وزوجته وتر انسلين ( لينا لوتار) التي تنخرط في العمل الثوري، هاجرة فيسبر وابنها، في علاقة يتجاذبها الحب الجنوني والخيانات. شبح هتلر يلاحق بيرنوارد، بسبب ماضي والده النازي، وتمضي الأحداث على وقع الحراك الثقافي والثوري في ستينيات برلين الغربية، وما فيها من أدب وفن… وحالة يأس تعقب الأحلام وتفضي إلى الانتحار.

(عن “الأخبار”)


جوائز المهرجان

إلى جانب «الدب الذهبي» حصد «انفصال نادر وسيمين» جائزتي أفضل أداء نسائي وأفضل أداء رجالي لمجمل ممثلاته وممثليه. وقالت رئيسة لجنة تحكيم المسابقة الرسميّة، الممثلة الإيطالية إيزابيلا روسيليني، إن قرار منح الفيلم الجوائز الثلاث اتخذ بالإجماع.وإلى جانب بلّا تار الفائز بـ«الدب الفضي ـــــ جائزة لجنة التحكيم» عن «حصان تورينو»، حصد السينمائي الألماني الشاب أولريش كولر جائزة «الدب الفضي ـــــ أفضل إخراج» عن فيلمه «مرض النعاس»، وفيه يتطرّق إلى قضية الناشطين في مجال التنمية في دول العالم الثالث.

وحصل الأميركيان جوشوا مارستون وأنداميون موراتاي على جائزة «الدب الفضي» لأفضل سيناريو، عن فيلمهما «غفران الدم». أما جوائز فئة الأفلام القصيرة، فكانت كاملةً من نصيب كوريا الجنوبية، إذ نال الأخوان شان ووك وشان كيونغ بارك «الدب الذهبي» عن «ليلة الصيد»، فيما نالت مواطنتهما المخرجة هيو جو يانغ جائزة «الدب الفضي» عن شريطها «الليل المكسور».


المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>