دور المرأة الليبية يصطدم بالثقافة الذكورية

تحظى المرأة في ليبيا بحقوق قانونية وسياسية تمنحها وضعا أفضل من نظيراتها ببعض الدول العربية. لكن عوائق اجتماعية وثقافية تحول دون تبوّء المرأة الليبية مكانة تليق بها، كما يرى الكاتب الليبي مصطفى فيتوري في هذه المقالة

دور المرأة الليبية يصطدم بالثقافة الذكورية


شرطيات ليبيات. توجه إيجابي ملحوظ مع الحفاظ على معتقدات اجتماعية متخلفة

شرطيات ليبيات. توجه إيجابي ملحوظ مع الحفاظ على معتقدات اجتماعية متخلفة


| مصطفى فيتوري|

لا يوجد في ليبيا الآن الا سيدتين وزيرتين، وهي ليست المرة الأولى التي تتبوأ فيها المرأة منصبا سياسيا رفيعا، إلا أن المنصب السياسي لا يمكن اعتباره مؤشرا إيجابيا على مكانة المرأة في المجتمع، ولا يعني بالضرورة نيل المرأة لحقوقها،  بل إنّ ما يؤشر إلى ذلك أمران هامّان: الثقافة الاجتماعية والقوانين التي تحكم العلاقة بين أفراد المجتمع، خاصة في ما يتصل بالعلاقات الشخصية من قبيل الزواج والطلاق.

مصطفى فيتوري

مصطفى فيتوري

تعتبر ليبيا من الدول الرائدة في المنطقة في مجال حقوق المرأة من الناحية التشريعية وتتشدد التشريعات لصالح المرأة في كثير من المسائل على رأسها الزواج والطلاق، حيث يمنح القانون للمرأة المطلقة حق الاحتفاظ ببيت الزوجية طالما لديها أطفال ويفرض على طليقها دفع إعانة مالية لها (وهو مطلب دينيّ أيضًا). ويفرض القانون على الزوج الحصول على موافقة الزوجة السابقة إن أراد الزواج ثانية، وفي هذا الصدد بالذات تدخل الزعيم الليبي معمر القذافي مرات عديدة من أجل صياغة القانون بما يضمن سنُه على هذا النحو المؤيد للمرأة، وفي العقد الأخير يشترط القانون إثبات خلو الطرفين من الأمراض المعدية لإتمام عقد القران للزواج وعلى رأسها مرض الإيدز.

وفي جوانب الحياة المدنية الأخرى ليس هنالك أيّ قيد على شغل المرأة أيّ منصب، وعلى قدم المساواة مع الرجل (مع مراعاة المؤهل طبعا)، ولهذا السبب يوجد نساء في السلك العسكري والشرطة والقضاء والمحاماة وشركات الطيران.

وفي ليبيا اليوم يفوق عدد الطالبات في المراحل الجامعية عدد الطلبة (وتحقق الطالبات مستويات أداء أعلى من الطلبة)، وفي المستقبل القريب سيكون عدد الطبيبات أكبر من عدد الأطباء، أما في مجال التعليم الابتدائي والمتوسط فإنّ عدد المعلمات يفوق عدد المعلمين تقريبا خاصة في المدن، وهنالك العديد من المدارس التي يندر فيها وجود المعلمين بل أن حرص الزعيم الليبي يضم عدد من النساء.


مشكلات المرأة الليبية

لا يزال أغلب الليبيين من الجنسين يعتبرون مجرد دخول المرأة إلى مركز شرطة (حتى وإن كانت تشتكي لصًا) فضيحة اجتماعية!

وتكمن مشاكل المرأة الليبية في أمرين اثنين: الأول، الثقافة الاجتماعية القديمة التي تحط من قيمة المرأة وتنظر إليها نظرة دونية أقلّ من الرجل، والثاني ممارسة التمييز ضدها رغم وجود القوانين التي تحميها وتحفظ لها حقوقها. ويُعدّ هذا تناقضا صارخا يعود في أساسه إلى أنّ المجتمع لا يزال يحتفظ بثقافته الرجعية ويعكسها أفراده في ممارساتهم اليومية تجاه المرأة سواءً أكانت زوجة أم أختا أم زميلة. ويلقى هذا التفكير المتخلف نوعًا من الدعم في التفسير الخاطئ لتعاليم الإسلام الذي ازداد تأثيره في المجتمع بسبب تزايد نسبة المادة الدينية المتوفرة عبر وسائل الإعلام المختلفة.

وفي كثير من الأحيان تتغاضى المرأة عما تتعرض له من ظلم ولا تلجأ إلى القضاء، مثلا مخافة الفضيحة الاجتماعية إذ أنّ المجتمع لا يشجع المرأة على ذلك بل ويعتبر لجوءها إلى القضاء أو الشرطة عملاً مشينًا اجتماعيا، ولا يزال أغلب الليبيين من الجنسين يعتبرون مجرد دخول المرأة إلى مركز شرطة (حتى وإن كانت تشتكي لصًا) فضيحة اجتماعية!

وتتسم العلاقة بين الرجل والمرأة بهاجس الشك المستمر خاصة في الشارع وأماكن العمل والدراسة ولهذا السبب يصعب أن تتحدث مع إمرأة لا تعرفها مسبقا، كأن تسألها عن مكان ما وفي أغلب الحالات سيعتبر تصرفك هذا بمثابة المعاكسة وخروج على اللياقة مع أنك لم تتلفظ بأي كلمة سيئة أو جارحة.


مؤشرات إيجابية

إلا أن الجديد في وضع المرأة في ليبيا هو تزايد عدد سيدات الأعمال الليبيات من اللواتي يملكن ويُدرن شركات متوسطة وكبيرة في مجالات مختلفة لا ترتبط مباشرة بإحتياجات المرأة التقليدية، مثل محلات الزينة والملابس. ومع عدم توفر أرقام دقيقة عن حجم الأعمال التي تملكها وتديرها النساء في ليبيا، فإن مؤشرات عديدة تؤكد وجود العشرات من تلك المشروعات من شركات توزيع الأدوية إلى مدارس التعليم المتوسط والإبتدائي وحتى مراكز التدريب المهني في مختلف المجالات.

يلاحظ المراقب أنّ عددًا لا بأس به من النساء الناجحات في الأعمال هن من المطلقات، لأنّ عقلية الرجل الليبي ترفض أن تكون المرأة سيدة نفسها ومستقلة اقتصاديا ومتمردة على التقاليد الاجتماعية

وقد شهدت السنوات العشر الأخيرة طفرة في أعمال المرأة بما فيها ربات البيوت اللواتي يمارسن أعمالهن من داخل بيوتهن، وتم في السنتين الأخيرتين تأسيس مجلس لرجال الأعمال يضمّ في عضويته عدد من سيدات الأعمال علاوة على مجلس أعمال خاص بالنساء فقط ويضم مجلس إدارة غرفة التجارة الليبية سيدات في عضويته من القطاع الخاص.

ويلاحظ المراقب أنّ عددًا لا بأس به من النساء الناجحات في الأعمال هن من المطلقات، والسبب الرئيسي وراء ذلك هو عقلية الرجل الليبي التي غالبا ما ترفض أن تكون المرأة سيدة نفسها ومستقلة اقتصاديا ومتمردة على التقاليد الاجتماعية، كما لا يمكن إغفال حقيقة أن عدم توفر المربيات ودور الحضانة الجيدة وخدم المنازل يجعل من إمكانية جمع المرأة بين العمل والأسرة أمرا صعبا ومعقدا خاصة أن الرجل الليبي، والشرقي عموما، يميل الى التعفف من القيام بأعمال البيت ويعتبرها نقيصة.

وبالرغم مما تحقق للمرأة في ليبيا فإنّ غياب الثقافة الاجتماعية التي تحترم المرأة ونقص التوعية المتصلة باحتياجات المرأة ودورها وغياب التنفيذ الجاد للقانون، يجعل أغلب تلك الحقوق في مهب الريح، خاصة أنّ المجتمع ذكوري الثقافة وتقليدي النظرة في أحسن الأحوال. ومما يبعث على القلق حول وضع المرأة في ليبيا هو تفشي موجة تدين تقليدية بدأ من اللباس حيث يتزايد عدد النساء اللواتي يرتدين الخمار وهو لباس غير محلي ولم يكن يوما مألوفا في ليبيا.

(الكاتب رئيس قسم إدارة الأعمال في الأكاديمية الليبية للدراسات العليا/ طرابلس؛

عن موقع “دويتشه فيله”)


المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>