زيتون الكرمل؟/ نزار جبران

وأنا أقرأ الصحف الإسرائيلية اللي بوحّدها عنوان أحمر عريض على راس صفحاتهن مفادُه “الكرمل يحترق”، أو بعبارات أخرى مستترة -حسيتها موجّهة إلي شخصيًا- بسمعني كاتب المقال إنو “كرملنا إحنا اللي عم بحترق”، يعني كرملهن هنّي.. بعترف، الإشي بستفزّ وبثير الأعصاب- بس بطريقة عاديّة للغاية

زيتون الكرمل؟/ نزار جبران


حريق الكرمل في صورة من القمار الصناعي التابع لناسا. هل تعرف ناسا الكرمل لمين؟؟

حريق الكرمل في صورة من القمار الصناعي التابع لناسا. هل تعرف ناسا الكرمل لمين؟؟

|نزار جبران|

نزار جبران

نزار جبران

بعكس عادتي، وصلت على الجامعة قبل المحاضرة بأبو 5 دقايق، عال 8:10 بالضبط. سمحت لنفسي أتأخر شوي. اليوم يوم “خاص”: الكرمل احترق.. وبالآخر عندي شوية ذكريات لذيذه فيه. إنو هذا الإشي اللي احترق هو “الكرمل” مش جبل “ظهر حمار” اللي حدّ البقيعة (عنجد في هيك جبل – إفحصوا إذا بدكم). مسموحلي أزعل عليه، وأقعد مع حالي أمارس بعض الطقوس الروحانية (بعرفش إذا عشان أنا رومانسي ولا عشان مش طايق أفوت عَ المحاضرة). حسبت الوقت اللي بتحتاجه هاي الطقوس، طلع معي هيك: دقيقتين بوقّف بالدور عشان أشتري القهوة، خمس دقايق بعجّ عَ السيجارة عَ مهلي وبقرأ عناوين الصحف.. و بدها القصة 3 دقائق أسلم على كل طالب عربي بشوفه (من باب الذوق) وأدِيوِن معه شوي وأسأله كمان مرة: “عرفت شو صار بالكرمل ؟”، يعني كإنه مش عارف.. بس هيك أنا بفتح مواضيع الحديث، وزابطة معي الشّغلة..

وأنا أقرأ الصحف الإسرائيلية اللي بوحّدها عنوان أحمر عريض على راس صفحاتهن مفادُه “الكرمل يحترق”، أو بعبارات أخرى مستترة -حسيتها موجّهة إلي شخصيًا- بسمعني كاتب المقال إنو “كرملنا إحنا اللي عم بحترق”، يعني كرملهن هنّي.. بعترف، الإشي بستفزّ وبثير الأعصاب- بس بطريقة عاديّة للغاية.

الخط الأحمر العريض بذكّرني بفترات قبل لما كان الإنسان الفلسطيني يقاوم المحتل الغريب. بس اليوم الطبيعة قرّرت تقاوم الأشجار الغريبة اليابسة بأرضها. بس يعني العنوان بالآخر بعده بخط كبير وأحمر.

عَ فكرة: إحتراق “كرملنا” أو “كرملهم” بعكس بشكل واضح النفسية الازدواجية عند فلسطينيي الداخل، والتناقض البسيط اللي بتجلى بأبسط الأمور. يعني، من جهة بهمس بباطن عقلي: يا رب يولعله كمان “موكيد” خلي إسرائيل تتبهدل أكثر بتعاملها مع الحريق (قال شو ؟ أقوى دولة بالشرق الأوسط ؟ شرق مين!)، وببدا أسب للكيرن كييمت وأشجارها.

من جهة أخرى بشفق عَ “كرملنا” اللي بطّل لونه أخضر، واللي يمكن كمان بشي مرحلة محا أسماء عشاق فلسطينيين حفروها على الشّجر واللي ما قدرت يد الإحتلال تمحاها.. فمحاها الحريق. أو حرق شجرة كان شي سيد من سيادنا يسقيها كل يوم الصّبح قبل ما يطلع عَ الشغل ويكيّف لما تزهّر..

بطفولتي كنت دايمًا أربط الأخبار بمسلسلات الكرتون، وبطريقة أو بأخرى أطلع أنا البطل. بعد ما كبرت شوي، وصار عيب أحضر مسلسلات كرتون (لإنه “الزلام” ما بتحضر كرتون عنّا – ولإنه بطّل الإشي يثيرني زي قبل) تحوّل الربط بشي مرحلة للأفلام. هاي المرّة أنا كنت خارج الصورة، كان واحد من الأفلام اللي بالآخر الطبيعة بتهبّ للمساعدة ضد المغتصب وبتحسم المعركة بأشجارها وطيورها. بس إنو.. كيف منقرر إذا انحسمت المعركة بقصتنا الواقعية؟

أثبتت إسرائيل مرّة أخرى إنها دولة جيش، مش جيش دولة. أو يمكن جيش لدول الغرب اللي نطّت مرة واحدة بطائراتها تدافع عن قاعدتها بالشّرق الأوسط. أثبتت إنها دولة جيش لما قررت تدخّل الجيش بالأمور الميدانية – مرة أخرى – وصار هو الشّرطة.

بعد نداء المساعدة الإسرائيلي لدول العالم أرسلت الدول العظمى أكثر طائراتها تطوّرًا لمدّ يد العون لابنتهم إسرائيل، ولكن الحقيقة هي أنّ ما حسم المعركة هو تدخّل السلطة الفلسطينية (مع “شدّ” السّين و”فتح” السين واللام) بإرسالها اثني عشر رجل إطفاء كلّ مع “كلكر الماء” خاصّته. فهّب “العميد محمود” يدا بيد مع “التات ألوف موشيه” طائر الإف سطّعش عاملين دون تعب أو كلل مصرّين على إخماد الحريق. أما المصريون والأردنيون فلم يتردّدوا وقاموا بواجبهم “الوطني والأخلاقي”، حتى بدون نداء مباشر من جارتهم الحبيبة، وأرسلوا الإطفائيات اللي بستعملوها ببلادهم عادة لإخماد المظاهرات لا الحرائق.

كلي أمل، بعد أكم شهر لما “التات ألوف موشيه” يقصف غزّة كمان مرّة، ترسل السّلطة “العميد محمود” يطفي حرائق القنابل العنقوديّة، وتقوم مصر والأردن بـ “واجبهم الوطني والأخلاقي”. أو عمليّا لأ، مكلّيش أمل، كيف شايفلكم، إنو هذا الإشي بصير بس بالأفلام الهوليودية تبعون سنة الخمسة وتسعين.. مش بأفلام اليوم.. اليوم بطل الفيلم هو اللي بركض يساعد إسرائيل وبنسى شعبه وإخوته.

بتعرفوا بشو بتذكّرني هاي الفترة؟ بأيامات لما كانت مكابي حيفا تلعب مع فرق أجنبية، كانوا يقولولي مشجعينها العرب “شو دخل الفطبول بالسياسة”؟ اليوم وبعد سنين ما تغيّر شيء.. بدّلوا كلمة الفطبول بالطبيعة. وتغيروا من مشجعي مكابي حيفا، “لمُحبي الطبيعة والسّلام”.

إنو بعترف، كثير إشي لذيذ إنك “تحبّ السلام”، وكثير لذيذ إنك “تحبّ الطبيعة” (وبنفس الوقت تسب لليوم اللي قرر فيه سيدك يزرع هالأكام زيتونة، ويخليك تفيق بكير بعد أول شتوه تنقبهم)، بس يعني.. معلش.. الطبيعة سياسة زي ما لعب الفطبول تبعت مكابي حيفا سياسة. وفشل الاحتلال بإخماد حريق سياسة ونسب كرملنا لهم، وأنو هني المدافع الحصري والوحيد عن كرملهم، والدروز ولعولهم كرملهم.. هاي سياسة..

سألوني هذيك المرّة أذا بدي أغرس شجرة بعد ما سيطروا عَ الحريق. يعني ياخي، مع إحترامي الكامل لجهودك لإنقاذ الطبيعة، إتركلي الطبيعة بحالها تصلّح حالها، وإذا مُصر تزرع وتحسّ إنك فلّاح تذكّر إنو هاي أشجار السرو العالي اللي بعطوك اياها تبعون الكيرن كييمت هي نفسها الأشجار اللي غطوا فيها أنقاض قرانا المهجّرة.

بعد الحريق، بدي أزرع بالكرمل زيتونة.. وبدي أزرع زيتونة تقول لكل الأشجار المحروقة حواليها: “هذا كرملنا إحنا”.


المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

13 تعقيبات

  1. I enjoy what you guys tend to be up too.

  2. I enjoy what you guys tend to be up too. This type of clever work and exposure! Keep up the amazing works guys I’ve included you guys to my personal blogroll.

  3. I could not resist commenting. Exceptionally well written!

  4. Not agree on several issues but the whole thing, and so impressive. Successful year!

  5. ذكرتني هجمة الأشقاء المصريين والأردنيين ، والفلسطينيين بقول الشاعر مظفر النواب “نخبك نخبك سيدتي ، لم يحترق منك سوى شجر فاني ، فالبعض يبيع اليابس والأخضر ، ويدافع عن كل قضايا الكون ويهرب من وجه قضيته، سأبول عليه وأسكر ، ثم أبول عليه وأسكر ، ثم تبولين عليه ونسكر” !!

  6. انسانيين وقضيتنا انسانية، واذا ما كنا انسانيين ببطل في فرق بينا وبين الصهيوني.
    الارض تابعة لكل من يؤمن بهاي الانسانية، وهذا لا يشمل الصهاينة. إن كان قصدك ب”الكل” كمان الصهاينة بكون عندك مشكلة (لؤي)، لأنو اذا بدك تعيش مع واحد قامعك ومشردك ممكن انك عم بتعاني من مازوخيزم ولازم تطبب.

  7. يعني يا شباب ما تكونوا إنسانيين أكتر منهم.. باكلوكم…

  8. الكرمل وكل فلسطين إلنا لحتى ما تتحرر من الفاشيين، وبعد هيك بنقرر إزا هاي الأرض لإلنا لحالنا ولا للجميع، بس دخيلكم شباب ما تدخلوا المواضيع ببعض.. حبة حبة… ستب باي ستب…

  9. مقال ممتاز, شكرا كتير.
    حبيت انه مكتوب باللغة العامية, وقديش الإشي مميز وبسيط وبنفس الوقت بيضغط عالوجع.
    تحياتي

  10. عزيزي لؤي،
    أستطيع أن أتفهم سذاجة “حبك للسلام” كما سماه الكاتب. ولكن قبل تستنتج إستنتاجاتك الأفلاطونيّة، إفهم الفرق بين المستعمر والساكن الأصلي، وادرس التجربة في جنوب إفريقيا مثلا. الصهاينة ليسوا بسكان أصليين في بلادنا، بل هم مستعمرين مدعوومين من دول الغرب ورؤوس الأموال.

  11. عزيزي لؤي، برأيي المسألة تتعلق بقناعاتك أنت، فاذا كنت على قناعة بأن هذه البلاد لك ولأجدادك فيمكنك أن تقول أن الكرمل لك ولأجدادك، أما اذا كانت هذه البلاد، بحسب قناعاتك، بلاد عابري سبيل، بما في ذلك أنت وأجدادك، فيمكنك أن تقول أن الكرمل للجميع.

  12. sho btefre2 ente 3an el yahoody abo sawalef ele be2ool eno hay el 2ard elna mesh lal 3arab
    ana ba2ool eno el karmel lal kol mesh bas elna

  13. wa7sh

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>