رندا مداح: عن الفضاء المتقلّص وأبنائه

قد أعتبر ما تقدِّمه رندا من خلال هذا العمل، الذي عُرض ضمن تجربة “الاستوديو المفتوح” في مركز خليل السكاكيني في رام الله، نبوءة مُتَخَيَّلة ومتطرّفة للنتيجة، التي تبدو حتمية، النفسية والجسدية الواقعة على البشر إذا ما استمرّ فضاؤهم (الروحيّ والماديّ) بالتقلُّص

رندا مداح: عن الفضاء المتقلّص وأبنائه

(تستضيف زاوية “غاليري” معارض فنية لفترات تزيد عن ثلاثة أسابيع. لاقتراح أعمال فنية أو فنانين يمكن إرسال بريد إلكتروني إلى محررة الزاوية ميساء عزايزة: maisa.azaizeh@gmail.com؛ النص هنا يلي معرض الصور)


|ميساء عزايزة|

حتى تجسِّد الفنانة رندا مداح “لعنة” الاكتظاظ السكانيّ في عصرنا الحديث هذا، لم تلجأ إلى “البيت” أو “الحي” أو “الإنسان- بمفهومه وشكله الطبيعيين” كعناصر مكوِّنة لهذه الفكرة- الاكتظاظ، بل راحت تخلق كائناتٍ “غرائبية”؛ غير متطابقة إلا أنها متشابهة في التشوّه والبشاعة- كلُّ واحد منها يتمتع بظاهره الخاصّ، المختلف عن الآخر، إلا أنه يشبه جنسه، يشبه “المجموع” وينصهر فيه. تمامًا مثلنا نحن البشر. هل هم بشر إذًا؟

لعلّ رندا قصدت أن تجعل من داخلنا مادة مادية وملموسة (كالملامح والشكل الخارجي وتركيبة الجسد، الخ..). أنظروا كيف نثير الضحك والشفقة معًا! إنها حيواتنا المخبأة في أجسادنا (المكتظة، ابنة الضيق، المقلّصة، مختزَلة المساحة والفضاء). هي ذاتها حيواتنا التي جعلتها رندا ظاهرة بكل فُكاهتها وبشاعتها.

قد أعتبر ما تقدِّمه رندا من خلال هذا العمل، الذي عُرض ضمن تجربة “الاستوديو المفتوح” في مركز خليل السكاكيني في رام الله، نبوءة مُتَخَيَّلة ومتطرّفة للنتيجة، التي تبدو حتمية، النفسية والجسدية الواقعة على البشر إذا ما استمرّ فضاؤهم (الروحيّ والماديّ) بالتقلُّص.

فضاء واسع، مساحة تبدو في عيون هذه الكائنات الغرائبية شاسعة، ممتدّة البياض، سخية في فراغها واتساعها. إنه الفضاء الذي خلقته رندا في الجوار وعلى نفس الأرضية. فضاء يسأل: ماذا لو كان العالم أبطأ قليلاً؟ ماذا لو ظلّ وافرًا ومتوفرًا وحرًا منّا؟ ماذا لو لم نكن أصلا؟ هنا يتأرجح العمل الفني بين هذا السؤال الوجوديّ والفضفاض وبين آخر في قمة الواقعية والعملية: نتجاوز السؤال ونتعامل مع النتيجة الحقيقة؛ كيف بمقدورنا أن نتجنب نبوءة رندا المخيفة؟ كيف نحافظ على فضاء بشري سليم؛ نحفظه من التلف والاختناق؟ كيف نؤجل اكتظاظًا بشريًا يكاد يؤدي بنا إلى “الموت”. قد لا نكون بعيدين عن هذه المخلوقات الآن، أو قد نطابقها تمام التطابق من دون أن ننتبه. وفي كلتا الحالتين نحتاج إلى مقاومة هذه البشاعة، مقاومة احتلالنا الوقح لفضائنا الروحي والمادي.


المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>