فراولة مالحة/ علاء حليحل

فراولة مالحة/ علاء حليحل

عن فيلم “فراولة” القصير لعائدة قعدان، الذي عُرض في مهرجان حيفا المستقل للأفلام ● تتجلّى ثقة قعدان بنفسها وبالقصّة التي ترويها في اعتمادها على توجّه سينمائيّ غير متكلّف وغير ادّعائيّ · هدف رؤية البحر لدى سمير ينبع من الغاية الكبيرة التي يسعى إليها: أن يشعر بأنّه إنسان

farawlah

.

|علاء حليحل|

اختارت طالبة السينما عايدة قعدان ثيمة معروفة ومكرّرة لفيلمها القصير (16 دقيقة) الذي عُرض في مهرجان حيفا المستقل للأفلام، يوم الجمعة الفائتة. ورُغم هذا الاختيار غير المفاجئ في السينما الفلسطينيّة إلّا أنّ قعدان نجحت بكتابة وإخراج قصة سينمائيّة ترتكز على جانر الرحلات. فسمير (مراد حسن) ابن الـ 43 عامًا، صاحب حانوت لبيع الأحذية في رام الله، لم ير البحر في حياته. ولذلك فهو يقرّر يومًا التسلل إلى “الداخل” برفقة عمال بناء كي يصل الى أقرب شاطئ (يافا).

تستند قعدان إلى معلومات قَبْليّة (أبريوري) لدى المشاهدين: كلنا نعرف توق فلسطينيّي الضفة الغربيّة للبحر، ولذلك فلا حاجة لتفسير وتعليل هذه الرغبة الجامحة لدى سمير برؤية البحر. هذا قرار كتابيّ هام في الفيلم، يراهن على قدرة المشاهدين (الفلسطينيّين بالأساس) استيعاب هذا القرار والخروج مع سمير في رحلته من دون سؤاله ذلك السؤال الأساسيّ البسيط: “شو بدك بالبحر”؟ هذا سؤال هام في السينما المعاصرة لأنّ الدراما تقوم على الصراع الذي يخوضه البطل مع المعوقات من أجل تحقيق الهدف الذي يسعى إليه. والهدف المحسوس والملموس (رؤية البحر) يستند بدوره على غاية كبيرة غير محسوسة هي ثيمة الفيلم عادة. في حالتنا سأغامر وأقول إنّ هدف رؤية البحر لدى سمير ينبع من الغاية الكبيرة التي يسعى إليها: أن أشعر بأنّني إنسان.

في مثل هذه الثيمة الكبيرة إنسانيًّا والمركّبة فلسطينيًّا أنتجت قعدان شريطها القصير، وأعتقد أنّ أكبر نجاحاتها كطالبة سينما هو عدم الوقوع في فخ الكليشيهات والكتابة “الفلسفيّة”، باستثناء المشهد الأخير حين يدخل سمير البحر، وهي بنظري النقطة الأضعف في الشريط، خصوصًا أنّ الشريط لا يعمد في أيّ لحظة منه إلى ابتزاز العواطف أو استدرار الدموع. تحدث نقطة التحوّل المركزيّة في الشريط عند دخول سمير وزميله إلى دفيئة زراعيّة لقطف وأكل الفراولة. هناك يضطر سمير للهرب وترك زميله للشرطة، ليصل بعدها إلى البحر وقد مرّ بتحوّلات على شخصيته: فقدان البراءة وطعم الفراولة المشتهى؛ تلك الفراولة التي تذكّر بذلك الدبّ الذي علق في مصيدة قاتلة بتلهّى عنها بلحس العسل بالقرب منه إلى أن مات. بهذا المعنى: أليس من العدل أن يأكل سمير الفراولة، على الأقل، ما دام غير قادر على العيش بقرب البحر؟

تتجلّى ثقة قعدان بنفسها وبالقصّة التي ترويها في اعتمادها على توجّه سينمائيّ غير متكلّف وغير ادّعائيّ؛ فهي لا تقع في مطبات المبتدئين الذين يريدون أن يدحشوا في شريط واحد كلّ ما تعلّموه من تقنيّات وحرفيّات ومقولات سينمائيّة. وأعتقد أنّ قرار العمل في ضمن توجّه سينمائيّ كهذا هو قرار ممتاز، خصوصًا أنّ القصّة واقعيّة جدًا ولا تنحى نحو الغرائبيّة التي تستوجب عادة معالجة بصريّة وإخراجيّة غير تقليديّة.

يؤدّي مراد حسن دورًا جيدًا جدًّا في الشريط، وينجح كممثل في بلورة شخصيّة مركزيّة تقود حدثًا متصاعدًا في 16 دقيقة، وهذه ليست مهمة سهلة على الإطلاق تمثيليًّا (وإخراجيًّا ونصيًّا).

_______

“فراولة سيناريو وإخراج: عايدة قعدان. إنتاج: هبة سلامة. مدير التصوير: فتيان إبراهيم. مونتير: أيمن مطر. تمثيل: مراد حسن وفراس نصار.

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>