نديم مُحسن: “كلّ ما يهدّد الجمال يحرّضني”

رشا حلوة تحاور الكاتب والمؤلّف الموسيقيّ اللبنانيّ نديم مُحسن، في لقاء عميق وغير عابر، يستكشفان فيه معًا دوافع الفن وعلاقته بالسياسة والمجتمع • لقاء غير عاديّ مع فنان غير عاديّ لا يرضخ لإملاءات “روتانا” ولا يسارع إلى البدائل الركيكة!

نديم مُحسن: “كلّ ما يهدّد الجمال يحرّضني”

 

نديم محسن. موسيقى وسياسة ورؤيا

نديم محسن. موسيقى وسياسة ورؤيا

 

 

|رشا حلوة|

rasha-qadita

 

حين نسمع أغاني وموسيقى نديم مُحسن، لا يطل صوتَه مباشرة على هيئة “صولو” ولا مع الجوقة المُنشدة، لكنه حاضرٌ؛ في الأغنية التي تحمل أولاً فكره، آراءه، كلماته، ألحانه وأصوات آخرين، في المقطوعة الموسيقية التي جاءت بوحيِّ من تفاصيل حياته؛ اليومية، السياسية، الاجتماعية، الثقافية والخاصة، حاضرٌ حضور المؤلف الموسيقيّ والشاعر في الأغاني والألحان، كما يستحق أن يكون.

عن الحياة، الموت، الطبيعة، الوطن، الحُبّ، الألم، الوداع، المنفى، البحر وعن القُبل كتب ولحن. وعن التفاصيل الصغيرة التي نكاد نجزم بأنّ لا أحد يعرفها سوانا.. “منلاقيها فيه”.

مواليد بيروت عام 1962، أستاذ جامعي في العلوم السياسية والحضارات، باحث، كاتب سياسي، شاعر ومؤلف موسيقي لبناني، قّدم لنا عملين غنائيين وموسيقيين: “رقص النار” و”شَبَه” والثالث “عَ الطريق”..

مع نديم مُحسن كان لموقع “قديتا.نت” هذا الحوار الخاص.

 

- الفكرة السائدة هي أنّ الموسيقى والسياسة تنتميان إلى عالمين مختلفين. كيف جمعت بينهما؟

مُحسن: “ليس السائد كلّه صحيحًا. فالموسيقى والسياسة تنتميان إلى عالم واحد، وإنْ توحي كلّ منهما بنطاق اهتمام خاص ولغتين مختلفتين. قد يبدو في الظاهر أنّهما منفصلتان بل وللبعض متناقضتين. أمّا في اللبّ والجوهر، فكلاهما تعبير عمّا نراه جميلاً وراقيًا. لذا، فحيث تنحطّ السياسة والقيَم تنحطّ معهما الموسيقى، وحيث ترتفعان ترتفع. أي أنّ النظرة إلى ما هو أجمل وأرقى هي الأساس الذي تتفرّع منه الموسيقى والسياسة، كما الاقتصاد والأدب، إلخ.”

- هل حملتك السياسة إلى الموسيقى أم الموسيقى إلى السياسة؟

مُحسن: “بالترتيب الزمني للإنتاج، سبق تعبيري الفكريّ-السياسيُّ تعبيري الفنّي- الموسيقيَّ، ولكنّني تشرّبت الإثنين معًا، ولا أخالهما إلاّ متساكبيْن. فمنذ صغري وأنا مهتمّ بالأحداث السياسيّة: نشأنا، أخوتي وأنا، نصغي إلى أبي وأمّي يتحادثان يوميًّا في شؤون الأمّة والصراع، والبيت خليّة نشاط حزبيّ لم تخلُ سنواته من فترات سجن سياسيّ. فإذا بنا نتنفّس القضايا الإنسانيّة الكبرى بدءًا بقضيّتنا في المشرق وقلبها فلسطين. من ناحية ثانية، كنّا ننتظر الأغاني على إذاعة لبنان لنتحزّر الأغنية من بداية موسيقاها، وأذكر كم كنّا نفرح وننادي الوالدين عند بثّ أغنية لزكي ناصيف، فهو صديق للعائلة، وأغانيه جذّابة ومفعمة بالعنفوان والفرح والغزل والوجدان، إضافة إلى أنّ الإذاعة كانت تقطّر أغانيه عقابًا له على انتمائه الفكريّ القوميّ الاجتماعيّ.

صحيح أنّ السياسة-المهنة غريبةُ الموسيقى الفنّيّة، والموسيقى-السلعة غريبةُ السياسة الأخلاقيّة، غير أنّ الموسيقى/التعبير الفنّيّ من جهة والسياسةَ/ التعبير الأخلاقيّ من جهة أخرى هما في ظنّي أُختان بالرضاعة

“صحيح أنّ السياسة-المهنة غريبةُ الموسيقى الفنّيّة، والموسيقى-السلعة غريبةُ السياسة الأخلاقيّة، غير أنّ الموسيقى/التعبير الفنّيّ من جهة والسياسةَ/ التعبير الأخلاقيّ من جهة أخرى هما في ظنّي، على ما يقوله ابن رشد في الدِّين والفلسفة، أُختان بالرضاعة!

- من خلال تجربتك، هل شعرت بأنّ المادّة الموسيقيّة تصل إلى عقول/ قلوب الناس بشكل أسرع وأسهل من المادّة السياسيّة كما في المحاضرات والمقالات؟

مُحسن: “الجواب السهل لهذا السؤال هو نعم. ولكنّني أعتقد أنّ الموسيقى البسيطة الأحاديّة البُعد تصل كما تصل السياسة السطحيّة المباشرة، بسرعة. بل إنّ الموسيقى، والأغنية، التي تتوخّى الغريزة تجد التجاوب التلقائيّ مثلها مثل السياسة التي تستجدي الانفعال. أمّا الموسيقى، والأغنية ذات الأبعاد والأعماق والرموز فهي تتطلّب تفكيرًا وانتباهًا تمامًا كما فهم السياسات المعقّدة في عالم متشابك يتطلّب تركيزًا ونباهة. أي أنّني أضع الموسيقى الفنّيّة والسياسة الأخلاقيّة في خانة والموسيقى التجاريّة والسياسة النفعيّة في خانة أخرى، وعادة ما ينحاز الإنسان إلى إحدى الخانتين وينتمي. يبقى أن أشير إلى أنّ الإعلام في هذا الزمن يلعب دورًا حاسمًا في وصول الموسيقى والسياسة الخيّرتين إلى الشعب أو عدمه.”

- وما هي علاقتك بالإعلاميْن اللبنانيّ والعربيّ بشكل عام؟

مُحسن: “بات من المعروف أنّ الإعلام جزء من ماكينة سياسيّة موجَّهة، وليس هو بالنقاء والاستقلاليّة التي يروّجهما عن ذاته! معظم الوسائل الإعلاميّة -السياسيّة والفنّيّة على السّواء- مملوكة من جهات عادةً ما أكتب في الصحف أو أصرّح في المقابلات ضدّ مبادئها أو ممارساتها الاستهلاكيّة أو الرأسماليّة أو الطائفيّة أو التوريثيّة أو التصنيميّة أو الإقطاعيّة. أضيفي إلى ذلك الاتّجاهَ التجاريّ النفعيّ لمعظم هذا الإعلام. لذا، لا بدّ أنّ الكثير من الوسائل الإعلاميّة تجدني خارج المعادلة المطلوبة لنيل رضاها و… بركتها.”

- إمتدادًا لعلاقة السياسة بالموسيقى، هل ترى أنّ هنالك علاقة بين كثرة القناوات الموسيقيّة التجاريّة بالسياق السياسيّ الذي يعيشه الوطن العربيّ؟

مُحسن: “هل سألتِني عن “علاقة بين كثرة القناوات السياسيّة التجاريّة بالنفاق الموسيقيّ الذي يعيشه العالم العربيّ؟”

كلّ ما ينبض بالجمال يكوّنني، ولذا القضايا الإنسانيّة المحقّة على أنواعها، من القوميّة إلى الجندريّة، والأفكار الساعية إلى الارتقاء بالإنسان مفاهيمَ وممارسات، من الحبّ إلى الانتماء، هي كلّها من دوافع التأليف

- ما هي الرسالة (العنوان الأكبر) التي يحملها نديم مُحسن للناس من خلال موسيقاه وعمله السياسيّ؟

مُحسن: “ليس من رسالة بالمعنى التبليغيّ أو التلقينيّ. فكلّ رسالة من ذلك النوع هي رسالة مفخّخة مهما كثُر الأتباع المتبلّغون، وتمَلْيَنوا! غير أنّ كُلاًّ منّا يتصرّف ويحيا ويعمل بما يحرّكه. نحن، كأفراد، وبما أنّنا ننتمي إلى الطبيعة الكونيّة، وتحديدًا الطبيعة الإنسانيّة، وثقافيًّا الطبيعة الاجتماعيّة، فإنّنا إنّما نتحقّق اجتماعيًّا إنسانيًّا كونيًّا لا فرديًّا. لذا، فإنّ الموسيقى والسياسة والشعر وكلّ أمر آخر أقوم به هي كلّها ضرورة حياة لا أكثر، ولكن لا أقلّ!”

- ماذا يدفعك للتأليف، لحنًا وشعرًا ونصًّا سياسيًّا؟

مُحسن: “أعتقد أنّ عمليّة التأليف بشكل عام وفي المجالات الإنسانيّة كلّها، الفنّيّة والعلميّة والفكريّة، دليل عدم كمال الحياة، بل والكون، من دون فعل إنسانيّ خلاّق، ما دام الإنسان موجودًا ولم ينقرض. فالتأليف إمّا يملأ فراغًا ما في الكون أو يغيّر حالاً إلى أجمل منه! لذا أؤلّف لأشارك في صنع الكمال، فأحيا بذلك إنسانيًّا. ولكن تغيير الحال إلى أجمل منه، يفترض، بل يفرض الالتزامَ بقضيّة الجمال التي تحتوي، في ما تحتوي، على الصّراع لأجل العدل والحقّ وغيرها من مقوّمات الإنسانيّة الواعية. لذلك فكلّ ما يهدّد الجمال يحرّضني، وكلّ ما ينبض بالجمال يكوّنني، ولذا القضايا الإنسانيّة المحقّة على أنواعها، من القوميّة إلى الجندريّة، والأفكار الساعية إلى الارتقاء بالإنسان مفاهيمَ وممارسات، من الحبّ إلى الانتماء، هي كلّها من دوافع التأليف.”

- أيّهما أقوى للخلق الفنّي: الحبّ أم الألم؟

مُحسن: “كلّ شعور حقيقيّ محرّك للخلق الفنّيّ، ولكنّ الأقوى على الإطلاق هو ذاك الذي ينتج عن مزيج من المشاعر تختمر وتنضج معًا وتزول المسافات الفاصلة بينها، فلا تبقى فواصل بين العشق والفداء والشوق والرجاء، كما لا يعود الحبّ بحاجة إلى ما أو مَن يُحَبّ، ولا الألم يعود نقيضًا للّذة.”

- لكلّ فنّان طريقة خاصّة بالتأليف. كيف هي عندك؟

مُحسن: “أحيانًا أشعر بأنّ اللحن مكتمل في لغزٍ خياليّ موجود في ذهني، أفكّه جملة موسيقيّة بعد جملة؛ وأحيانًا أخرى أنّه عمارة أشيّدها من الفراغ نوتةً نوتة حتّى الاكتمال؛ وفي الحالتين، أشعر بأنّ التأليف شعرًا أو موسيقى أو نصًّا سياسيًّا أو مشهديّةً، هو ما يجعلني، أنا المذكَّر، أُمًّا!”

- هل ينهي العمل بعد إنجازه الحالة التي سبّبته؟

مُحسن: “بل يؤجّجها فيما هو يموت ليولد!”

- كيف؟

مُحسن: “كلّ حالة تتغذّى ممّا يناقشها ويبحث فيها ويهتمّ بها، فتنمو. أمّا العمل، فلذّته تأتي أثناء وخلال، وأمّا إنجازه فإعلان موت المرحلة الأحلى للمبدع، أي مرحلة الخلق والتكوين. يبقى أنّ قيامة العمل وولادته من جديد رهن قدرته أن يحيا في الضمير المجتمعيّ وفي السياق الإنسانيّ.”

إختارت البشريّة ما هو بديهيّ وسهل وغريزيّ، أي اتّجاه الواحد الأحد في كلّ أمر، من الدِّين إلى المصنع، ومن الدولة إلى البيت! ولم ينْجُ الفنّ من هذا الاتّجاه الاستبداديّ الاختزاليّ التبسيطيّ

- تغرس الأغنية العربيّة منذ سنوات عديدة في عقول الناس اسم المغنّي أكثر مما تغرس اسم كاتب الكلمة أو الملحّن… إلاّ أنّ “المعادلة” اختلفت عندك. بما معناه، من يسمع ويعرف أغانيك وموسيقاك من أسطوانتَي “شبَه” و”رقص النار” يعرف أنّ صاحبها هو نديم مُحسن. لماذا؟ هل كان إصرارك هذا جزءًا من إعادة مكانة الكاتب أو المؤلّف الموسيقيّ إلى مكانته الطبيعيّة على الساحة الفنّيّة؟

مُحسن: “إختارت البشريّة ما هو بديهيّ وسهل وغريزيّ، أي اتّجاه الواحد الأحد في كلّ أمر، من الدِّين إلى المصنع، ومن الدولة إلى البيت! ولم ينْجُ الفنّ من هذا الاتّجاه الاستبداديّ الاختزاليّ التبسيطيّ، فالهرميّة والهَيرأركيّة من أبسط أشكال التنظيم وأكثرها شيوعًا وتداولاً في عالم الحيوان والإنسان، ولكنّها أيضًا من أكثر المظاهر طغيانًا وبدائيّة. ثمّ إنّ التأثّر بالظاهر أسهل من التفكّر بالباطن. لذلك، فالتركيز الإعلاميّ على المغنّي يجسّد الحالتين معًا: فالمغنّي هو الواحد الظاهر المتبوع المعبود ذو الإسم واللقب، وهو الذي يسهّل عمل شركات الإنتاج في تسويقه منتَجًا محدَّدًا مرئيًّا ومسموعًا للجماهير. ولكن رغم أهمّيّة المغنّي، واهتمامي في أعمالي بجماليّة الصوت المنفرد، إلاّ أنّني أيضًا منجذب للصوت الجماعيّ ذي الديناميّة المركَّبة، ومع فهم العمل برمّته وبكامل أبعاده وعلاقات مكوّناته الداخليّة، ومع عدم اختصار أنسجة الأغنية، من لحن وكلمة وصوت وتوزيع موسيقيّ وعزف، بالصوت فقط.”

- هل من رابط بين اهتماماتك وقراءاتك من جهة وموسيقاك من جهة أخرى، فإن تبدّلت هذه تبدّلت تلك؟

مُحسن: “حتمًا. فتمامًا كما أنّ أداءنا الجسديّ على علاقة، أقلّه، بما نأكل وما نتنشّق، كذلك هو أداؤنا الفنّيّ على علاقة بما نوليه وقتًا من تفكيرنا وبحثنا وتأمّلنا وشعورنا. فالمعادلة بالنسبة إليّ هي حتمًا، قولي لي ما موسيقاك وفنّك أقلْ لك مَن أنت!”

- تذكر في أغانيك مدنًا فلسطينيّة كدير البلح وبيسان ويافا وصفد وغيرها من مدن بلاد الشام، كجبيل في لبنان وحلب في سوريا.

مُحسن: “ليست مدن بلادي في أغانيّ رايات أنشدها ولا أناشيد ألوّح بها، بل إنّها أفعال غزل ومقاييس جمال؛ إنّها مشاعر وقيَم أكثر منها أماكن وإحداثيّات على google earth!”

- أعلم بأنّ أغنية “وتمايلي” لها مكانة خاصة لدى اللبنانيّين، خاصّة مَن يعيش منهم في المهجر، وبأنّهم حين يسمعونها يشعرون بأنّهم عادوا إلى لبنان للتوّ. ما هي قصّة “وتمايلي”؟

مُحسن: “لعلّ في “وتمايلي” مزيجًا من الإيقاع القويّ والميلودي القويّة؛ أو لعلّ النوتات الأربع الأولى التي تتكرّر، مي دو ري سي، فيها من البساطة ما يسمح بما يلي من جمل وتنويعات لتعود إلى الاستقرار عندها؛ أو ربّما بناؤها غير التقليديّ، فالدقائق الثلاث الأولى منها موسيقى تكسرها فجأة دقيقتان من الغناء الذي يبدأه كورس الشباب بقوّة وبوح وينهيه كورس الصبايا بحبّ وبعض الدلال؛ أو ربّما هو مزيج الطبل البدويّ الذكريّ والكمنجة الحضريّة الأنثى؛ أو لعلّ ولادتها الغريبة حملت جاذبًا مجهولاً ما، فهذه الأغنية ألّفتُها خطوات دبكة خلف جُمل لحنيّة خلف كلمات خلف خطوات راقصة خلف جُمل خلف كلمات… فأتى تشكُّلها وحدةً عضويّة ضمنيّة وظاهريّة؛ لعلّ أيًّا من هذه، أو كلّها أو غيرها، هو ما جعل هذه الأغنية الموسيقيّة قريبة إلى حدّ كبير من المغتربين والمقيمين على السواء، لبنانيّين وغير لبنانيّين، حتّى إنّ أعدادًا كبيرة من العرسان على مدى عشر سنوات اختاروا أن يُزفّوا على “وتمايلي”، ولا يزالون.”

أنتج أعمالي بنفسي لأنّ سياسة الشركات الفنّيّة تهدف إلى إنتاج بضاعة فنّيّة لها مواصفات محدّدة شكلاً ومضمونًا لا تستهويني، وحتمًا أغانيّ لا تستهوي تلك الشركات! ولست مستعدًّا للمساومة على هويّتي

- ما هي الأغنية أو الموسيقى الأحبّ إلى قلبك من أعمالك؟ ولماذا؟

مُحسن: “تتبدّل الأغنية المفضّلة عندي تبدّل الفصول أو تبدّل الأشهر أو الأيّام. وأحيانًا، يروق لي سماع أغاني الكورس على أنواعها، فأتنقّل بينها؛ وأحيانًا أخرى، أفضّل أغاني الصوت المنفرد؛ وفي أوقات، أشتاق إلى أغاني الحبّ والغزل؛ وفي غيرها، إلى الأغاني ذات الرموز الفكريّة… وهكذا. ولكن على العموم، أتجاوز الكلمات والألحان لأنّهاي- أي أنّها إيّاي! وأستمتع بالانسياق في كلّ ما اندمَج فيها، من توزيع موسيقيّ وعزف آلات وأصوات منشِدة.”

- إذا أردت أن تشبِّه موسيقاك بشخص، فبمَن ولماذا؟

مُحسن: “لا أشبّه موسيقاي بي، لأنّّهاي كما قلت. ولكن من ناحية ثانية، فإنّ موسيقاي لا تشبه شخصًا محدَّدًا، وإنّما نوعًا من القيَم والمفاهيم والحياة التي يعبّر عنها أشخاص على اختلاف أهمّيّتهم الفكريّة، على مرّ التاريخ وآماد الأرض، ومنهم سقراط، إليسار، يسوع، الحلاّج، سعاده، غيفارا وخليل حاوي. كما أحبّ أن أعتقد أنّها تشبه بستانًا فيه من التنظيم ما لا يقضي على عفويّة البرّيّة فيه.”

- ما رأيك بالفيديو كليب؟ ولماذا لا تعرض أعمالك الأربعة المصوَّرة، “وتمايلي” و”عتاق” و”لا تفلّي” و”شبَه”، عبر الشاشة؟

مُحسن: “الاتّجاه العام السائد للفيديوكليب هو أن غايته الأولى والأخيرة أن يسوّق الأغنية والمغنّي/ة بصريًّا. وهذا ما يعلّمونه في بعض الجامعات. أمّا الفيديوكليب بالنسبة إليّ، فعمل تصويريّ ذو مضمون خاصّ به، لا يهدف إلى تسويق الأغنية، أو المغنّي أو الشاعر أو الملحّن أو الموزّع الموسيقيّ، وإنّما يستفيد من الأغنية لطرح موضوع على علاقة بها، ولا بأس أن تستفيد هي منه ثانويًّا. ثمّ إنّ تحالُف شركات الإنتاج والمحطّات التلفزيونيّة أسّس لدورة مغلقة لا يدخل إليها إلاّ الفيديوكليب الذي يحتوي على الجاذب الجسديّ والبهرجة الماديّة.

“يبقى أن ألفت إلى أنّ محطّتين تلفزيونيّتين في لبنان هما إم.تي.في. وتلفزيون الجديد أعطتا حيّزًا مقبولاً للفيديوكليبات الأربعة عند إصدارها. غير أنّ الشاشات تلتهم الأعمال وتبحث عن الجديد، وفي غياب الدعم الماليّ والإنتاج المؤسّساتيّ، تضعف القدرات الذاتيّة على مجاراة شرَه الشاشات وسيولة شركات الفنّ التجاريّ.”

- بعد “شبَه” و”رقص النار”، تعمل الآن على إصدار الأسطوانة الثالثة، والتي ستكون من إنتاجك الذاتيّ أيضًا. لماذا تستمرّ بإنتاج أعمالك الغنائيّة-الموسيقيّة على حسابك الخاص؟

مُحسن: “أنتج أعمالي بنفسي لأنّ سياسة الشركات الفنّيّة تهدف إلى إنتاج بضاعة فنّيّة لها مواصفات محدّدة شكلاً ومضمونًا لا تستهويني، وحتمًا أغانيّ لا تستهوي تلك الشركات! ولست مستعدًّا للمساومة على هويّتي.”

- وهل فنّك هويّتك؟

مُحسن: “الهويّة في الكلّ الشامل، في ما لا يمكن أن أكون من دونه، في الإنسانيّة والمجتمع والمعرفة والأخلاق وقضايا الحقّ والخير والجمال، تمامًا كما هي في الجزء، في أيّ موقف وتصرّف. وأينما صنّفتِ فنّي بين الكلّ والجزء، فهو هويّة.”

- على ماذا سيحتوي مشروعك الموسيقيّ-الغنائيّ القادم، وبماذا يختلف عن سابقَيه، ومتى سيخرج إلى الضوء؟

مُحسن: “أفضّل الكلام عنه بعد صدوره في ربيع السنة القادمة. ولكنّني سأذهب فيه إلى أقصاي بالكلمة واللحن، وستكون المواضيع كلّها، الوجد والنقد والتحدّي والعشق والغزل والفكر، مفعمة بالفرح.

“وبشكل عام، سيبني على نقاط القوّة في “شبَه” و”رقص النار”، وسيكون التوزيع الموسيقيّ بأكثره أو كلّه للصديق الفنّان عبّود السعدي الذي سبق وتعاونت وإيّاه في العملين السابقين، إذ وزّع موسيقيًّا غالبيّة الأغاني فيهما. ولعبّود مقدرة مميّزة في فهم كلّ أغنية أو مقطوعة، بما يجعلها منه، فيأتي التوزيع داعمًا للحنها ومعناها، ومجمّلاً لما فيها من مساحات. الاستماع إلى التوزيع وجمله الهارمونيّة يصبح بحدّ ذاته استمتاعًا. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأصوات المحترفة في الكورس، كما وإلى العازفين المغرَمين بآلاتهم.”

- ما رأيك بالساحة اللبنانيّة الموسيقيّة اليوم، خاصّة “الشبابيّة” منها؟ وما رأيك بمصطلح “موسيقى بديلة”- إنّ صح التعبير؟

مُحسن: “معظم ما يطلَق عليه اسم موسيقى شبابيّة يحتقر الشباب ويحدّه ويهين معانيه وإمكانيّاته.  وكثير ممّا يُسمّى “موسيقى بديلة” هو برأيي موسيقى رذيلة، فعدم مجاراة فرائض السوق “الروتانيّ” “المازّيكيّ” “الميلوديّ” ليس بحدّ ذاته باسبورًا للجماليّة أو الجدوى أو الاحترام!”

- أيّ مستقبل تتوقّعه للأغنية العربيّة؟

مُحسن: “مستقبل الأغنية في أيّ بيئة هو من مستقبل الحركة الثقافيّة–الفنّيّة–الفكريّة-الاجتماعيّة–الاقتصاديّة فيها. فالسؤال هو أيّ مستقبل نتوقّعه للعالم العربيّ، ثقافيًّا وسياسيًّا. دورنا هو في أن نكون أحرارًا في عالم حرّ. لذا، ولأنّ الحرّيّة ليست شعارًا أو موعدًا في زمن معلَّق، بل سيرورة يوميّة، فإنّ الحياة كما نخوضها ونصنعها بما يخصّ المواقف السياسيّة والتجلّيّات الفنّيّة هي من مكوّنات المستقبل الذي نتوخّاه ناصعًا وساطعًا.”

- ما رأيك بكلّ ما يتعلّق بقضيّة السيّدة فيروز التي يعيشها لبنان والعالم العربي بأسره في هذه الفترة؟

مُحسن: “كثيرًا ما يكون القانون، في انغماسه بالحفاظ على الحقوق، قاصرًا عن مجاراة الحقيقة! وفي تركيزه على حقوق الإنسان الفرديّة، عاجزًا عن استيعاب حقوق الإنسانيّة، خاصّة في بيئة من فساد واستقواء! وما سمعت عن سلطة قادرة على أسر الهواء أو إسكات الضوء.”

- كلمة أخيرة للقرّاء… ولجمهورك في فلسطين.

مُحسن: “إلى اللقاء في نصر لا ينتقم، بل يضمن العزَّ لأهل الحقّ وفرصةً لمن ظَلَم أن يحبّ فيتأنسن!”

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

5 تعقيبات

  1. يبدو انو رشا مش عم تعرف الرفيق نديم منيح ولا خلفيتو القوميه الاجتماعيه في سؤالين بيجلطو

    (تذكر في أغانيك مدنًا فلسطينيّة كدير البلح وبيسان ويافا وصفد وغيرها من مدن بلاد الشام، كجبيل في لبنان وحلب في سوريا)

    أعلم بأنّ أغنية “وتمايلي” لها مكانة خاصة لدى اللبنانيّين، خاصّة مَن يعيش منهم في المهجر، وبأنّهم حين يسمعونها يشعرون بأنّهم عادوا إلى لبنان للتوّ. ما هي قصّة “وتمايلي”؟

  2. كتير حلو رشا…أنا أتابع زاويتك هنا بشكل دائم….موفقة

  3. مقابله رائعه جدا رشا كل الاحترام على الشغل الحلو .. مقابلة مثريه :)

  4. يسلموا رشا عالتميز
    برافو

  5. اعجبني جدا!
    ماده ممتازة ولقاء مثير حقا كما يقول العنوان.

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>