محمد بكري ضحية المجزرة!/ أسامة ملحم

محمد بكري حين وضع حمله، فيلم “جنين جنين” لم يضع في حساباته كلّ هذا الجنون وسعاره الذي سيشتعل في وجهه. لقد وثّق هذا الجرح غير طامع بجائزة على “عملته”، لم يسعَ ليكافئه قريب أو ليصفق له غريب

محمد بكري ضحية المجزرة!/ أسامة ملحم


الفنان محمد بكري



|أسامة ملحم|

إذا كان محمد بكري سيحاكم فالحقيقة عصماء لا تُحاكَم. ولم تكن الحقيقة رهنا ً للمساومة، ولم تكن لتخضع لعملية تغيير جنس؛ فالحقيقة هي ما صوّرت كاميراته دون مواربة أو محاباة، لم تعتمد المحسنات التقنية أو التلميعات لتضفي، كما في أفلام الغرب، دراماتيكية على الأحداث- وهل من أحداث أكثر دراماتيكية مما صوّر؟ الأبطال تساقطوا بفعل نزوة شرٍ تكرّرت تحت تسميات شتّى. هو لم يخلق أحداثا، لكن أتى بها إلينا، نحن العالم؛ أتى بأحداثٍ تصور عالمًا لم يكن بالحسبان ولو افتراضيًا، لكنه كان بالرغم من عدم معقوليته.

محمد بكري حين وضع حمله، فيلم “جنين جنين” لم يضع في حساباته كلّ هذا الجنون وسعاره الذي سيشتعل في وجهه. لقد وثّق هذا الجرح غير طامع بجائزة على “عملته”، لم يسعَ ليكافئه قريب أو ليصفق له غريب. لقد نشد مرضاة نفسه في عين نفسه لا ليرضي أحدًا ولا “ليترضى” عنه أحد. وقف أمام إنسانيته العالية، علو انتمائه، وأقحم نفسه شريكًا شريفًا في هذا الهمّ، جهد المقلّ، ووثق ما رأت عيناه، حتى لا يكبد الذاكرة، غدًا، عناء البحث عن تفاصيل تؤكد ذاتها، وتحكي عن هول ما ارُتكب بحق إنسانية إنسان مخيم جنين الفلسطيني العادي والذي من المفترض أن يأكل ويشرب وينام ويصحو ويحلم ويطمح ككلّ إنسان آخر رغم ما فرض عليه من كفاح يومي ومعاناة ميدانية لا تشبه بحال من الأحوال “نضال المترفين” التلسكوبي أو الخطابي.

محمد بكري قرر حينها أن يتفرغ لهموم شعبه، وكانت تلك جائزته التي طمح بها وانصهاره الفعلي في حدث التعرض للفلسطيني، في الخندق الصحيح، لا في خانة من يُلَوح لهم بجزرة وسقطِ فتات، كمن يتهافتون على المنابر يتمسّكون بأذيال الوطنية يدّعونها وخبزهم مغمس بلوثات سلطان في يده زمام “المخلاية”.

شتان ما بين ما أتت يد محمد بكري من “جريمة” طاهرة تدين المجزرة وبين من سوّلت لهم أنفسهم غضّ الطرف عنها، أو تجاهلها أو تسويغها؛ مجزرة جنين ومجزرة غزة وسابقاتهما ولاحقاتهما، من اقترفوها ووقفوا من ورائها هم من يجب أن يحاكموا. هنا يكمن الفرق بين المجرم الحقيقي وبين “الشاهد الذي رأى كل حاجة” واختار ألا يصمت.

محمد بكري كن أنت، وسنكون نحن محمد بكري، وسيرضى عنك شعبك.


المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

2 تعقيبات

  1. كنت بقول “محمد بكري ضحية أخرى للمجزرة”

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>