يوم المرأة: الحل ليس بالملاجئ، بل بمسؤولية مشتركة

ننشر بالتعاون مع مركز “السوار” النسوي الفلسطيني مقدمة عن الثامن من آذار يوم المرأة العالمي ومقالة للناشطة البارزة عرين هواري تكتب فيها عن سياق هذا اليوم بثورات التحرر التي تجتاح العالم العربيّ، محيطه إلى خليجه

يوم المرأة: الحل ليس بالملاجئ، بل بمسؤولية مشتركة

ملصق يوم المرأة 2011، من إصدار السّوار. تصميم: عبد طميش (لتكبير الملصق الرجاء الضغط عليه)


|من: السّوار، الحركة النسوية العربية لدعم ضحايا الاعتداءات الجنسية|

يقترن الثامن من آذار هذا العام بثورات التحرر والنضال من أجل الديمقراطية وإسقاط كافة أشكال القمع، في تونس أولا  وفي مصر ثانيا وليبيا واليمن والبحرين وسائر مناطق العالم العربي لاحقًا.

ونحن إذ نحتفي في هذا اليوم من هذا العام في ضوء هذه الثورات التي ردّت إلينا الأمل بأنفسنا وبشعوبنا وبمستقبلنا، لا بدّ لنا إلا أن نؤكد على أهمية التحرّر لجميع أفراد المجتمع نساء ورجالا، ومناهضة جميع أشكال القمع والتمييز وأهمية محاربة العنف ضد النساء، إذ لا تزال النساء في مجتمعاتنا تعاني أشكال العنف المتعددة، النفسية منها والجسدية والجنسية والاقتصادية، وتقييد حرياتها الشخصية.

نستذكر الثورات أيضًا لنؤكّد على أهمية كسر حاجز الصمت والخوف لنأتي بالتغيير الذي نريده ولنصمّم حياتنا كما نريدها أن تكون. إذ أنّ ظاهرة العنف ضد النساء لن تنتهي إلا إذا كسرنا حاجز الصمت حولها باعتبارها “عنفًا أسريًا” يندرج تحت خصوصيات الأسرة، باعتبار أن تعنيف النساء في جميع أشكاله يحدث في معظم الحالات داخل إطار العائلة ومن المقربين. قتل النساء يحدث عادة داخل بيوتها ومن المقربين منها، وجرائم الاعتداء الجنسي عليها يكون من أقرب المقربين، وتعنيفها اقتصاديا يكون أيضًا من الأب أو الزوج أو الأخ.

لا زلنا نشهد كل عام جرائم قتل النساء وإخفاءها (اللد والنقب) بحجج واهية تدّعي لنفسها الشرف. نشهد على جرائم العنف الجنسي ضدّ النساء من كل الأعمار؛ فقد وصل جمعية السوار خلال العام 2010، 731 توجّهًا من نساء وفتيات إثر تعرّضهنَ للعنف الجنسي. ونحن إذ نقدم المعونة والدعم المعنوي والاستشارة النفسانية والقانونية لهؤلاء النساء، لا نزال نرى الخوف والخجل عند النساء ضحايا هذه الجرائم، وتبقى معظم هذه الجرائم طيّ الكتمان ولا تتقدم النساء للقضاء لجعل قضيتها قضيه عامه، ويبقى مرتكبو جرائم العنف الجنسي من دون أية مساءلة أو عقاب.

نحن نرى أنّ مناهضة ظاهرة العنف ضد النساء والقضاء عليها لا تكون بإقامة المزيد من الملاجئ، على الرغم من أهمية وضرورة وجود ملاجئ النساء كملاذٍ آمن للنساء المعنفات، إنما بنقل المسؤولية على هذه الظاهرة إلى المجتمع بجميع أطره ومؤسّساته وقياداته، بجعلها مسؤولية عامة حقا- ليس بالشعار إنما بالفعل.

نجدد العهد في هذا اليوم لمواصلة النضال ضد كافة أشكال القمع والتمييز وتقييد الحريات العامة والخاصة واحترام حقوق الإنسان في كافة المجالات، ونؤكد على حق النساء بالعيش حياة كريمة خالية من كلّ أشكال القمع والتمييز.

نقدّم تحياتنا وإعزازنا في هذا اليوم للنساء التونسيات والمصريات واليمنيات والليبيات والبحرانيات على مشاركتهن الشجاعة في ثورات بلادهن من أجل الديمقراطية والتحرر، كما نقدّم ألف تحية للنساء الفلسطينيات وهنّ يواصلنَ مسيرتهنَ النضالية من أجل الحفاظ على بيوتهنَّ ووطنهنَّ وحرياتهنّ تحت وطأة الاحتلال، في جميع مناطق فلسطين.

(إلى موقع “السّوار”)


أشكركم لأنكم أعدتم لنا هيبتنا، ولكني أشكركم أكثر لأنكم أعدتم لنا إرادتنا الجمعيّة

|عرين هواري|

عرين هواري

يُتوقّع منا عندما نكتب في يوم المرأة أن نكتب عن النساء فقط، لأنّ النظرة الضيقة للمشروع النسوي تعتبره مشروعَ نساء من أجل نساء فقط، وكأننا نكتب عن مخلوق مختلف. نظرة شمولية وغير ضيقة للمشروع النسوي تراه مشروعا ينحاز للعدالة، ويرفض كل أنواع القهر؛ يرفض المنظومات البطريركية التي تقهر النساء والرجال، وهو مشروع يرفض الاستبداد والقمع والاستعمار والفساد.

فرحنا جميعا باشتعال ثورات الشعوب العربية. فرحت شعوبنا لأنها كسرت حاجز الخوف. فرحت لأنها أثبتت لذاتها أولا ولباقي الشعوب ثانيًا، أنها قادرة على الوقوف والانتفاض وإسقاط الأنظمة الديكتاتورية.

إنّ مجرد حاجتنا الجمعية للإثبات، يعني أننا كنا نعيش حالة من الشعور بالنقص؛ شعور هيمن على عامتنا، بل وربما بالأساس، على الكثير من مثقفينا. في المقابل، ثمة حالة تتملك العقلية الجمعية الغربية، حيث يشعرون بالاستعلاء وكره الغرباء والمختلفين. وتنتشر هذه الحالة أيضا بين الكثير من الـ”متنورين” وناشطي حقوق الإنسان منهم. الشعور بالاستعلاء هو الوجه الآخر للشعور بالنقص. فعن طريق الاستعلاء على الآخرين يحاول الأفراد والجماعة إثبات تفوقهم المتخيل.

بعضنا لم يشكّ للحظة في قدرة هذه الأمة على الانتفاض في وجه الظلم. فعبر التاريخ انتفضت كلّ الأمم والشعوب، فانهارت إمبراطوريات وانصرف مستعمرون حاملين خزيهم على أكتافهم. في المائة عام الأخيرة، ثار الشرق بما فيه العالم العربي، وثار الشرق الأقصى، وثارت أفريقيا على مستعمريها، وثارت أمريكا اللاتينية. كما خاض الشعب الفلسطيني، وما زال، نضالا من أجل حريته، ومن أجل استعادة أرضه، ومن أجل عودة اللاجئين وحقه في تقرير مصيره. وفي أقسى مراحل القضية الفلسطينية حرجًا، وخلال إبداء السلطة الفلسطينية لقمّة تنازلاتها عن حقوقنا، ما زلنا نؤمن بعدالة قضيتنا، وبحقنا وبقدرتنا على انجاز هذا الحق. إذًا، وما دامت أمتنا قادرة على النهوض، فلماذا تثور الشعوب العربية اليوم فقط ولماذا صمتت عقودا من الزمان؟

أشكر ميادين التحرير لأنها عززت ما نقوله نحن النسويات بأنّ مشروعنا من أجل الحياة وليس من أجل الموت. فقد أظهرت دموع وائل غنيم لجميعنا أننا نحو الاستئناف على بعض القيم الوطنية والقومية، وعلاقات نوع اجتماعي أيضًا

عانت القدرة العربية ولعقود من الزمان، نقصًا شديدًا وعجزًا متراكمًا في الإرادة الجمعية. وقفت هذه الإرادة عاجزة أمام الإحباط، والإحباط عدو شرس وفذ انتصر على إراداتنا عشرات السنوات. ولا يسعني هنا إلا أن أحيي زينة الشهداء الذي أشعل النار في جثته وأشعلها أيضًا في صمتنا وإحباطنا. رمزت جثة بوعزيزي الملتهبة للتونسيين كما جثة خالد سعيد لشباب 25 يناير، بأنّ الكيل قد فاض؛ أخجل الثائرون الشعب التونسي والشعب المصري والعرب جميعا فهبت كل الشعوب العربية، شاحذة إرادتها، ومدافعة عن بوعزيزي وعن خالد سعيد وعن كل المظلومين والمظلومات والمحرومين والمحرومات في أنظمة السلب والنهب والتوريث التي ترأسها زين العابدين ومبارك، ومعمر القذافي وعلي عبد الله صالح وأسرهم المنتفعة. بوعزيزي، ومن قبله خالد سعيد، جعلانا باستشهادهما -مصريين وتونسيين وعربًا- عارين تماما. نشكر تونس لأنها أثبتت لضعاف النفوس بأنّ “الشعوب إذا هبت ستنتصر”، وأكدت لنا بانتصارها أنه لا تنقصنا سوى الإرادة، لندافع عن لقمة العيش، ولندافع أيضًا عن حرياتنا وعن كرامتنا.

الإرادة هي محاربة الإحباط. ولم يكن مشروعنا السياسي، الوطني والنسوي إلا محاربة لذلك الإحباط. فكم  كنا نرجو المُحبطين أن يصمتوا على الأقل، وألا يسقطوا علينا إحباطهم وإحباطهن. كرسنا الكثير من النضال من أجل التفاؤل، ومن أجل أن تؤمن الناس بأننا ما زلنا نعمل للصالح العام ونسعى له، حين أصبحت المصلحة الفردية هي الحالة العامة والعمل النسوي والوطني هو الاستثناء. وفي سياقنا، في الداخل، وحيث قدرتنا على الفساد محدودة، أخذ الكثيرون يشكّكون حتى بالقليل، إذ كان يرى البعض أنّ وظيفة رئيس البلدية أو النائب في البرلمان، لا يعنيان حمل هموم الناس وإنما يعنيان أجرًا عاليًا أو  سيارة جديدة. كم قال لنا المحبطون: لن تستطيعوا عمل أيّ شيء، العرب باعوها، الأنظمة فاسدة، القضية الفلسطينية خلصت، شو بتعمل مظاهراتكم؟.. كما اجتهد السياسيون الإسرائيليون بقوانينهم العنصرية وسياساتهم القمعية ومحاربتهم لعملنا السياسي، في تكريس هذا الإحباط ناهيكم عن مقولاتهم بأنّ القيادات والأحزاب الوطنية العربية لا تعمل من أجل مصالح الشعب، وإنما تعمل لأجل القضية الفلسطينية فقط على حساب ناخبيها. آمن بعض المحبطين منا بأنّ علينا ترك القضايا الوطنية والاهتمام بالقضايا اليومية، وذلك بدل أن يوجهوا التهم لمن يحرمنا من العيش بكرامة ومن يحتل أرضنا وشعبنا. كم قلنا إننا لا نفاضل بين اليوميّ والقوميّ ولا يمكن أصلا المفاضلة بينهما، تماما كما قلنا نحن النسويات: لا يمكن المفاضلة بين النضال ضد المحتل والنضال ضد المباني الاجتماعية القمعية.

كان علينا، نحن النسويات، أن نحتمل إضافة إلى هذه السيكولوجية الجماعية المحبطة والمحبطة (بفتح الهاء وكسرها)، سماع الوعظ حول أهمية دورنا في بيوتنا و”قدسية” هذا الدور، الذي “هجرناه”  لنشارك في نشاطات “رجالية” على حساب بيوتنا وأطفالنا. كم قيل لنا إنكن مهما فعلتن لن تغيّرن الطبيعة ولا الرجل ولا المرأة، وكأن الطبيعة حكمت على العرب والفلسطينيين بالاحتلال والاستبداد وحكمت على النساء بالمطابخ!؟

أشكركم ثوار مصر، لأننا ورغم أننا كنا نحارب التشاؤم، فإنّ هبتكم الشبابية الديمقراطية المشرفة، عززت ادعاءاتنا، بل ورفعت مصداقية خطابنا بدرجات كبيرة، شحذت هممنا ورفعت معنوياتنا في وقت كنا نشعر أننا في أحلك الأوقات. إذ ثرتم في اللحظة التي كان البعض يهزأ من تفاؤلنا، ويهزأ من نشاطنا بل وأحيانا يشفق علينا. انتم وثوار تونس وليبيا واليمن والبحرين لم تنهضوا من أجل إسقاط أنظمة فاسدة وبائسة فقط، وإنما لتسقطوا سيكولوجيات جماعية مقموعة سيطرت عليها، بعد سقوط الكثير من الإيديولوجيات التي تتحدث عن العدالة والحرية والاشتراكية، نظريات جديدة أدلجت الإحباط، وبررت الكسل وكرست الخوف وسوّلت الانتهازية وجعلت الهزيمة قدرا محتوما.

لم تكتب هذه المجموعات أدبيات ثورية ولم تتبنَ إيديولوجيات شمولية. لكنها حملت مشروعا وطنيا ديمقراطيا، ملتحما بالمشروع النسوي، مشروعا لا يخجل من بكاء الرجال بل يجعل البكاء حبًا بحياة الإنسان بطولة

أشكر ميادين التحرير لأنها عززت ما نقوله نحن النسويات بأنّ مشروعنا من أجل الحياة وليس من أجل الموت. فقد أظهرت دموع وائل غنيم لجميعنا أننا نحو الاستئناف على بعض القيم الوطنية والقومية، وعلاقات نوع اجتماعي أيضًا. إذ شددت حركات التحرر الوطني على الوطن والشعب وليس على الإنسان الفرد. علمونا أن نقول “نموت وتحيى فلسطين” و”بالروح وبالدم نفديك يا شهيد”. دموع وائل غنيم،  كما دموع كل شباب وشابات الثورة، كانت حزنا على الشهداء. قال وائل نحن لم نرد الموت وإنما المتمسكون بالسلطة أرادوا موتنا. نحن إذًا أمام رؤية ثورية جديدة.

لم تكتب هذه المجموعات أدبيات ثورية ولم تتبنَ إيديولوجيات شمولية. لكنها حملت مشروعا وطنيا ديمقراطيا، ملتحما بالمشروع النسوي، مشروعا لا يخجل من بكاء الرجال بل يجعل البكاء حبًا بحياة الإنسان بطولة. فرح غنيم بتصاعد الثورة واقتراب سقوط مبارك لم يجعله يرى الموت رخيصا وإن  كان من أجل استعادة الوطن أو من اجل إحقاق العدالة.

قضيتنا لا تتجزأ، وإنني إذ أحيي في يوم المرأة ثائرات مصر وتونس واليمن والبحرين وليبيا  فإنني أحيي ثائريها الديمقراطيين، الذين بثورتهم على الدكتاتورية والفساد ثاروا أيضًا على القيم القمعية ضد النساء. لم يكن صدفة أن أكدت الكثير من القائدات النسويات المصريات، انه خلال أيام كثيرة من وقوف الملايين من الشباب والشابات والنساء والرجال في ميدان التحرير، لم يُسجّل اعتداء جنسي واحد، بينما شهدت نفس الميادين مئات من التحرشات الجنسية في المناسبات العامة الأخرى كالأعياد، إذ جاء الثوار والثائرات بمقولات وسلوكيات جديدة تحترم إنسانية المرأة، ومكانتها وجسدها وتحترم التواجد المشترك للنساء والرجال في الحيز العام. كما لم تشهد كل ميادين الثورة المصرية سلوكا طائفيا واحدا بعد فترة كانت الفتنة الطائفية تهدّد بانفجارها. هذا لا يعني أنّ المعتدين جنسيا غير موجودين، ولا يعني أنّ الطائفيين انقرضوا، ولكنه بالضرورة يعني أنهم أصبحوا الاستثناء الذي يخجل من نفسه، ويعاقَب اجتماعيا من الناس قبل أن يعاقبه القانون.

أحيي كل الثائرين والثائرات واشكرهم على ما قدموه لنا العرب، النساء والحركات الديمقراطية في العالم.


المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>