مسرحية عنترية عن اللغة العربية!

اختيار سمير خوري لطاقم الممثلين كان بمثابة ضربة معلم أخرى له ■ قدم لنا نبيل وجبة مسرحية دسمة، وأدخل المشاهِد في نقاش حول اللغة بقصة مبتكرة ■ منذ زمن بعيد لم أستمتع بهذا القدر برؤية أقنعة تكاد تتكلم وتعبر عن داخلها إلى هذا القدر من الدقة

مسرحية عنترية عن اللغة العربية!

|أسامة مصري|

قدم مسرح “جبينة” في حيفا، يوم الثلاثاء المنصرم، عمله المسرحي الجديد بعنوان “علقة عنترية بين الفصحى والعامية”. هو عنوان طويل نوعا ما، لكنني حاولت أن أخترع عنوانًا آخر يلائم هذا العمل- فلم أجد أفضل من هذا العنوان.

في البرولوج المسرحي، أي المدخل الأولي الذي قدمه الممثلون في هذا العمل، لم آخذ انطباعًا بأنني سأفاجأ وأنبهر كما سأحدثكم لاحقا، فقد جاءت المقدمة ضعيفة جدًا قياسا للروعة التي احتلت جميع العناصر المتبقية، وأنصح القيمين على العمل بأن يعيدوا التفكير بهذا البرولوج، حتى يكتمل العمل ويستوفي جميع واجباته الفنية.

صاحب فكرة هذا العمل هو المسرحي سمير خوري، مدير المسرح، والذي له باع طويل في الفن المسرحي، وكعادته يجيد الاختيار في تركيبة عمل مسرحي ناجح، بداية باختيار الكاتب والمخرج المسرحي نبيل عازر، الذي قدم أحد أعماله الطريفة والتي أصبحت تتكرر بعد عمله “حكي قرايا وحكي سرايا”، ثم “نافخ البوق”، اللتين أعدّهما وأخرجهما، وكانا بمثابة درس في الكوميديا المحلية والفلكلورية، وها هو يقدم “العلقة العنترية” فيغوص في اللغة وقصص عنترة والتاريخ الغابر، لا ليدافع عن اللغة كلغة، بل ليدافع عن الهوية التي تكمن وراء اللغة والكرامة وعزة النفس- وكل هذا في قالب كوميدي راق خال من الفذلكة والإقحام الرخيص.

لقد قدم لنا نبيل وجبة مسرحية دسمة، وأدخل المشاهِد في نقاش حول اللغة بقصة مبتكرة، هي ليست جديدة على عالم المسرح والسينما أيضًا؛ فقد قام بعض المبدعين السابقين باستحضار شخصيات من التاريخ إلى العصر الحديث مثل الماغوط في مسرحية “المهرج”، و”رسالة إلى الوالي” لعادل إمام وسلسلة أفلام “سيارة الزمن” وغيرهم الكثيرون، وليس عيبًا أن يستعمل المبدع طرقًا قام بها آخرون من قبل، على شرط أن يكون للعمل الجديد خاصيته وفكرته الجديدة، وهذا ما حصل مع “العلقة العنترية”. فهنيئا لك يا نبيل على عملك الجديد وهنيئا لمسرح “جبينة” بك.

اختيار سمير خوري لطاقم الممثلين كان بمثابة ضربة معلم أخرى له؛ فمحمود مرة -الذي قام بدور عنترة وأدوار عديدة أخرى- كان كأنه رسم لدور عنترة ولا أتصوّر ممثلاً آخر يلائم هذا الدور من حيث الشكل -على الأقل- يستطيع أن يعطينا الصورة الأقرب لعنترة كما نتصوّره في مخيلتنا، هذا بالإضافة إلى أدائه الرائع لعنترة وباقي الأدوار.

أما الممثل وسيم خير فهو الآخر يلائم شكل شيبوب، شقيق عنترة المتخيل في رؤوسنا، رغم بياض بشرته، إلا أنّ الروح الكوميدية التي يتحلى بها وسيم جعلته الأكثر ملاءَمة للدور، وقد استحق التصفيق الحارّ الذي أخذه من الجمهور عدة مرات خلال المسرحية، بأدائه للعديد من الأدوار الأخرى بجدارة متناهية.

كانت الممثلة يسرى بركات بالنسبة لي اكتشافًا، والبيضة الذهبية التي وُلدت من هذا العمل. فأنا لم أشاهد أعمالها السابقة، لكنني لو كنت مديرًا للمسرح لأخذتها من دون تردد، وهذا ما فعله سمير خوري، وقد كانت على قدر المسؤولية بحرفية منتهية النظير، وقدمت لنا العديد من الأدوار المتنوعة والمختلفة، من دون أن تشعر بأنها نفس الشخص، إلى جانب دورها الرئيسي (عبلة)، وهي بذلك تضع قدمها بثبات على خشبة المسرح.

بالنسبة للأقنعة والملابس، فانا لا أعرف تحديدًا من الذي قام بذلك، لكنه حتما مبدع حتى أخمص قدميه، فمنذ زمن بعيد لم أستمتع بهذا القدر برؤية أقنعة تكاد تتكلم وتعبر عن داخلها إلى هذا القدر من الدقة، وعلمت بأنّ المصممة قامت بتصميم الأقنعة والملابس بعد بحث أجرته مع المخرج عن عصر ما قبل الإسلام الذي عاش فيه عنترة وعبلة.

يبقى الديكور وهو أضعف العناصر لفقره، إلا أنه خدم المسرحية وكانت الغلبة لباقي العناصر، بحيث لم يهتم الجمهور لضعفه إلى جانب قوة المسرحية التي غطت على جميع النقاط الضعيفة.


المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

1 تعقيب

  1. المسرحية كتير كبيرة لكنها جميلة جداجدا

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>