سبق تاريخي: نحو ربع ساعة في الإعلام العبري للعرب بفضل “مايوه”/ عرين هواري

  .. |عرين هواري| خسارة كبرى أن المجتمع العربي وقضاياه […]

سبق تاريخي: نحو ربع ساعة في الإعلام العبري للعرب بفضل “مايوه”/ عرين هواري

 

مقطع من التقرير في القناة العاشرة

..

|عرين هواري|

عرين هواري

خسارة كبرى أن المجتمع العربي وقضاياه ليست “مايوه” (لباس بحر) تلبسه فتاة شابة؛ فلو كان كذلك لحظي بمكانة مرموقة في الإعلام الإسرائيلي، ولتعاملت معه القناة العاشرة باحترام وتقدير، ولخصصت له تلك القناة تقريرًا من 12:30 دقيقة، من أثمن أوقات مشاهدها اليهودي.

قلّما يحظى “الوسط العربي” (التسمية التي تطلقها المؤسسة الإسرائيلية وأبواقها الإعلامية) بتقارير تعنى بقضاياه؛ فالتغطية المستمرة للاحتجاجات الاسرائيلية ضد ارتفاع اسعار السكن والضرائب وايجار البيوت، لا تشمل  القرى والمدن العربية التي نصبت خيامها قبل سنوات من خيام روتشيلد. فلا هدم بيوتها يستحق التقارير، ولا فقرها أو بؤس بناها التحتية، ولا هدم العراقيب ودهمش، ولا استشراس العنف في أحيائها يحظى بمكانة عند الاعلام الاسرائيلي. بينما يحظى المجتمع العربي باهتمام اعلامي به (أ و بالاحرى بها) إذا كان الموضوع “جذابا”. فإذا  مست ابنة هذا المجتمع التابوهات المجتمعية، أو ما يعتقد المشاهد العبري أنها تابوهات، وداعبت رغبة المشاهد الاسرائيلي بالتلصص على قضايا المجتمع العربي و”أسراره”، فإنه يعدّ لها تقريرًا.

فما أكثر ما يتصل الإعلام العبري بنا -الناشطات النسويات- لا لنتحدث عن بطالة النساء، ولا عن تدني أجورهن ولا عن هدم بيوتهن، وإنما لنتحدث عن “مجتمعنا الظالم”، وعن “السلفيين الذين يقمعوننا”، ولنتحدث عن رأينا بالحجاب والنقاب، أو بمجتمعنا الذي لا يحترم حقوق النساء المثليّات. فإذا كنتِ مثلية الجنس تستحقين تقريرًا، واذا كنت ناشطة نسوية قد تدعين لمناقشة قمع المجتمع لتلك المرأة، وان رغبت بخلع الحجاب وتلقيت معارضة تستحقين تقريرًا، وإن قررت لبس المايوه تستحقين تقريرًا.

من يستمع للصحفي في القناة العاشرة وهو يقدّم للتقرير، يعتقد أنّ ظاهرة عمل الفتيات في عرض الازياء ظاهرة جديدة وتكسر القيود المجتمعية، مسميا اياها “فتح طريق”. ففي تقديمه للتقرير يقول انه يبدأ معقداً لكنه سوف يعتدل، ليطمئن المشاهد بأن التقرير سيكون ممتعا. الحدث الأول الذي يشير إلى أنه معقد هو حدث مقتل امراة عربية، أختها عارضة ازياء. مقتل المراة لا يحظى بأي تعامل أو اهتمام، فهو يذكر فقط ليكون مقدمة دراماتيكية للحديث عن المجتمع العربي ولتقرير مُسلٍّ. فقتل النساء عند العرب موضوع مثير ولكن ليس لفضح قضية تهاون الشرطة أو انتشار الأسلحة، أو حتى المشاكل الاجتماعية، وإنما فقط ليكون افتتاحية للتقرير الذي يصبّ جلّ اهتمامه في لبس احدى العارضات مايوه بكيني. فالتقرير يعلن انه يتحدث عن “فتح طريق والذهاب حتى النهاية تقريباً” من أجل الشهرة وعن “ظاهرة جديدة لعارضات أزياء”، ولكن من يعرف المجتمع العربي يعرف ان المهنة ليست بجديدة، لا هي ولا مسابقات ملكات الجمال. فليست مسابقة ملكات الجمال بجديدة، لا على العرب ولا على “الوسط العربي”، وليست مهنة عرض الازياء بمهنة جديدة. ولكن ما يحاول الاعلام الاسرائيلي بيعه لمشاهده اليهودي هو الذهاب تقريبا حتى النهاية، والمقصود بذلك التقاط صور لعارضة عربية بمايوه بكيني، وهو الحدث الاستثنائي الوحيد الجديد في التقرير. صور الفتاة التي تلبس المايوه، وهي واحدة فقط، تطغى على التقرير لدرجة ان الفتاة نفسها تقول   للصحفي والمصورين لماذا أنتم منشغلون بفتاة عربية تلبس مايوه (قائلة لهم “دعكم من هذا الفيلم”). أي انها لا تعتبر الأمر حدثا استثنائيا.

من المؤكد أيضاً أن هذه الفتاة وافقت على ظهورها في التقرير من دون أن تعلم أن جلّ التقرير سيتمركز في لبسها للمايوه. وطبعا لا ينسى مُعدّ التقرير أن يؤكد للمشاهد اليهودي أنّ الفتاة التي تلبس المايوه ابنة لعائلة مسيحية، مقابل الباقيات اللواتي ينتمين لعائلات مسلمة ورفضن ارتداء المايوه، ليطمئن بذلك المشاهد اليهودي أنّ اللباس “العصري والغربي” ما زال حكرا على المسيحيات دون المسلمات.

قرار فتاة عارضة ازياء أن تظهر بالمايوه هو قضية لا تستحق تقريراً ولا حتى خبراً صغيراً. ولكن لا يمكنني الا أن أشير لنجاح التقرير في رفع نسبة المشاهدة  للقناة لأنه: أولا، مُسلٍّ ومُغذٍّ لغرائز رخيصة؛ لأنه يصوّر فتاة بلباس مكشوف وتظهر الصور مرات عديدة خلال التقرير؛ وهو أيضا ممتع لأنه يخدم حاجة المشاهد العبري للتلصص على المجتمع العربي من ناحية وليؤكد تفوقه على المشاهد العربي ويطمئن، وكذلك ليريحه من طرح قضايا المجتمع العربي التي “توجع الراس”. علما باننا نتحدث عن تقرير اخباري صحفي وليس عن برنامج ترفيه تجاري.

بهذه المناسبة يهمني الإشارة إلى أننا كناشطات نسويات عربيات ويهوديات نرفض هذا التشييء للمرأة والتعامل معها كسلعة تختزل مكانتها بطول رقبتها ومحيط خصرها ولون بشرتها. كما نرى كفلسطينيين بهذه البلاد أنّ من واجب الاعلام النقدي -أو حتى غير النقدي- أن يظهر الصورة الحقيقية، وهي صورة مجتمع يحاول النهوض بنفسه بالرغم من التمييز العنصري، وبالرغم من القهر القومي، وبالرغم من القوانين الفاشية التي تسنّها أكثر حكومات اسرائيل عنصرية.

كما أود الإشارة أيضاً إلى أنّ المعلومات التي ظهرت في التقرير مغلوطة، فليست ظاهرة لبس المايوه ظاهرة جديدة في الأمة العربية، كما تدعي إحدى صاحبات المجلة القائمة على عرض الازياء وعلى إحدى مسابقات ملكات الجمال. فصور نساء عربيات تظهر في عشرات المجلات العربية، ومجلة الموعد المليئة بصور كهذه لفنانات وعارضات  صدرت عام 1953، علماً بأنّ تشجيع التعرّي وطرحه كجزء من التفكير العصري هو أيضا تواطؤ بحق النساء. وهذا ما ظهر أيضا في التقرير حيث نعت الصحفي مُعدّ التقرير صاحبات الصحيفة بحاملات لاجندة ليبرالية (؟)،  أي أجندة تحمل مفاهيم الحريات الفردية. وبرأيي ما هذه الأجندة إلا ترسيخ لعبودية المرأة والمجتمع لمقاييس جمال يحكمها الطول والوزن واللون، ولا علاقة لها بالحرية. تلك عبودية ترسّخها شركات رأسمالية تستعبد من خلالها معظم نساء العالم.

الناشطات النسويات في كافة أماكنهن يرفضن هذه الأجندة التي لا تؤدّي إلا إلى تعطيل العقول وترسيخ اختزال المرأة بجسد مُغرٍ أو بمحاولات لصنع هذا الجسد.

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>