قمر يكتمل فيصير أنثى / أسمى العطاونة

خطتنا الأسبوعية بأن ننزل عند كل محطة، كل يوم جمعة، نبحث بعبث عن أقرب كنيسة، وصلنا إلى محطة نجهلها وصرنا ننقِّب بشرهٍ عن كنيسة هادئة، مظلمة، محيطة بالجوار، دخلنا الكنيسة نتخلَّص شيئاً فشيئاً من ثقل المانطوهات الشتوية، وقفنا أمام تمثال العذراء يمصُّ كلانا ريق الآخر، رحلنا منفصلَين حالمَين بجمعة أخرى!

قمر يكتمل فيصير أنثى / أسمى العطاونة

l أسمى العطاونة* l

احتجت يومها إلى مزيد من القهوة، والزبدة، والمربّى منتظرةً موعد وصولك، صفير القطار الكسول يوقظ عجوزاً من غفلته، قطة شريدة تتبختر مختالة، شاب في الثلاثين يرتدي معطفاً وينتزع قفازاً جلدياً ليسهل عليه إشعال السيجارة، أراك تطلُّ من بعيد، ينتابني شعور بضيق الوقت، أُعيد خصلي الثائرة إلى مكانها، بخفَّة دفنتُ مرآتي في عتمة الحقيبة، تتخبَّط الأفكار، تتعثر الكلمات، لتنتحر عند مطلع الشفاه، لا وقت يتبقَّى لترتيب الجُمَل.

 جسد يهوي إلى أعلى

الساعة الثانية فجراً، كان العشاء جدّياً، مملاً، وذابلاً كشموعك، في الظلمة خلعتُ حذائي وألقيته بعيداً، حرّية لذيذة تنتابني كلما فعلت ذلك، فلا إحساس أجمل من أن تلامس قدماي العارية صقيع البلاط، شعري يزعجني حين يكون الجو رطباً، أخذت بلملمته عالياً وضمّه بعيداً عن الرقبة قدر الإمكان، إيلاستك ربطة النعناع الناشف الملقى أمامي يَفي بالغرض، ضوء الحانة المتقطع يتخلل النافذة، شاشة الكمبيوتر لا تزال معلَّقة وعليَّ عاجلاً الاهتمام بالأمر، المكان هادئ، سحر المدينة لا يُرى إلا في الظلمة، كم أعشقها حين تغلق عينَيها وتغرق بأحلامها، لتدعني وشؤوني بسلام، لا أحد غيري في ذاك المكعَّب الصغير المندس خلف ظلِّها العملاق، وقفت بجسدي على حافة النافذة، الواقعة تحت السطح مباشرة، تحرَّرتُ من ملابسي جميعها، ألقيت بروحي باتجاه الهاوية، صرت أنظر إلى أعلى حيث وضعت كأس «التاكيلا» المثلَّج بجانبي، أتعقَّب قرْص الملل المدور يتلاشى، أترقَّب دون حراك ثورة الفقاعات الهاربة إلى السطح.

 شيطانات

كان ليوم الجمعة مذاقه الخاص معك، أتذكَّر تسارع نبضات قلوبنا، باتجاه الساعة المعلَّقة، الخامسة عصراً كان موعد الرحيل من العمل، تتبعه عطلة نهاية الأسبوع، تبادلنا النظرات الخبيثة، نزلنا لاهثَين من الدرج إلى الطابق السفلي، ركضنا باتجاه المترو، كلٌّ يتحضَّر لمعركة شرسة مع الآخر الهادئ نسبياً أمام تحرُّشاته، كنا قد رسمنا خطتنا الأسبوعية بأن ننزل عند كل محطة، كل يوم جمعة، نبحث بعبث عن أقرب كنيسة، وصلنا إلى محطة نجهلها وصرنا ننقِّب بشرهٍ عن كنيسة هادئة، مظلمة، محيطة بالجوار، دخلنا الكنيسة نتخلَّص شيئاً فشيئاً من ثقل المانطوهات الشتوية، وقفنا أمام تمثال العذراء يمصُّ كلانا ريق الآخر، رحلنا منفصلَين حالمَين بجمعة أخرى!

 قمر يكتمل فيصير أنثى

جسدي تستوطنه حشود من الشياطين، غنْجي كمواء القطط في ليلة يكتمل فيها القمر، لذة ارتطام لاحتكاك اللحم باللحم المنهك، عيون تتَّسع وتُبحلق في اللاشيء، تحاول ما استطاعت حبس فائضها من اللذة، رائحة الباشن فروت تختلط بملوحة جسدي، نتشاطر برتقالة، نعصرها، نُفرِّغ مُرَّها على جسدَينا، تتكوَّر قطراتها بسُرَّة نُحتت بدقة في منتصف البطن، لساني كوبرا شرهة تتلوَّى لتمنع حُبيبات عرقكَ من الهرب، جسدي الحنطي بأحمره، يتراقص كسنابل قمح حبلى لإثارتك، أُدحرجك باتجاه الهاوية لتحترق.

 *  فنانة وكاتبة فلسطينية مقيمة في مدينة “تولوز”-فرنسا. الصور الفوتوغرافية باستثناء الواجهة بعدسة أسمى العطاونة.

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

1 تعقيب

  1. القصص أكثر من رائعة
    شكرا جزيلا للكاتبة أسمى العطاونة

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>