“بابُ الشَّمس” .. نافذةُ الأمل/ هاني المصري

مبادرةُ الشباب بإقامة قرية “باب الشمس” على الأراضي المسمّاة E1، والمعرضة لبناء استيطاني؛ هي إبداع فلسطيني في تجسيد المقاومة الشعبيّة في مواجهة الاحتلال

“بابُ الشَّمس” .. نافذةُ الأمل/ هاني المصري

"باب الشمس"- تصميم: حافظ عمر

“باب الشمس”- تصميم: حافظ عمر

>

|هاني المصري|

هاني المصري

هاني المصري

بعد مظاهرات مناهضة الجدار والاستيطان في بلعين ونعلين والمعصرة والنبي صالح وغيرها من القرى الفلسطينية، وبعد حملات مقاطعة الاستيطان التي بلغت ذروتها في مظاهرة داخل سوبر ماركت رامي ليفي، “باب الشمس” هو إشارة جديدة إلى أن الوضع القائم الحالي لا يمكن أن يستمر إلى الأبد، وأن الانتفاضة الشعبيّة الجديدة قادمة عاجلًا أم آجلًا.

هناك من الإسرائيليين النافذين في الحكومة والأمن وجيش الاحتلال من اعتبر أن الانتفاضة ليست قريبةً فحسب، وإنما بدأت بدليل ازدياد المواجهات الشعبيّة اليوميّة مع الاحتلال.

وهناك منهم من يعتبر أن الانتفاضة قادمة إذا استمر الجمود فيما يسمى “عمليّة السلام”، لذلك دعا شمعون بيرز وأيهود أولمرت وشاؤول موفاز وتسيبي ليفني وغيرهم إلى استئناف المفاوضات؛ حتى لا تعزل إسرائيل دوليًّا، وقبل أن تنشب انتفاضة شاملة تنهي المزايا الهائلة التي حققتها إسرائيل من الوضع المستمر منذ فترة طويلة، بما يشهده من استمرار أوسلو والتزاماته من جانب واحد، وفي ظل استمرار الانقسام “الدجاجة التي تبيض ذهبًا لإسرائيل”، وستعمل كل ما تستطيعه لاستمراره وتعميقه.

أهميّة إقامة قرية “باب الشمس”، مثله مثل كل المبادرات لمقاومة الاحتلال التي نفذها الشعب الفلسطيني في السنوات الأخيرة، في كل المواقع ضد الاحتلال والاستيطان والحصار، تدل على أن هناك ما يمكن عمله، فإذا كانت هناك إرادة سيكون هناك طريق. والشعب الفلسطيني منذ بدء صراعه مع الحركة الصهيونيّة العالميّة مع أول غزوة استيطانيّة استعماريّة على أرض فلسطين وحتى الآن فجر انتفاضة أو ثورة كل 10 – 15 سنة، ما يدل على جذوره العميقة في الأرض، وعلى ترابطه وتصميمه على تثبيت حقه في الوجود، وإصراره على الكفاح لدحر الاحتلال مهما طال الوقت وغَلَت التضحيات.

إن السؤال الذي ستُسَرِّع الإجابة عنه اندلاع انتفاضة جديدة هو: لماذا لا ينتصر الفلسطيني بالرغم من كل بطولاته وتضحياته وثوراته وانتفاضاته؟ فإذا شعر الشعب الفلسطيني أن الفرصة مواتية للانتصار هذه المرة سيفجر انتفاضة أو ثورة أعمق وأعظم من الانتفاضات والثورات السابقة.

فما يمنع انطلاق انتفاضة إضافة إلى ما سبق، هو أن الانقسام يستنزف طاقات الشعب الفلسطيني وإمكاناته وإبداعاته، وأن السلطة مقيّدة بالتزامات أوسلو، خصوصًا الأمنيّة، وتخشى من الانتفاضة الشعبية ومن تحولها إلى انتفاضة مسلحة، وبالتالي تعمل على منعها وإبقاء المقاومة الشعبيّة في نطاق محدود رمزي، أي مسيطر عليها تمامًا.

على الفلسطينيين أن يفكروا مليًا كيف يفجرون انتفاضة قادرة على الانتصار. انتفاضة لها ديمومة وقيادة وطنيّة موحدة، قادرة على الاستمرار طويلًا، يستطيع فيها الشعب الفلسطيني توفير متطلبات العيش في الحد الأدنى. انتفاضة ترتكز على المقاومة الشعبيّة السلميّة أساسًا، وتحتفظ بالحق الشرعي الفلسطيني بمقاومة الاحتلال، ولا تدين أشكال الكفاح الأخرى، بما فيها الكفاح المسلح، الذي كان رافعةَ النهوض الوطني الفلسطيني، وهو حق مقدس وشرعي يمكن ممارسته، إذا اقتضت الضرورة، في مجال الدفاع عن النفس، وضد جنود الاحتلال، وقطعان المستوطنيين المسلحين، الذين يمارسون الاعتداءات اليوميّة ضد الأفراد والممتلكات والمزروعات والمقدسات.

لا يمكن أن تكون الانتفاضة أو الحصول على الدولة المراقبة مجرد تكتيك لتحسين فرص استئناف المفاوضات وموقف الفلسطينيين التفاوضي، مثل هذه السياسة صحيحة إذا كان الفارق بين ما تطرحه إسرائيل أو مستعدة بقبوله قريب من الحد الأدنى الذي يقبل به الفلسطينيون.

أما الحقيقة الواضحة وضوح الشمس، تفيد أن إسرائيل لا تريد تسوية مع الفلسطينيين، وإنما فرض الحل الإسرائيلي عليهم، وتستخدم المفاوضات وما سمي “عمليّة السلام” لتغطية ما تقدم به من خلق حقائق احتلاليّة واستيطانيّة تجعل التسوية أكثر وأكثر أمرًا مستحيلًا.

فالفلسطينيون بحاجة إلى مقاومة توظف أشكال النضال السياسي والكفاحي المختلفة الرامية إلى دعم صمودهم، وإفشال المخططات الإسرائيليّة، وتهدف إلى تغيير موازين القوى شيئا فشيئا، بحيث يصبح الاحتلال مكلفا لإسرائيل وليس احتلال “خمس نجوم”. عندها وعندها فقط ستجبر الحكومة الإسرائيليّة على الموافقة على تسوية أو إلى الانسحاب من جانب واحد من دون تسوية، مثلما حصل في جنوب لبنان وغزة.

ليس من المتوقع أو المرجح – في ظل الظروف التي نشأت بعد أوسلو بعد تقسيم الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى أ، وب، وج، والفصل ما بين الضفة وغزة، وتطبيق خطة فك الارتباط عن غزة- أن تندلع الانتفاضة القادمة مرة واحدة وأن تكون متواصلة وشاملة منذ اللحظة الأولى، بل قد يكون من المناسب أن تأخذ شكل الموجات والانتفاضات الصغيرة التي تشمل مواقع عديدة، وتنتقل من مواقع إلى أخرى، في نفس الوقت الذي تترسخ فيه سياسة مقاطعة إسرائيل سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا، خصوصًا مقاطعة الاستيطان عملًا وتعاملًا وتجارة، ومقاومة التطبيع الفلسطيني والعربي معها، والعمل من أجل ملاحقة إسرائيل دوليًّا لفرض العزلة والعقوبات عليها، وما يتطلبه ذلك من دخول دولة فلسطين إلى الوكالات الدوليّة التابعة للأمم المتحدة، خصوصًا محكمة الجنايات الدوليّة ومحكمة العدل العليا.

إن أهميّة مبادرة “باب الشمس” وكل المبادرات التي نشهدها مؤخرًا في مقاومة الاحتلال أنها إرهاصات لاندلاع الربيع الفلسطيني، الذي لا يتحقق في فلسطين بصعود الإسلام السياسي، مثلما حدث في المنطقة،  ولا بمهرجان فصيل، وإنما بتصعيد شامل لمقاومة الاحتلال.

فإذا لم يتحرك الشعب الفلسطيني بسرعة لإبقاء قضيته حاضرة وفاعلة، سيتم تهميشها كما حدث فعلًا حتى الآن، منذ اندلاع الربيع العربي.

فبدلًا من أن تكون الثورات العربيّة، فرصة تاريخيّة ذهبيّة لصالح القضيّة الفلسطينيّة، كما هي بالفعل، إلا أنها ساهمت في طمسها، بسبب الانقسام السياسي والجغرافي الفلسطيني وعدم بلورة إستراتيجية جديدة بديلة من الإستراتيجيات المعتمدة سابقًا. إستراتيجية قادرة على تفجير انتفاضة جديدة في مقاومة الاحتلال قادرة على الانتصار هذه المرّة.

إن المقاومة كانت دائما توحد الفلسطينيين، أما المفاوضات خصوصا التي جرت في ظل تعنت إسرائيل واختلال فادح في ميزان القوى فإنها تفرقهم.

وهناك دلائل على أن المقاومة توحد، منها ما سجله التاريخ البعيد، ومنها ما تجسد في السنوات الأخيرة، حين كانت الوحدة الميدانيّة للقوى والشعب في مواجهة الاحتلال في انتفاضة الأقصى البداية لمسيرة توحيد القوى الفلسطينيّة التي بدأت منذ إعلان آذار في العام 2005، واستمرت منذ اشتراك “حماس” في الانتخابات المحليّة والتشريعيّة، إلى “وثيقة الأسرى”، و”اتفاق مكة”، وانتهاء بـ”اتفاق القاهرة”؛ التي لم تستكمل  حتى الآن.

كما أن الوحدة الميدانيّة التي تجسدت مؤخرًا في مواجهة العدوان العسكري الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، دليل وشاهد جديد يثبت أن المقاومة توحد والمفاوضات تفرق.

إن المقاومة هي طريق الخلاص شرط أن تكون مقاومةً خاضعةً للسياسة والمصلحة الوطنيّة، وجزءًا من إستراتيجيّة شاملة ومرجعيّة واحدة، وتُوّظف كإستراتيجية ضد الاحتلال، وليس لإظهار فاعليّة هذا الفصيل أو ذاك ولا جدارته لوحده بتمثيل وقيادة الفلسطينيين.

أهميّة مبادرة “باب الشمس” أن تكون نقطة تحول تتبعها مبادرات لا تنتهي، مثل العودة إلى القرية وبناء قرى جديدة في كل منطقة معرضة للتوسع الاستيطاني الزاحف، الذي لا يمكن وقفه بالتمنيات والمناشدة وانتظار نجاح الجهود لاستئناف المفاوضات.

فالمفاوضات من دون أوراق قوة لا تستطيع فرض الحق الفلسطيني، وهي كانت خطأ فادحًا، واستئنافها الآن خطأ أفدح، فالمفاوضات حتى تثمر يجب أن تتسلح بأوراق قوة حتى يمكن الحصول عليها تحتاج إلى وقت وتضحية وكفاح وإرادة وتنظيم وهدف واقعي قابل للتحقيق.

وهكذا علّمنا التاريخ الفلسطيني وتاريخ الشعوب والبلدان التي ناضلت ضد الاحتلال والاستعمارات، وانتصرت وتمتعت بالحريّة والاستقلال والكرامة الوطنيّة.

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>