حوارية في “عالم بلا خرائط”/ د. عبد الله البياري

حوارية في “عالم بلا خرائط”/ د. عبد الله البياري

والنص هاهنا محاولة للحفر عميقًا في الصفحاتِ القليلةِ الكثيفة من الحوار بين الشخصيات من ناحية وَبين المتلقي والروائيَّين مِن ناحية أخرى، لِتفكيك طَبقات المعنى وأنساق السرد وأطرافه وأماكنه.

3alam-bl-khra2e6-1

| د. عبد الله البياري |

في الفصل السابع والعشرون من رواية “عالم بلا خرائط” للروائييَّن عبدالرحمن منيف وجبرا إبراهيم جبرا، وفي سبعة عشر صفحة تحديدًا، تقع الحوارّية بين علّاء نجيب، الشخصية الرئيسية في العمل، وهو كاتبٌ وروائي، وشخصيّته المتخيلة في روايته “شجرة النار”، وهي شخصية لا تقل أهمية في نظرنا عن علاء نفسه (إن لم تتفوق عليه!)، ألّا وهي شخصيّة رياض البرهان.

 والنص هاهنا محاولة للحفر عميقًا في الصفحاتِ القليلةِ الكثيفة من الحوار بين الشخصيات من ناحية وَبين المتلقي والروائيَّين مِن ناحية أخرى، لِتفكيك طَبقات المعنى وأنساق السرد وأطرافه وأماكنه.

البؤرة:

الحوار بين الإثنين، هو حِوار مُركب بامتياز، ويمكن القول أنه تَجسيد لما أسماه جِيرار جِينيت بالـ”تبئير/Focalization” ، والذي طَرحه كبديل لعديد المُصطلحات السردية  مثل “المنظور”، و”الرؤية”، و”الحقل”، ومعناه أن الوقائع وحتى الشخصيات لا تُقدم في السرد للمتلقي في “ذواتها”، وبصورة مُباشرة، بل من منظور شخصيةٍ معينة أو أكثر. وهو مايجعل الشخصية البؤرية، أو الحدث البؤري حيثُ يمر كل شيء من خلاله، لَيس ذاتًا مفردة فحسب، بَل هو ذات جمعية، تَتقاطع مع المتلقي ذاتًا، ومكانًا، وزمانًا، وَتعمل على تبئِير علاقته بالتأمل والتفكيك والأليغوريا والتأويل، بِكل شيء تحت السماء وفوقها، مِن خلالها.

لا يَخفى على القاريء أن كلا الشخصيتين (علاء، ورياض)، متخيلَّتين، وبالتالي فإدراك المُتلقي وَقرائته لَهما تَتدرج في الخيال، وكأنه بِذلك جُزء من إدراك علاء لرياض من ناحية، وجزء من إدراك منيف وجبرا لعلاء وغيره من الشخصيات المتخيلة، بجانب رياض أيضًا، وحتى “رهام” (الشخصية الثانية بجانب رياض، في رواية “شجرة النار” لعلاء)، وموضعها في تلك العلاقة المتشابكة، وبالتالي فالحوار بين علاء ورياض، لابد وقد كان حوارًا بين علاء وجبرا ومنيف، وهو إمتداد لحوار متخيل بين المتلقي وتلك الشخصيات جميعًا، وهو ما يفتح النص على تعددين إثنين:

أولًا – تعدد المعنى.

ثانيًا -  تعدد طبقات المعنى الواحد.

ويستمر انفتاح النص/الحوارية هاهنا لدرجة توريط المتلقي (بالمعنى الجيد)، ليس فقط مع الكاتب، بل مع الشخوص ذواتهم على درجة مختلفة من “التخيلية”، ففي الحوارية تلك يغدو التخيل على درجة عالية من التوتر بين حدوده : (علاء ورياض)، نافيًا الإختلاف بينهما لدرجة شديدة من التماهي (فعلاء ورياض متخيلين بنهاية الأمر)، ومؤكدًا على الاختلاف أيضًا، وهو ما يتبدى واضحًا في تلك الحوارية، وبالذات في دفع المتلقي باعتباره مشاركًا فاعلًا في عملية التأويل رؤية الأمور من منظور علاء ورياض، لأن حوارهما يقع ضمن عملية تبئير للسرد.

وإن كان بعض النقاد يرون في إنفتاح النص يقلل بالضرورة من هيمنة الكاتب/الروائي، إلا أننا يمكننا وبسهولة تتبع صراع القوى بين علاء ورياض، الأول بصفته الكاتب/الروائي، والثاني بصفته الشخصية الروائية، وهو مايجعل لذلك الحوار ثقله، وبالذات إذا عدنا لفكرة أن كلاهما شخصيات روائية، نجد أنهما إنما ينتفضان على رؤية وقمع وسلطة جبرا ومنيف معًا.

كما أن ذلك الحوار يفتح بابًا لتساؤل مشروع، ومؤثر على حياة علاء ورياض معًا، ألم يمر جبرا ومنيف بهذا الحوار والنقاش مع علاء، ونجوى؟ ألا نرى تماهيًا، بدرجة أو بأخرى بين نجوى ورهام، نعلم أن اختلافًا بينًا ونقيضًا يتبدى بين علاء ورياض، ولكن ألا يجعل ذلك الحوار من افتراض أن منيف وجبرا كانا أكثر قمعًا لعلاء من قمعه هو لرياض؟ مايفتح الباب إلى تعاطف مستبطن يستغله رياض بذكاء ضد علاء وجبرا ومنيف معًا؟ من منا مر بهذه البؤرة الحوارية دون أن يتخذ موقفًا ما (سلبًا أو إيجابًا) من رياض، وهو ما يجعل التساؤل عن موقف رياض ورهام من حوارات جبرا ومنيف بشأن “عالم بلا خرائط”، مشروعًا، بل وملقيًا بظله الرخو على الحوارية والرواية معًا.

**********

قتل الأنثى:

 لا عجب أن يقوم السرد كله في الرواية عمومًا، وفي الحوار بين أيدينا تحديدًا عن موضعة الأنثى في الصمت، وموشومة تبارسيم الذكر لها، في الرواية ككل تنتهي بالقتل، إذ تقوم الرواية كلها على مقتل نجوى، وفي الحوار بين علاء ورياض، تقوم البؤرة على إخراس رهام، وقراءة أثرها بعين ولغة وتأويل ذكوري.

من هذا النزوع الفحولي لم ينج علاء ولا أدهم ولا جبرا ولا منيف، وإن بات تورطهم بدرجات أقل، ولعل أقلهم فحولة في نظرته للأنثى كان رياض، وهو مافسر موقفه من رهام بأنه لم يستطع كشغف علاء بالسيطرة على الأنثى / نجوى أن يواجهها بأدواته، إذ يقول لعلاء في حواريتهما:

   “وضعتني أمام رهام، وأردت أن أواجهها كحكيم فيلسوف؟ أنت تذكرني بأحد أقوالك : “إنهم يأتون إلي بأعبائهم”.
أيمكن إعتبار هذا المنطق هو إستراتيجية مواجهة علاء لنجوى؟ ولهذا كانت مقاربتها له بالرسائل تستثير فيه فلسفته الفحولية الهوى، وتستثيره شخصيًا؟ ثم باتت تلك الفلسفة “عبئًا” عليه، فرمى بها على ظهر رياض، فرفضها الأخير.

الفلسفة والحكمة في نظر علاء، هي وسيلة لـ”مقاومة” الأنثى، هكذا يجيب على تساؤل رياض، إذ يقول: “ماذا تتصورني أمام الغواية؟” علاء: “مقاومًا – من نوع ما”.

علاء بصفته صاحب السلطة، سلطة الخلق و التحكم كإله (سنأتي تلك النقطة لاحقًا) بالشخصيات واللغة، يجعل “رهام تكتب صفحة من كلام خليط” بحسب ماقال رياض، ثم يكمل : “.. تضعها على المنضدة أمامي لأقرأها، وشعرها الأسود مرخى على كتفيها، قائلة: “هذه صفحة من قصة أكتبها. ما رأيك فيها؟”، وتقف إلى جانبي، وأكاد أسمع تكتكة الساعة في القنبلة الموقوتة..”.

روعة رهام في نظر علاء، ليست لأن لها القدرة على كتابة رواية، فالفلسفة والحكمة سلاحه هو في مواجهتها، والذي منحه لرياض قبل أن يتخلى الأخير عن عبء علاء ذاك. علاء يمثل إمتدادًا بنفس روائيٍ لمقولة الفرزدق الشهيرة “إذا صاحت الدجاجة صياح الديك، فإذبحوها!”، إذ قالها في إمرأةٍ قالت شعرًا. وبالتالي كان لعلاء أن يقول وهو الذكر المسيطر /المانح المانع/ الفيلسوف/ الروائي أن يقول عن رهام بأنها إمرأة “رائعة”، لأنه هو خالقها وليس لشيء آخر ميزها، فينسب روعتها إلى ذاته، مهاجمًا علاء: “إنك لا تقل سوءً وجهلًا عن بعض النقاد الذين يتناولون أروع شخصية خلقتها بكلام غبي وبذيء” في النهاية “روعة” رهام لا لذاتها بقدر ماهي للروائي الخالق الذكر، وبالتالي فالحاجة لمنع سلاح الفلسفة والحكمة عنها و”مقاومتها” غدت ضرورة لكي لا تنهار منظومة السلطة الذكورية، متمثلة في علاء.

هنا تتجسد مواجهة علاء لرهام/الأنثى، فهو يريد أن يواجه بالفلسفة أنثى تتفلسف، وحين إنسحب من تلك المواجهة رياض، مدعيًا أن عبء المواجهة ذلك ليس عبئه هو، بات عبئًا على علاء نفسه، فهو –رياض- لم يتمكن من “إبطال مفعول جهاز التوقيت”، وبالتالي فقد أفسد على علاء “فصلًا كاملًا”.

********************

جندرية الآلهة بين المدينة و الأمومة:

بين كل هذا الشد الجنوسي سلطويًا، يأتي دور الجندر في نموذج الآلهة الذي طرحه رياض، والذي لا يستطيع علاء تقبله والتعامل معه، وهو المقيد بعنجهية الإله/الكاتب/الروائي، إذ يقول رياض، متحدثًا عن الأساطير الهندوكية:

“نجد فيها الرجل في مقدوره أن يتحول إلى إمرأة”

- “ولكن الرجل الذي يصبح إمرأة لا يستطيع أن يعاشر إمرأة”

- “هناك ماهو أهم. إنه يكتسب قوة من نوع آخر”.

-  وماعلاقة هذا كله بك، وبي، و..”.

-  “لا تقطع تسلسل أفكاري، أطال الله عمرك. هذه التحولات يقصد بها عادة مجابهة الأخطار الخارقة: مجابهة المردة، و الشياطين، وأرواح الشر التي تتمثل ذكورًا وإناثًا-”.

ولكن لأن سلطة الكاتب/الخالق/الإله/الروائي، وباعتبار السلطة منظومة أنوية (من “الأنا”) متمركزة ذاتيًا، كان نزوع سلطة علاء كروائي ذكوريًا، يعميه عن أهمية إتحاد رياض برهام لمجابهة المردة و المخاطر العظيمة، إذ يسأل رياض عن سبب استحضار هذا النقاش –من طرف رياض- وهل حوَّل رجل لإمرأة؟ فيجيبه رياض: “ياليتك فعلت ذلك! لإستطعت إذن أن تجد طريقًا لقتل الشيطان الأكبر الذي يبدو أنه يملأ الجو من صفحاتك بدخانه الشرير”. يعلق بذهن المتلقي هاهنا من أين أتى هذا الشيطان، مالم يكن حاضرًا قبلًا في عقل الروائي/الخالق/الكاتب/الإله، وهو علاء، وبالتالي فالحل لإشكاليات علاء (ومن وراءه كمنيف وجبرا إتجاه السرد المتخيل) وبدرجة أقل كان رياض، الوجودية، كان يتمثل في نجوى ورهام على التوالي.

أولى التمثلات الوجودية لتلك الإشكالية مثلتها عمورية/المدينة، التي تلقي بظلها الرخو على كامل السرد، وتعتبر نقطة تبئير مكثف له. فهي تشكل حياة سكانها على إختلافهم، فنجد بداية من جد علاء الغائب إلا أثرًا، ومرورًا بحسام الرعد الذي تعد علاقته بعمورية علاقة موزاية لعلاقة باقي الشخوص بها، وصولًا إلى علاء نفسه وحتى رياض، قد تأثر بها وتأثر –بدرجة اقل به-، كلٌ له سرد خاص به/ا مع عمورية، فهي بؤرة سردية كثيفة.

هنا لابد لنا أن نستعيد المقدمة الخاصة بالرواية والمطبوعة على ظهرها بشأن عمورية، ودورها في إختيار عنوان الرواية: “عالم بلا خرائط”، فوجود الخرائط يعني على الأقل إمتلاك المكان، وعمورية بلا خرائط، حتى المتلقي/القاريء لابد له في مرحلة ما أن يبحث عن عمورية في الخرائط، ماإذا كانت حقيقة أم لا، بغض النظر عن وضوح وجلاء عنوان الرواية.

يعلن رياض بوضوح رفضه أن يأتي به علاء ولو ضيف شرف أو عابر سبيل، في رواية مقبلة تحدث في مدينة مثل عمورية “تجتاحها النيران، فيها المقدسات تستباح، كل يوم” و”الفجور يملأ حياة الصفوة من الناس” وكما وصفها علاء ذاته، مضيفًا لما قاله رياض: “حمى هوجاء سادت المدينة، وكل شيء جريمة: النبل، الشرف، الجاه، المال، قبول المناصب أو رفضها – كلها جريمة. أما الفضيلة فهي الطريق المؤكدة إلى الدمار”، ولا عجب إذن أن حالة الإتحاد/الحب التي تحدث بين ذكر/علاء وأنثى/نجوى تحدث خارج عمورية ، في عين فجار، ولابد حتى لنجوى أن تبدأ لحظة وجودها السردي من عين فجار، وليس من عمورية، مايمنحها منظورًا خاصًا لعمورية وعلاء وأدهم وحسام الرعد، وغير ذلك، هنا عمورية نقطة تبئير مكثفة بالنسبة لنجوى ولكن بشكل معاكس.

عمورية هي الرحم الذي حوى كلًا من علاء ورياض، ويأبى رياض أن يستمر الحبل السري بينهما فيها، وهي تمر بهما بىلام مخاض لا تنتهي، وتستمر الرواية وتنتهي دون ولادة لعمورية جديدة، ولعلاء جديد ولرياض حر، وإلا “فأي مستقبل ينتظر هذا الوليد الضائع في مدينة كل شيء فيها جريمة، كروما؟”

مامعنى أن يرد رياض رؤيته لعلاقة الآلهة الهندوكية الجندرية، إلى نموذج أمومي وماله من ولادة؟

أوليست تلك محاولة إنتحارية لتحرير المنظومة الجندرية في الألوهة والرحم والمكان من سلطة الذكر وسطوته؟ وإلا فعلاء يرفض أن يأتي في علاقة روائية أخرى مع علاء. أيًا كانت المدينة والانثى.

  عمورية هي زنزانة، لأن ذكرين إثنين إتحدا في رحمها، علاء ورياض، وليس ذكر وأنثى كما هي القصة الأسطورية الهندوكية التي تؤسس لحالة من مجابهة المردة و الشياطين والشرور التي تعصف بعمورية، فقط باتحاد الذكر و الأنثى، حصرًا، لذا باتت عمورية زنزانة، إلا أن ثورة رياض وهو المخلوق على سلطة علاء وهو الخالق ، تمكنه من الخروج من الزنازانة ورفضها، على عكس قيد علاء المؤله.

************************

مابعد الحداثة وأبو حيان التوحيدي:

 ثمة عبقرية ما في مقولة أبو حيان التوحيدي التي استشهد بها رياض في معرض حواره مع علاء، إذ تقول : “لا تفصح عما تكون الكناية عنه أستر للعيب، وأنفى للريب: فإن الكلام صلف تيّاه لا يستجيب لكل إنسان، ولا يصحب كل لسان… ومادته من العقل، والعقل سريع التحول خفي الخداع. وطريقه على الوهم، والوهم شديد السيلان، ومجراه على اللسان، واللسان كثير الطغيان..”

لابد أن تدفعنا تلك المقولة لتأمل ما للسرديات الكبرى من إنهيارات متعابقة أمام سؤال الحداثة و العقل، منها للمثال مادفع إلى إنهيار سردية الوجود/الخلق في امتحان العلم، والكنيسة في إمتحان الدولة، وأخيرا الله في امتحان إبليس، الذي كانت له سردية مغايرة للطرد و النفي و الحنين للعودة.

هذا النَفس الذي ينزع إلى كسر صلابة السرد وسلطته المركزية من خلال رياض كبؤرة مغايرة ومضادة، ننظر من خلالها إلى سلطة علاء ككاتب/كخالق/كإله/كروائي، وكيف له –رياض- أن ينسف سلطة الروائي ويثور عليه و ينتفض، لدرجة أن يهدده علاء بالقول: “يبدو أننا لن نفترق صديقين”، ليجيبه رياض: “بما أن شخصية اسمها رياض البرهان تحيا في كتبك، فأنت إذن ستُعرف بها. سيقولون أنك الرجل الذي حلم بي.”

من يُعرف بمن، الخالق بالمخلوق أم العكس؟

عدم قبول علاء بالتحولات الجنسية والجندرية التي طرحها رياض، هو نزوع لحماية سلطة الذكر/الإله، وبالتالي فخروج رياض عن نص علاء، هو خروج العبد/المخلوق عن سلطة السيد/الخالق، وسرديته هو لوجودهما، وبقدر ما تندفع بنا تلك السردية، فنحن نسير بإتجاه “موت الكاتب”، تلك الظاهرة السردية التي لا تتحقق إلا في أعالي إنفتاح النص على ممكناته وطبقات معانيه، وهو مالا يريده علاء (وإن بدرجة أكبر من إرادة منيف وجبرا!). فالروائي ليكون روائيًا عليه أن يُقوَّل شخوصه مايريد، ولكن أن يخروجوا عن إرادته فذلك نقض لسرديته هو، وتصارع السرديات يغني من يقع خارجها/المتلقي.

يقول علاء لرياض مهاجمًا إياه : “انت تعني عكس ما تقول!”، هذا التهجم على رياض، يمكن أن تصيبنا ريحه في هذا الجزء من الحوارية:
علاء: “ها؟ لعلك محق هذه المرة. كنت دائمًا أتصور أن الكتابة فعل من أفعال الصحة العقلية، أو العافية الروحية –

رياض: “لك، أم للآخرين؟”

علاء: “لي وللآخرين معًا. لو لم يكن فيها شيء من هذا القبيل للآخرين، لما كتبت.
رياض: “وهم جميل…”
علاء: “أعدنا إلى الشغب؟”

رياض: “لأنني أرى أن كتابتك التي تتصور فيها عافية روحية للآخرين، تكاد تكون لديهم أحيانًا نوعًا من التخريب.”

 يذكرنا هذا القول  بجان جاك لوسركل في كتابه “عنف اللغة” بأن “هناك رابطة طبيعية تسلسلية بين القراءة والكتابة والفعل و التدمير” أي أن قراءة مكانٍ ماتستلزم تدميرًا ما، ليتم كتابته، “والتدمير المذكور هو في الوقت ذاته مصدر ألم ومصدر معافاة- إنه علاج مؤلم، كما هي اللغة نفسها، التي هي نظيرته، فاللغة أيضًا تفعل و تدمر، للأفضل وللأسوأ” وكل أدوات التورية و المجاز والوصف والإدراك اللغوية، بقدر ما تحدث في ذهن الكاتب/الروائي/الخالق، فهي تحدث أيضًا في اللغة نفسها، فالعنف اللغوي هنا، هو “عنف جسدي – عنف دمار العالم، عنف نهاية الوجود”، كما يصفه لوسركل، حيث ينشأ هذا العنف بالخلط بين ماهو “مجازي” وماهو “حرفي”(نسبة إلى الحرف في اللغة). أتراه هذا ماعناه رياض، إذ يصف تخريب علاء بالكتابة والنص؟، ألم تكن مابعد الحداثة محاولة لـ”تخريب” إدعاءات سردية العقل، الذي فشل في الإجابة عن سؤال الوجود، وقدم بتحرره حروبًا ودمارًا؟ واستعمارات و إحتلالات؟

الحوارية بين علاء ورياض، هي حوارية بين ذواتنا، عن ذكورتنا أنوثتنا، عن هزائمنا و إنتصاراتنا، عن هويتنا وذاتنا، عن هواجسنا وهواتفنا، عنّا وعن آخرنا فينا، الحوارية تعرية وحفر في آن، في ماء الروح وصخر الصلف الإنساني.
هذه السطور لا تستطيع أن تقف على الهامش متزنة في حضور نص عظيم، يصف عالمًا بلا خرائط، ولكنها تحاول، و أحاول. شكرًا للجميلين عبدالرحمن منيف وجبرا إبراهيم جبرا.

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

1 تعقيب

  1. التعليقلكل منا طريقة بمغاازلة اي نص ادبي أو مراودته او حتى المشاركة فيه في محاولة للكشف عن محتوياته وصوره المجازية ، قراءة جميلة جداً لحوار من اجمل حواريات الرواية تغري بقراءة مضاعفة. 

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>