شافيلا فارغاس، الفنانة المتمردة/ وائل قبيسي

شافيلا فارغاس، الفنانة المتمردة/ وائل قبيسي

تخصصت فارغاس في غناء “الرانشيرا المكسيكية” وهو نوع من الموسيقى التقليدية المكسيكية يعود إلى ما قبل سنوات الثورة المكسيكية كان يهيمن عليه المغنون الذكور لوقت طويل حتى اتخذته فارغاس نوعًا خاصًا بها فجردت الموسيقى من البوق والترتيبات الأخرى وجمعت بين القيثارات فرفعت أغنيتها الموسيقى إلى مستوى مختلف تمامًا.

vargas5

| قديتا – لبنان، وائل قبيسي | 

“ينعتونني جميعاً بالمرأة الباكية المتشّحة بالسواد

باكية لكنني محبّة…

أنا أشبه بالفلفل الأخضر

حادّة لكنني طيّبة المذاق…

خذيني إلى النهر أيتها المرأة الباكية

وغطّيني بشالكِ

لأنني أموت من الصقيع…”

تتناول الأغنية أسطورة شعبية في أميركا الجنوبية، عن امرأة تطارد وديان المكسيك باكية على أولادها الذين أغرقتهم في النهر في نوبة جنون بسبب رجل كانت تحبّه وقطع علاقته بها لأنه لا يرغب في عائلة، يهجرها الرجل نهائيًا بعد علمه بما فعلته، فتقتل نفسها.

بصوتها الأجشّ وتجاعيد وجهها العجوز، بعينيها الصغيرتين وشعرها الأبيض القصير، تنقل فارغاس الأسطورة بكل ما تحمله من أسى في أغنية “المرأة الباكية”. تجعلك تعابير وجهها الحزينة تحسب أنها تلك المرأة التي ضحّت بأعزّ ما تملك من أجل الحبّ. تهزّ رأسها، تومئ بيديها، يرتجف صوتها، تتوقف عن الغناء عند المقطع الموسيقي وتخفض رأسها ثم ترفعه دامعة العينين وتستأنف الغناء..

“إن كنتِ أحبّكِ أيتها المرأة الباكية

فإنّكِ تريدينني أن أحبّكِ أكثر…

إن كنت أعطيتكِ الحياة أيتها المرأة الباكية

فماذا تريدين غير ذلك؟

أتريدين المزيد؟”

 

تخفض رأسها مجددًا، تغمض عينيها، تصغي إلى الموسيقى ثم ترفع رأسها مجددًا وتصدح بالغناء، ترتفع حدّة صوتها مع حدّة كلمات الأغنية، تصرخ وتفتح يديها فيهبّ الجمهور مصفقًا فتنحني له..

*****

إنها الأيقونة اللاتينية شافيلا فارغاس صاحبة الصوت الرخيم الذي أعاد تعريف مفاهيم جمال الصوت والسلوك الناري المثير للمشاكل التي اتّخذت من المكسيك وطنًا لها وبدأت الغناء على الشوارع في سنين مراهقتها.

وُلدت شافيلا فارغاس في كوستاريكا عام 1919 ولجأت إلى المكسيك في سنّ الرابعة عشر حيث كانت صناعة الترفيه مزدهرة، غنّت في الشوارع لعدّة سنوات حتى أضحت مغنية محترفة في سنّ الثلاثين، ارتدت ملابس الرجال في صباها ودخّنت السيجار وأدمنت على شرب الكحول وحملت مسدسًا.

أصدرت ألبومها الأول “الليلة البوهيمية” عام 1961 ليليه 8 ألبومات أخرى عبر السنوات. لاقت نجاحًا منقطع النظير في الخمسينيات والستينيات حتى منتصف السبعينيات وجالت في بلدان عديدة من المكسيك إلى الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا وكانت تربطها صلة وثيقة بالعديد من الفنانين والمثقفين البارزين في تلك الحقبة أهمهم الرسامة فريدا كالو. اعتزلت الغناء جزئيًا في أواخر السبعينيات بسبب معركتها الطويلة مع الإدمان على الكحول، تلك المرحلة التي وصفتها في مذكراتها بسني الجحيم الـ 15. صرّحت عن مثليتها في سنّ الـ 81، عادت فارغاس إلى المسرح عام 1991 وأصدرت ألبومها الأخير “القمر كبير” عام 2012 تكريمًا للشاعر الإسباني فريديريكو غارسيا لوركا.

 تخصصت فارغاس في غناء “الرانشيرا المكسيكية” وهو نوع من الموسيقى التقليدية المكسيكية يعود إلى ما قبل سنوات الثورة المكسيكية  كان يهيمن عليه المغنون الذكور لوقت طويل حتى اتخذته فارغاس نوعًا خاصًا بها فجردت الموسيقى من البوق والترتيبات الأخرى وجمعت بين القيثارات فرفعت أغنيتها الموسيقى إلى مستوى مختلف تمامًا.

****

“سئمت البكاء دون أمل

لا أعرف سواء يجب أن ألعنكِ أم أصلي لكِ

أخشى أن أبحث عنكِ وأجدكِ

حيث أشار إليّ أصدقائي أنكِ ذهبتِ

تمرّ أوقات أتمنى فيها التوقف عن الكفاح

وأحرّر نفسي من البراثن التي تتسبب بألمي

لكنّ عينَيي ستنطفئان دون رؤية عينيكِ

وسيعود حبي لانتظاركِ عند الفجر

أما أنتِ فقررتِ وحدكِ الذهاب لإيجاد فتاة عابثة

أين أنتِ أيتها الحمامة السوداء؟

لا تتلاعبي بكبريائي أيتها الفتاة العابثة

يجب أن تكون عاطفتكِ لي وليس لغيري

ولا تعودي رغم حبّي الجنوني لكِ

أنتِ قضبان قفص العذاب هذا أيتها الحمامة السوداء

أريد العيش بحرية مع فتاة أختارها

ليعطني الربّ القوّة لأنني أتوق لإيجادها”

 

*****

كانت هذه الأغنية إشارة إلى مثلية فارغاس التي لم تفصح عنها حتى بلغت 81 سنة، عشقت النساء وكثرت علاقاتها ولم تنكر أنها تعرج قليلًا بسبب إلقاء نفسها من النافذة نتيجة لخيبة أمل تعرّضت لها بسبب امرأة، حيث كانت فارغاس شديدة الرومانسية في صباها بقدر الأغاني الرومنسية التي كانت تؤديها. ربطتها علاقة شهيرة بالرسامة فريدا كالو التي قالت إنها عندما رأت عينيها بدتا لها من عالم آخر وشعرت أنها يمكن أن تكنّ لها أطهر حبّ في العالم.

 قالت في مقابلة صحفية: “كان يجب أن أكافح ليتمّ احترامي، أنا فخورة بحمل هذه الوصمة ووصف نفسي بالمثلية، لا أتفاخر بها وأنشرها لكنني لا أنكرها، كان عليّ مواجهة المجتمع والكنيسة الذين يدينان المثلية وهذا أمر سخيف، كيف يمكنهم الحكم على شخص وُلد كذلك؟ لم أحضر صفوفاً عن المثلية ولم يعلّمني أحد أن أكون كذلك، لقد وُلدتُ مثلية من اللحظة التي فتحتُ فيها عينَي على هذا العالم، لم أمارس الجنس مع رجل إطلاقاً، لهذه الدرجة أنا نقية، لا شيء يدعوني إلى الخجل، لقد خلقني الربّ كذلك“.

في الخامس من آب عام 2002، أغمضت شافيلا فارغاس عينيها للمرّة الأخيرة في المستشفى لترحل عن هذا العالم في سنّ الـ 93 بسبب مشاكل في القلب والجهاز التنفّسي، وفي اليوم التالي قامت ملكة البوهيميين بزيارة أخيرة إلى ساحة غاريبالدي، حيث ودّعها جيش من محبّيها. كانت آخر كلماتها: “أرحل والمكسيك في قلبي“.

*الأغنية الأولى:

la llorona

https://www.youtube.com/watch?v=H-n3RD8YGQE

** الأغنية الثانية:

Paloma negra

https://www.youtube.com/watch?v=xvUwn7may5Q

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

1 تعقيب

  1. مقال ممتع لصفحة رائعة عن فنانة جميلة جدا

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>