الحرب الباردة الثقافيّة: وكالة CIA في عالم الفنون والآداب/ أحمد فضل شبلول

في عام 1951 أسست CIA منظمة الحرية الثقافية، وبها سيطرت على كُتاب وكتب وفعاليات ثقافية في أوروبا وغيرها… صحف، مجلات، كتب، مؤتمرات، ندوات، زيارات، معارض، حفلات موسيقية، فنون تشكيلية، أفلام، جوائز، منح علمية، درجة زمالة أدبية، سيطرة على أصحاب المواهب الشعرية…

الحرب الباردة الثقافيّة: وكالة CIA في عالم الفنون والآداب/ أحمد فضل شبلول

غلاف الكتاب الأصلي بالإنجليزية

غلاف الكتاب الأصلي بالإنجليزية

>

|أحمد فضل شبلول|

هذا كتابٌ من أخطر الكتب التي صدرت عن المخابرات المركزية الأمريكية،  CIA، ودورها في مجال الآداب والفنون على مستوى العالم بأسره، وفي أوروبا على وجه الخصوص، حيث قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتسييس الثقافة واستغلالها لإحكام قبضتها على العالم.

قامت بتأليف الكتاب الكاتبة الإنجليزية فرانسيس ستونر سوندرز، وترجمه إلى العربية المترجم القدير طلعت الشايب، وقدّمه عاصم الدسوقي، وصدر عن المشروع القومي للترجمة بالمجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة (العدد 279)، ووقع في أكثر من خمسمئة صفحة من القطع الكبير. العنوان الأصلي للكتاب هو THE CULTURAL COLD WAR وصدرت طبعته الإنجليزية الأولى عام 1999 بعنوان “من الذي دفع للزّمار؟” وصدرت الطبعة الثانية في نيويورك عام 2000.

السلاح السري

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وانتصار الحلفاء على دول المحور وخروج ألمانيا وإيطاليا ورومانيا وبلغاريا والمجر واليابان من المنافسة، لم يعد أمام الولايات المتحدة الأمريكية من منافس لالتهام أوروبا الجريحة سوى الاتحاد السوفييتي، فبدأت مسيرة الحرب الباردة، وخاصّة في المجال الثقافي أو في مجال الفنون والآداب، لانتزاع أكبر جزء من العالم لأمركته، أو لإخضاعه لها. ومن هنا فإنّ النظام العالمي الجديد الذي تحلم به الولايات المتحدة الأمريكية، بُدِئ العمل على تحقيقه بالفعل بعد أقلّ من عامين على عناق الجنود الروس والأمريكيين على ضفاف نهر ألبي، ولكن لم يلبث أن تحوّل العناق إلى زمجرة وغضب مكبوت، ولم يلبث أن سعى الأمريكان إلى الألمان ليصبحوا الأصدقاء الجّدد، ويصبح الروس هم الأعداء. ولم يكن هناك جهاز أمريكي تستطيع الولايات الأمريكية توجيهه لتحويل الغضب المكبوت إلى سيطرة حقيقية على أوروبا، سوى جهاز المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) الذي أنشئ في تموز/يوليه عام 1947 والذي كان بالفعل بمثابة وزارة ثقافة لأمريكا، والذي أسّس في عام 1951 منظمة الحرية الثقافية. فقد كان “الكونسورتيوم” السلاح السري في الصراع الأمريكي أثناء الحرب الباردة، وهو سلاح له نتائج واسعة في ميدان الثقافة، حيث كان قلة فقط من الكتَّاب والشعراء والفنانين والمؤرخين والعلماء والنقاد في أوروبا، لم تكن أسماؤهم مرتبطة على نحو أو آخر، بتلك المؤسّسة السّرية للتجسّس التي ظلت تعمل، دون أن يُكتشف أمرها، ودون منافسة، على مدى يزيد من عشرين عامًا، وظلت تدير جبهة ثقافية معقدة، مدعومة على نحو كبير باسم حرية التعبير، بغرض الاستيلاء على عقول البشر. وقد قامت تلك الجبهة بتكريس ترسانة من الأسلحة الثقافية: صحف، مجلات، كتب، مؤتمرات، ندوات، زيارات، معارض، حفلات موسيقية، فنون تشكيلية، أفلام، جوائز، منح علمية، درجة زمالة أدبية، سيطرة على أصحاب المواهب الشعرية، الخ… مع الاهتمام بشكل خاص بالكُتاب؛ فكتابٌ واحد يمكن أن يغيِّر توجهات وسلوك قارئ بشكل لا يتحقق عن طريق أيّ وسيلة أخرى، الأمر الذي يجعل الكتب أهم سلاح في إستراتيجية الدعاية بعيدة المدى.

استئجار المثقفين

من أجل ذلك جنّدت المنظمة يساريين سابقين، وهو أمر قد يبدو غير قابل للتصديق، حيث كانت هناك مصلحة مشتركة حقيقية، وكان هناك اقتناع بين الوكالة وأولئك المثقفين الذين استؤجروا لكي يخوضوا الحرب الثقافية، والذين تم وضعهم وأعمالهم مثل قطع الشطرنج في اللعبة الكبرى، حتى وإن لم يعرفوا ذلك. فبأيّ كيمياء غريبة استطاعت المخابرات المركزية أن تقدّم نفسها لمثقفين كبار باعتبارها وعاء ذهبياً لليبرالية المأمولة، وحيث يعتقد المثقفون أنهم يتصرفون بحرية، بينما هم في الواقع مكبلون بقوى لا سيطرة لهم عليها؟ وقد وجدت الكتب، وخاصة الكتب السياسية، تحفيزاً خاصاً بواسطة مؤلفين أجانب غير معروفين، إما عن طريق دعم الكاتب مباشرة، إذا توفرت إمكانيات الاتصال السري، أو بشكل غير مباشر عن طريق الوكلاء أو الناشرين. غير أنّ المسألة لم تكن مجرد شراء ذمم وإفساد كتَّاب وباحثين، وإنما كانت إرساء نظام قيم كيفيّ مصطنع، يُقدم من خلاله الأكاديميون، ويُعين مُحرّرو المجلات، ويُدعم الدارسون، وتُنشر أعمالهم، وليس بالضرورة لأنهم جديرون بذلك -كان ذلك يراعى أحيانا- وإنما بسبب ولائهم.

إنّ العمل السري في تلك الحرب الباردة، هو أيّ نشاط سري يهدف إلى التأثير على الحكومات الأجنبية أو الأحداث أو المنظمات أو الأفراد لمساعدة سياسة الولايات المتحدة الخارجية، ويتم بطريقة لا تُظهر تورّط حكومة الولايات المتحدة، باعتبار أنّ قدر أمريكا هو الاضطلاع بمسؤولية القرن بدلا من أوروبا الممزقة، سيئة السّمعة. وهذا الرأي الأخير اعتبره البعض من الأساطير المركزية للحرب الباردة.

تقوية اليسار غير الشيوعي

عملت المنظمة على تغيير بعض أحداث ونهايات روايات جورج أورويل: مزرعة الحيوانات، والإله الذي فشل، ورواية 1984 لتخدم مصالحها، وبذلك تصبح مثل هذه الروايات التي تحوّلت إلى أعمال درامية من نتاج عمل المخابرات

ويأتي كتاب الحرب الباردة الثقافية ليضع أمام القارئ قصة صعود منظمة الحرية الثقافية الأمريكية وهبوطها، وهي في الوقت نفسه قصة الهيمنة الأمريكية، وقصة الجاسوسية الأمريكية في مجال الثقافة، أو في مجال الآداب والفنون، من خلال جهود جوسلسون، العقل المدبر لحملة الدعاية الثقافية الأمريكية المضادّة للسوفييت، ومعه فريق من العمل يتكوّن من: ميلفن لاسكي وفلاديمير نابوكوف وجان كوكتو، وغيرهم، الذين أسسوا مجلة “ديرمونات” الشهرية التي كرست لبناء جسر أيديولوجيّ بين المثقفين الألمان والأمريكيين، واجتذابهم بعيدًا عن التأثير الشيوعيّ، كما عملت على كسب النخبة الثقافية الغربية لحساب الطرح الأمريكي، واستخدام الشيوعيين السابقين لمكافحة الشيوعية. وبالفعل تصبح إستراتيجية تقوية اليسار غير الشيوعي هي الأساس النظري للعمليات السياسية لوكالة المخابرات المركزية ضدّ الشيوعية على مدى العقديْن التالييْن. وتصبح عملية شراء الحرية أولا، ثم تقييدها بعد ذلك، باسم حرية التعبير، من أهم استراتيجيات العمل في الوكالة.

كتَّاب عالميون

سنفاجأ ونحن على صفحات الكتاب، بكتَّاب عالميين، كانوا أداة طيعة في يد منظمة الحرية الثقافية التي تديرها المخابرات الأمريكية -سواء أعرفوا ذلك أم لم يعرفوا- مثل: أرنست همنجواي، آرثر ميللر، إيليا تولستوي (حفيد الروائي الروسي الشهير)، روبرت لويل، أندريه مالرو، جون ديوي، كارل ياسبرز، إلبرتو مورافيا، هربرت ريد، ستيفن سبندر، أودن، نارايان (الهندي)، ألن تيت، إيتالو كالفينو، فاسكو براتوليني، فضلاً عن الفنانين تشارلي شابلن ومارلون براندو ورونالد ريجان (الذي أصبح فيما بعد رئيساً للولايات المتحدة) وغيرهم. لقد أصبح عشراتٌ من المثقفين الغربيين مرتبطين بـCIA  عن طريق حبل الذهب السري.

كما عملت المنظمة على تغيير بعض أحداث ونهايات روايات جورج أورويل: مزرعة الحيوانات، والإله الذي فشل، ورواية 1984 لتخدم مصالحها، وبذلك تصبح مثل هذه الروايات التي تحوّلت إلى أعمال درامية من نتاج عمل المخابرات. وعلى سبيل المثال قامت CIA بتمويل الفيلم الكرتوني مزرعة الحيوانات، المأخوذ عن رواية أورويل ووزّعته في أنحاء العالم. كما قامت بوضع نهايتين مختلفتين للفيلم المأخوذ عن رواية 1984 واحدة للجمهور الأمريكي، وأخرى للجمهور البريطاني.

كما عملت المنظمة على إعداد مؤتمر الحرية الثقافية الذي عُقد في ألمانيا، وتلقى كثيراً من المعونات السرية، وقد أثنى ممثل وزارة الدفاع الأمريكية على هذا المؤتمر باعتباره عملية سرية بارعة تم تنفيذها على أعلى مستوى فكري، كما أفادت التقارير بأنّ الرئيس الأمريكي ترومان كان سعيداً جداً بالمؤتمر، الذي أجبر عدداً من القيادات الثقافية البارزة للتخلي عن عزلتهم التأملية لصالح وقفة حاسمة ضدّ الشمولية. لقد كان الطرح الأساسي للحرب الباردة الثقافية التي كان يقوم بها هذا المؤتمر، هو أنّ على الكتَّاب والفنانين أن ينهمكوا في الصراع الأيديولوجي.

الجمعيات الثقافية، ومجلاتا شعر وحوار العربيتان

كما أُسّست أكثر من جمعية للحرية الثقافية في أوربا: ففي بريطانيا تكونت “الجمعية البريطانية للحرية الثقافية” عام 1951، وفي أواخر العام نفسه أُنشئ “الاتحاد الإيطالي للحرية الثقافية”، وبالإضافة إلى مجلة “ديرمونات”، كانت هناك مجلة “بريف” الثقافية التي صدرت في فرنسا في شهر أكتوبر 1951 وكانت تهدف إلى ترسيخ إجماع أطلنطي غير محايد، ومُوالٍ لأمريكا. ومجلة “إنكاونتر” التي صدرت في إنجلترا من 1953 إلى 1990 وكانت شديدة الارتباط بعالم المخابرات، وكانت تخفي دعاية أمريكية تحت قشرة خارجية من الثقافة البريطانية، لدرجة أنّ مجلة صنداي تايمز أشارت إلى إنكاونتر باعتبارها المجلة البوليسية للدول التي تحتلها أمريكا، ووصفها البعض بأنها مجلة دعاية سياسية ذات ديكور ثقافيّ. فضلا عن مجلة “تيمبو برزنت” التي صدرت في إيطاليا في شهر نيسان/أبريل 1956، ومجلة “كويست” التي صدرت في الهند في آب/أغسطس 1955، ومجلة “كوادرانت” التي صدرت في استراليا وما زالت موجودة حتى الآن. وبحلول منتصف الستينيات كانت المنظمة قد وسعت من برنامج مطبوعاتها ليشمل مناطق أخرى ذات أهمية إستراتيجية في أفريقيا والعالم العربي والصّين. وعلى سبيل المثال كان من المجلات الصادرة في الوطن العربي التي تتلقى إعانات من مؤسسات تابعة لـ CIA تحت مظلة “مجلس المجلات الأدبية”، مجلة “شعر” التي كانت منظمة الحرية الثقافية تشتري منها 1500 نسخة، ومجلة “حوار”، وهي مجلة المنظمة الصادرة باللغة العربية والتي ظهرت في تشرين الأول/أكتوبر 1962 وعلى صفحات عددها الأول مقابلة مع ت. س. إليوت.

كل هذه الجهود التي دعمتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أسكتت أصوات أعضاء الكونجرس الأمريكي، فلم يكن أحد في الكونجرس يستطيع أن يقف ليقول: “أنظر ماذا يفعلون بأموال دافعي الضرائب”. بالإضافة إلى أنّ 99% من الدعم المالي كان عن طريق إعانات ومنح بدون أية مستندات.

متحف الفن الحديث

لقد استُغلت المهرجانات والحفلات الموسيقية في أوروبا، وجُندت المحطات الإذاعية، واستُخدمت المؤسّسات الخيرية، وبعض دور النشر، واستُثمر متحف الفن الحديث في نيويورك، ودُعمت فكرة أن الفن التجريدي مرادف للديمقراطية، وبفضل التعاون مع منظمة الحرية الثقافية أصبح متحف الفنّ الحديث يستطيع الوصول إلى أرقى المؤسسات الفنية في أوروبا، بل يكون له التأثير الواسع على الذائقة الفنية هناك، فصُعقت الحركة الفنية بكاملها، حيث أصبحت مشروعاً تجارياً ضخماً. وفي ذلك يقول أحد النقاد -تعليقا على ما وصلت إليه الحركة الفنية في متحف الفن الحديث: “كان أكثر أشكال الفن حريةً، يفتقر إلى الحرية. فنانون أكثر وأكثر، أصبحوا ينتجون أكثر وأكثر، أعمالاً أكبر وأكبر، خاويةً أكثر فأكثر”.

وبمناسبة ذكر متحف الفن الحديث، يذكر المترجم طلعت الشايب في نهاية الكتاب، أن المؤلفة فرانسيس قرأت مقالاً يزعم أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية كانت وراء نجاح مدرسة نيويورك في الفن، فقضت عاما في بحث وتتبع القصة الكاملة، وأثمر البحث برنامجا تلفزيونيا ـ حيث تعمل مخرجة أفلام تسجيلية، بعنوان “الأيدي الخفية: الفن والمخابرات المركزية”، عرضته القناة الرابعة، وكان مادة أولية لكتابها الأول. وبعد ثلاث سنوات، وبعد توافر مادة أرشيفية ثرية، وبعد لقاءات عدة مع مسئولين وعملاء سابقين لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، تجمعت لديها مادة هذا الكتاب الذي بين أيدينا.

إعدام الكتب وحرقها، والموقف من سارتر ونيرودا

عن الحركة الفنية في متحف الفن الحديث: “كان أكثر أشكال الفن حريةً، يفتقر إلى الحرية. فنانون أكثر وأكثر، أصبحوا ينتجون أكثر وأكثر، أعمالاً أكبر وأكبر، خاويةً أكثر فأكثر”.

ومن ناحية أخرى أُحرقت وأُعدمت بعض الكتب (وصل عددها إلى 30 ألف كتاب)، وأزيلت على سبيل المثال جميع مؤلفات سارتر من مجموعات أفرع البيت الأمريكي (وتم تحقير سارتر ونبذه مِراراً وتكراراً على صفحات مجلتي انكاونتر وبريف، ووصفه بأنه خادم الشيوعية الذليل والانتهازي البائس الذي كرست كتاباته الإبداعية والسياسية الوهم الشيوعي). ومن ناحية أخرى وقفت المنظمة ضد ترشيح بابلو نيرودا لجائزة نوبل للآداب في عام 1964، مع أنه من المفترض أن تكون مداولات لجنة نوبل في غاية السرية، ومع ذلك انطلقت حملة تجريح وشائعات ضد نيرودا في كانون الأول/ديسمبر 1963، وكان عليه أن ينتظر حتى عام 1971 لكي يحظى بتكريم الأكاديمية السويدية، حين كان سفيراً في فرنسا لحكومة سلفادور الليندي الموالية للديمقراطية، ومع هذا قتلته المخابرات الأمريكية بعد فوزه بعامين.

الخرافة صنعت إلهًا أمريكيًا والإله قد فشل

وتمّ التخلص من كتب العديد من المؤلفين من أمثال: داشيل هاميت ومكسيم جوركي وهيرمان ميلفيل وغيرهم. لقد كانت عملية التطهير الثقافي التي تقوم بها “حملة مكارثي” والتي بدت وكأنها لن تتوقف، تقضي على مزاعم أمريكا بأنها حاملة لواء حرية التعبير. وكان معظم الكتَّاب الأحياء الذين كانت أعمالهم محظورة بتوجيهات من وزارة الخارجية الأمريكية، لهم ملفات ضخمة وغريبة. كان الجوّ يشبه ذاك الذي كان سائدًا أثناء الثورة الفرنسية عندما كانت الاتهامات والمحاكمات تؤدّي إلى المقصلة، وبينما لم تكن هناك مقصلة في واشنطن، إلا أنّ المصير كان أكثر سوءاً بتدمير عمل الفرد وتدمير حياته كلها. وهذا بلا شك يَكشف زيف فكرة أنّ أمريكا مجتمع ديمقراطي متقدم يمكن أن يستوعبَ جدلا سياسيا عقلانيا. وبذا يتضح أنّ السياسة -في أمريكا- بدأت تقرّر مصير الثقافة، وأنّ أمريكا ذات ماض متقلب، ولا شك في أنه سيكون لها مستقبل متقلب أيضًا. وعلى حدّ تعبير الكاتب البريطاني بيرجرين وورسثورن: “الخرافة صنعت إلهًا أمريكيًا، والإله قد فشل”.

ويبدو أنّ أجهزة المخابرات في الدول الأوروبية التي كانت تتعامل مع جهاز المخابرات الأمريكية، قد أحسّت بخطورة الموقف واتساع المجال الذي نقل فيه الشريك الأمريكي الحرب الباردة الثقافية، ويتضح ذلك من خلال تلك العبارة التي ردّدتها المخابرات البريطانية: “لقد تفوقت شبكة “مكتب الخدمات الإستراتيجية/ وكالة المخابرات المركزية”، بما لها من أفرع وشُعب حول العالم، على جهاز مخابراتنا الأسطوريّ، الذي أصبح يبدو مثل مركبة قديمة بعجلتين، أمام كاديلاك فخمة”.

جهد وشكر

لقد بذلت المؤلفة الإنجليزية فرانسيس ستونر سوندرز، المولودة عام 1966، وتعيش في لندن، جهداً خارقاً في سبيل خروج هذا الكتاب إلى النور، ورجعت إلى شخصيات كثيرة منها ديانا جوسلسون زوجة جوسلسون، أحد مؤسسي منظمة الحرية الثقافية، التي كانت شاهدة على أحداث كثيرة في حياة المنظمة، وفي حياة المخابرات المركزية، كما رجعت فرانسيس إلى كمّ هائل من الوثائق والمستندات، ووقعت إشاراتها وحواشيها وأسماء مراجعها ومصادرها، في ثمان وأربعين صفحة، وفي خمس صفحات أخرى قدمت ببليوجرافيا مختارة لأعمال تتصل بموضوع الكتاب.

إنني أقدم في نهاية هذا العرض الشكر لها على صبرها وشجاعتها وغوصها في عالم مليء بالمشكلات الدولية والقضايا العالمية والإثارة القاتلة، وخاصة فيما يتعلق بالمشهد الثقافي العالمي الذي ما زلنا نعاني ككتَّاب ومثقفين عرب آثاره السلبية الفادحة. كما أقدّم الشكر لمترجم الكتاب الصديق طلعت الشايب، على وعيه بأهمية ترجمة هذا الكتاب، وتحليه بالصبر على هذه الترجمة المواكبة لصدوره، والتي جاءت سهلة ميسورة، واضحة، دقيقة، فضلا عن تدخله بشرح بعض المصطلحات التي قد تخفى على القارئ العربي، في بعض الأحيان.

(عن “الكلمة”)

.

• فصل من كتاب “الحرب الباردة الثقافية”

 

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

1 تعقيب

  1. موضوع رائع يا استاذ احمد لا اله الا الله و تلك الايام دول نداولها بين الناس

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>