“سينما غزة”، من هذا محمود عمر؟!/ فراس خوري

“سينما غزة”، من هذا محمود عمر؟!/ فراس خوري

بثقة كاتب مخضرم، وبخفة عالية، يتنقل عُمَر بين الماضي والحاضر، يدمجهما، يفصلهما، ويدمجهما مجدداً. وكل ذلك بنكهة فطرة الكاتب، لا نتاج جهدٍ بعد قرار.

gaza_cover.indd

| فراس خوري |

هكذا سقطت بين يداي رواية “سينما غزة” لمحمود عمر (صدرت عن دار راية للنشر). لم أكن قد سمعت عنها أو عن كاتبها شيئاً، ولم يكن عندي توقعات. بدأت أقرأ فلم أستطع التوقف، اضطررت للخروج من البيت، عدت، أنهيت الرواية. إنها ممتازة.

أشد ما أدهشني هو عُمْر الكاتب، 24 عامًا. كنت أحياناً أعود إلى الصفحة الأولى لأقرأ النبذة عن الكاتب مجددًا، وأدقق في العدد  ”1991″. يُظهر محمود عُمَر مستوى عالٍ من النضوج نسبةٍ إلى جيله الصغير. الكتابة هي موهبة ولكنها تحتاج  أيضاً إلى نضوج أدبي، الذي لا يمكن اخفاء وجوده أو عدم وجوده لدى الكاتب.

يمتاز عُمَر محمود بسلاسة عالية في الكتابة، كتابته مشوقة وجميلة  بخفتها. يعرف جيداً “نَفَس” فصول روايته،  فكأنه حريصٌ على أن لا يزيد الفصل حرفاً واحداً لا حاجة له. لا يكتب عُمَر أكثر مما يريد أن يقول، وهي مشكلة مزمنة عند العديد من الكتاب، خاصةً بعض أولائك الذين حصلوا في الماضي على ثقة القراء، فتراهم وكأنهم ينفخون فكرة روايتهم بتكديس الكلام فوق الكلام. فيكون الناتج فكرة جيدة لرواية بلا روح.

بثقة كاتب مخضرم، وبخفة عالية، يتنقل عُمَر بين الماضي والحاضر، يدمجهما، يفصلهما، ويدمجهما مجدداً. وكل ذلك بنكهة فطرة الكاتب، لا نتاج جهدٍ بعد قرار.

شخصيات عمر، واضحة المعالم فقد وصفها بشكل لا يتيح لنا إلا أن نراها ماثلة أمامنا، وهذا أيضاً فعله بخفة الكاتب المتمرس. علاء، بطل الرواية هو شخصية مُرّكبة، خالية من أي بعد بطولي مبتذل، هو من تلك الشخصيات التي ترفض إلا أن تنظر إلى الحقيقة بأم عينها وتصارح ذاتها، فوعيها هذا هو سبب بؤسها. علاء، هو من الأبطال الذين لم يفكروا يوماً بأن فيهم أي شيء مميز، وهذا ما يزيده تميّزا.

قرأت رواية “سينما غزة” لمحمود عمر الشاب، ذات ال 90 صفحة، بعد أن أنهيت رواية “التائهون” لأمين معلوف ابن ال 65 ذات الـ 570 صفحة. أحداهما أظهرت كاتباً ناضجاً ثاقب وأخرى لكاتب يكدس كلاماً. رواية “سينما غزة” هي رواية صغيرة، تعرف ما هي ولا تحاول أن تكون أكثر مما هي. هذه أول رواية ينشرها عُمَر، ونتمنى أن يستمر بالكتابة حين يدعوه القلم، لا دور النشر أو هاجس اثبات الوجود.

نبارك لدار راية للنشر على هذه الرواية الجميلة، لكن نعيب عليهم الكم الكبير من الأخطاء المطبعية في هذه الرواية الصغيرة جداً. نحثهم على إصدار طبعة ثانية، والترويج لها كما تستحق. فهي وكاتبها يستحقان.

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>