مواد سريعة الاشتعال/ دالية حلبي

الثورات التي لا تكون بها المرأة شريكة كاملة ستبقى بالضرورة ثورات عقيمة ولن تفضي إلى شيء

مواد سريعة الاشتعال/ دالية حلبي

"ميحكمشي"- زان ستوديو

.

|دالية حلبي|

داليا حلبي

أثارت صورة المرأة ذات الصدرية الزرقاء التي نشرتها وكالة رويترز وتداولتها المواقع الاخبارية على نطاق واسع ضجة كبيرة وجدلا واسعا في العالم وفي الشارع العربي بشكل خاص. والصورة لمتظاهرة مصرية محجبة يجّرها على الأرض عناصر من الجيش المصري وقد أوسعوها ضربا وعرّوا خلال ذلك الجزء الأعلى من جسدها.

تحولت هذه الصورة بسرعة البرق إلى قضية تعكس على نحو ما الجدل القائم حول المرأة ودورها، ووجودها أو عدمه في الحيز العام. فهناك من اعتبر هذه الصورة رمزا للثورة ورمزا لجيل جديد من النساء يرفضن حصارهن داخل جدران البيوت وتغييبهن عن الحيز العام. تضامنا مع هذه القراءة للصورة قام مئات “الفيسبوكيين” باستبدال صور بروفيلاتهم بصورة هذه الشابة أو بصورة لصدرية زرقاء. وكتبوا الشعارات التي تندد بعناصر الجيش المصري وتثني على شجاعة هذه المتظاهرة. هنالك من اعتبر الصدرية الزرقاء الرمز الجديد لميدان التحرير وعوّل على جيل جديد من النساء يقمن بقيادة هذا الربيع العربي.

على النقيض مما تقدّم، كثرت القراءات التي، لو لم تكن بهذه المأساوية لأضحكتنا. فهنالك مَن تساءل “كيف لا تلبس هذه الشابة شيئا تحت عباءتها ونحن في عزّ الشتاء”، و”ماذا تفعل امرأة في ساحة هي أصلا للرجال”، و”لماذا لا تستر على نفسها وتلبس اشي تحت العباية”، و”وين مفكّرة حالها رايحة مع صدرية زرقا،على البحر؟”، “بالله عليكم إن ما فعلته هذه الفتاة اليس عهراً! انظروا انها لم ترتدي أسفل العباءة أي شيء سوى حمالة الصدر الزرقاء؟؟؟!! اليس هذا تبرج؟؟؟”. وهنالك من راح بعيدا وأقسم أن الأمر برمته لا بد أن يكون مؤامرة صهيونية أمريكية لتشويه سمعة الجيش المصري وإثارة الفتنة داخل الشارع المصري.

كما هو متوقع في عالمنا العربي فإن كلمات مثل امرأة ومتظاهرة وصدرية زرقاء كفيلة بتحويل القضية إلى مواد تفجير سريعة الاشتعال. فرأينا كيف تمّ خطف القضية إلى واجهة عقدة العربي الجنسية التي لا ترى المرأة الا من خلال دورين اثنين: دور الأم والأمومة وما تحملانه من تداعيات مؤدّاها القدسية والطهارة والنقاء، والدور النقيض المتمثل بالمرأة الزانية التي تجسد الغرائز الشيطانية والدناسة والرذيلة. وهي تمثيلات تفرضها ثقافة المجتمع العربي القائمة على الموروث لا سيما الديني منه.

ثقافة تتعامل مع المرأة كموضوع وليس كذات. ثقافة تُشّيء جسد المرأة وتحوّله إلى تمثيلات ورموز وتداعيات. وهي تشكل في النهاية أداة قمع وسيطرة يستخدمها المجتمع الذكوري في تعامله مع “موضوع” المرأة. وكأنّ المجتمع بذلك يحلّ “إشكالية” المرأة وما تمثله من تحديات. تنزع عملية تشييء المرأة عنها صفة الإنسانية من خلال محاصرة وجودها ودوس كرامتها وتجاهل احتياجاتها وأحلامها وتطلعاتها كذات كاملة ينبغي ان تكون موفورة الحقوق والكرامة. كذلك، يكشف هذا التعامل مع المرأة نسقا متجذّرًا في الثقافة العربية لا يرى في الأشياء سوى بُعدين: معي أو ضدي، أسود أو أبيض، خير أو شر. وهو نسق بدائي يوقع الثقافة العربية في مطبّات اخلاقية لها أول وليس لها آخر.

يعكس الجدل الذي أثارته الصورة في الحقيقة التخوف من النساء ومن دورهن الفاعل. ان التحدي الذي نقف امامه اليوم هو خروج مزيد من النساء الى الحيز العام والى اخذ ادوار فعالة، مبادرة وقيادية. وهي بذلك تثير تحديا كبيرا امام الرجل ورموز الرجولة. فليس صدفة ان نرى الشرطي وهي يركل ويرفس هذه الشابة بعنف وكراهية شديدة يصعب على العقل البشري ان يستوعبها. انها محاولة للقبض على زمام الأمور وإعادة السيطرة المحكمة على جمهور النساء اللواتي تجرأن على رفع صوتهن ومشاركة الرجال في نضالهم من اجل مجتمع عادل وحر.

إنّ الثورات التي لا تكون بها المرأة شريكة كاملة ستبقى بالضرورة ثورات عقيمة ولن تفضي إلى شيء، وثقافة تتعامل مع المرأة من خلال هذه المفاهيم لن تصل بعيدا حتى ولو حصلت في داخلها ثورات.

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

3 تعقيبات

  1. سيدتي الكريمة، هل اشتم من مقالك رائحة مسمومة تشجع على “التحرر الجنسي” لا التحرر العقلي والفكري المنشودين؟ لا تعطي نفسك حق انكار تعليقات وأفكار هؤلاء المعلقين فهذا حقهم أولا، ولعله من المفيد لكِ أن تجيبين على أسئلتهم بما تملكينه من حجج لا الاستدلال بأنها دليل على التحدي القائم بالنسبة لخروج المرأة للحيز العام وبادوار قيادية..! الأمر ليس كذلك ولم يكن كذلك بدليل أننا ندرس ونعمل في مختلف الميادين جنبا الى جنب مع المرأة التي هي زوجة وأم وأخت وبنت وزميلة!!

  2. مقال رائع يا دالية.. لكن أريد لفت نظرك إلى شيء واحد، وهو أن المرأة لم تتوان أبدا عن القيام بقسطها في النضال والثورات والمقاومة.. يكفي أن تكتبي في مستطيل البحث ((مناضلات عربيات غلى مر التاريخ)) لتقفي على دور هذا المخلوق الملتصق بالحياة والذائد عنها والمقاوم لكل ما يهددها.
    لكن حين يحقق النظال أهدافه.. فإنها تبعد عن الكعكة التي يتقاسم الرجال قطعها.. كما حدث مع ((جميلة بوحيرد)) بعد نجاح ثورة الجزائر.
    وقد آن للمرأة أن تكون فاعلة على الساحة السياسية أبان السلم والرحاء أيضًا.
    سلمت يداك داليا!

  3. رائع. مشكلتنا هي استثناء المرأة من مواقع التأثير، الكبيرة منها او الصغيرة، في مجتمعنا. فالرجل العربي هو الذي اخترع الدين، واخترع طرق تفسير الدين، وكانت المرأة العربية مستثناة منذ ذلك الوقت.
    حان الوقت أن تطالب المرأة بدورها ، وان يسمع صوتها.
    حان الوقت لثورة نسائية عربية تجتاح قيم الاضطهاد والعنصرية المتراكمة في مجتمعنا الديني.
    يومها فقط تتحقق المساواة الحقيقية، ويومها فقط تتحقق الحرية للجميع. واشدد على كلمة للجميع.

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>