بين مطار جدّة وقضية المرأة!/ دالية حلبي

يتم التعامل مع المرأة على أنها مخلوق جنسيّ بحت، ووجودها لا يتعدّى كونه وجودًا جسديًا جسمانيًا. حالة من التشييء تختزل وجود المرأة وكيانها، وتتعامل معها على أنها ليست سوى جسد يثير الرجل وشهواته

بين مطار جدّة وقضية المرأة!/ دالية حلبي

مطار الملك عبدالعزيز في جدة. وضعية جنسية؟؟

|دالية حلبي|

داليا حلبي

اِستوقفني هذا الأسبوع في أحد المواقع العربية خبر بعنوان “رجل دين سعودي يعتبر تصميم مطار جدة امرأة متهيئة للجنس”! ووفقا للخبر، فإنّ رجل الدّين هذا أطلق حملة أسماها: “كشف الخداع” عبر اليوتيوب، بهدف إسقاط القناع عن مخططات الغرب التي تريد تدنيس “جزيرة الإسلام” بتصاميم معمارية تقدّس الخصوبة والسّحر والجنس!

يبدو الخبر -لأول وهلة- من جُملة الأخبار الغرائبية الطريفة التي يُقصد بها شدّ القارئ ولفت انتباهه، وهو الحاصل مع التداعيات والصّور التي يُثيرها مثل هذا الخبر ومصدره: رجل الدين الذي شمّر عن ساعديه وبدأ حملة إعلامية لمواجهة هذا “الغزو”! إلا أنه يندرج ضمن خطاب إسلامويّ سلفيّ وممارسات يومية بوحي هذا الخطاب، تَعتبر المرأة نقطة ارتكاز تحكم النظرة للعالم بتحوّلاته وتفاصيله. وكما يبدو من هذا الخطاب، فإنّ المرأة تتلبس أصحاب هذا الخطاب كنوع من هاجس أو مسّ لا خلاص منه، ومن هنا هذا الكمّ الهائل المتدفق كسيول من الفتاوى والأحكام والوقائع التي تتمحور حول موضوعة المرأة.

فهذا الخطاب الذي تحوّل إلى نهج، أنتج قوانين تمنع المرأة من قيادة السيارة ومن الترشّح للبرلمان، ومئات الفتاوى التي تبحث وتشرّع في “فقه المرأة” ولباسها وشكلها وسلوكياتها وتصرّفاتها وجنسانيتها وجسدها: متى تلبس الحجاب ومتى يصحّ خلعه؟ كم طبقة من غطاء الوجه ينبغي أن تضع المرأة؛ وأخرى تحرّم لبس الجينس والملابس الضيقة والجوراب بلون البشرة، أو تبتّ في زينة المرأة وتبرّجها؛ وأخرى تمنع المرأة من الاختلاط بالرّجال على مقاعد الدّراسة أو في مكان العمل أو الحيّز العام وما إلى ذلك من ممنوعات ومحاذير ومحظورات. كلها، يطلقها رجال الدين باسم الدين والتديّن وشريعة إلهية بادّعاء أنها كفيلة بحماية المجتمع من الانحلال والسّقوط في الرذيلة والتسيّب والضّياع. والمفارقة أنّ هذه القوى جميعها تتفق على أنّ الحفاظ على مجتمعنا العربي وعلى تركيبته يمرّ بالضرورة عبر ضبط جسد المرأة وحضورها وظهورها وهيئتها.

هذه القوى جميعها تتفق على أنّ الحفاظ على مجتمعنا العربي وعلى تركيبته يمرّ بالضرورة عبر ضبط جسد المرأة وحضورها وظهورها وهيئتها

إنّ هذا التعامل مع قضية المرأة يعكس ازدواجية في التفكير والمُمارسة؛ فمن جهة يتم الحديث عن المرأة على أنها عنصر قاصر وضعيف وناقصة دين وعقل، وفي الآن ذاته يتمّ استصدار القوانين والفتاوى بشكل مستمرّ من أجل  ضبط هذا المخلوق “الضعيف” والسّيطرة عليه. وعلى ما يبدو فإنها حالة من الخوف والجزع من المرأة وإمكانية تحرّرها. وكلما زاد هذا الخوف حُوصرت المرأة بالمزيد من المَمنوعات والمحرّمات في محاولة للحفاظ على الهيمنة والتفوّق الذكورييْن. إنّ هذا الانشغال بجسد المرأة وجنسانيتها يأتي ضمن حالة من “العصاب الجماعي العربي” بلغة جورج طرابيشي. فالراشد العصابي، حسب طرابيشي: “يرى في كلّ شيء قضيباً أو مهبلاً، هذا إن لم يرَ فيه، أيضًا، ثدياً وشرجاً”. ومن هذا المنطلق يتم التعامل مع المرأة على أنها مخلوق جنسيّ بحت، ووجودها لا يتعدّى كونه وجودًا جسديًا جسمانيًا. حالة من التشييء تختزل وجود المرأة وكيانها، وتتعامل معها على أنها ليست سوى جسد يثير الرجل وشهواته. وعليه، فإنه يجب السيطرة على هذا الجسد وتغييبه عن الحيز العام وحصر وجوده داخل جدران المنزل.

إنّ التعامل مع قضية المرأة على هذا النحو يعكس ثغرة في الثقافة العربية الراهنة والتي ترى جسد المرأة ساحة للمواجهة بين الشرق والغرب، وبين الإسلام والكفار. الإسلاميون يدّعون أنّ المطالبة بحرية المرأة على جسدها هي بمثابة مؤامرة غربية تهدف الى إضعاف المجتمع العربي وتقويض أسسه، ومن هنا فإنه يتوجّب على المجتمع الحفاظ على ذاته والدفاع عن نفسه أمام هذا المدّ الغربيّ، وهذا يعني مزيدًا من الفتاوى والقوانين التي تهدف إلى ضبط المرأة وسلوكها، تغطيتها وحجبها عن الحيز العام. وهي بهذا تختزل انسانيتها وتحوّلها إلى جسد  ورمز وغرض جنسيّ ليس إلا.


المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

5 تعقيبات

  1. الى الفتاة السخنينية: الكاتبة تحدثت عن الاسلاميون، وهم المسلمين الذين يتبعون الاسلام. الاسلام الذي استوصا بالنساء خيرا، وصفهن بالقوارير ودعا الى الرفق بهن وحسن معاملتهن. منح النساء حقوقا لم تمنحها اي وثيقة لحقوق الانسان او المرأة. ان الحديث هنا يجب ان يكون عمن حطوا من شان المرأة وتعاملوا معها على انها مصدر للجنس. ليس عن الاسلام ولا عن المسلمين.

  2. يا انسة دالية, اولا انا علماني وملحد, وبحب اقول للجميع انه مشكلتنا عويصة مع المتدينيين واصحاب الفتاوي,من خلال هذا التعليق بحب اقول هذا المقال انكتب لانه الخبر صادر عن شخصية دينية, ولو انه الخبر صادر من اشخاص علمانيين لكنا قدسنا الفكرة وعملنالها حملة دعم فيسبوكية, على الرغم من اني علماني بس مش كلشي بحكيه شيخ غلط. فش مجال للانكار انه الاجندة الصهيونية والماسونية اخترقت حياتنا كشرقيين بجميع اشكالها على صعيد المسلسلات, الافلام, وسائل التسلية, شركات الغذاء, شركات الملابس وحتى اشكال الابنيةّ!!
    عشان هيك بكفي نتهجم عجهات معينة لمجرد انه احنا علمانيين وهني العكس. شوية تفكير وفتح عيون

  3. اوطان: الكاتبة لم تنتقد الدين الاسلامي, كفانا تحريفاً
    شتان ما بين الاسلام والمسلمبن, صحيح ان الاسلام رفع من شأن المرأة وكرامتها, ولكن مع كل اسف المسلمين ومن نصبوا انفسهم متحدثين باسم الاسلام شوهوا هذه القيم, وحطوا من قيمة المرأة وكرامتها, واصبحوا يتعاملوا معها على انها مصدر للجنس والشهوات, كفانا غباءً

  4. من الواضح جدا ان لدى كاتبة المقالة بلبلة بين القوانين المفروضة في بعض الدول العربية والفتاوي الشرعية. كما انه من الواضح انها ليست على بينة فيما يخص الحكمة من وراء بعض الفتاوي وليست على دراية بان الاسلام رفع من شان المراة وكرمها. ان بعض الامور التي ذكرت في هذا المقال مضللة ولا تتعدى المعنى الحرفي المجرد والتفسير الشخصي لكاتبة المقال. اعتقد ان من يجرأ على طرح مثل هذة عليه ان يكون ملم على الاقل بالامور التي يذكرها .

  5. كما قالت الدكتورة إبتهال الخطيب (الكويت) في مقالتها المعنوَنة “فرويد كان عربيا”:
    “بكل وضوح أقولها، المجتمعات الدينية الحالية هي مجتمعات جنسية من الطراز الأول، في واقعها، هي مجتمعات فرويدية صرفة ولكنها تأخذ منحى مرضيا في فرويديتها.”

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>