بين الصّوتِ والصمت/ رائف زريق

ننشر فيما يلي ثلاثة نصوص كُتبت لذكرى المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد، وقُرئت يوم السبت الماضي في الناصرة في الأمسية التي أجريت لمناسبة الذكرى الثامنة لرحيل سعيد في 25 أيلول 2003

بين الصّوتِ والصمت/ رائف زريق

سعيد. المنفى شرط للحرية وفعل مقاومة

.
|رائف زريق|

..

بين الصّوتِ والصمت

رائف زريق

يستعيد إدوارد سعيد تحليل فاغنر لموسيقى بيتهوفن، ويكشف كيف أنّ بيتهوفن، رغم عبقريته الفذّة وقدرته الفائقة في التعبير عن أحاسيسه الجيّاشة، كان يشعر أحياناً بضرورة الكلمة أو اللفظة. بيتهوفن في الحركة الرابعة من سيمفونيته التاسعة، يبدو كبحّار طال ركوبُهُ عُبابَ البحر، وحين رأى اليابسة أخيراً ألقى مرساتَه بفرح، فخرجت كلمة واحدة: Rejoice”

“هلّلوا وابتهجوا! يبدو بيتهوفن وكأنّه انتهى لتوّه من قراءة قصيدة درويش: لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي”، فهو يمانع ويماطل ويأبى للسيمفونية أن تنتهي، فإذا دنت النهاية، وتعاظم الشعور بالفاجعة وبالوقوف على حافة الهاوية، يطلق بيتهوفن عنان الكلمة، فيتّكئ اللحنُ على أصوات الكورس لإنقاذ الموسيقى من هاوية الصّمت، فينشد الكورس “نشيدَ السعادة” تعبيراً عن الإصرار على الحياة.

الموسيقى عموماً فعلُ مقاومة، تتوسّط بين صمتٍ وصمت، ترفعنا من هاوية الصمت لترمينا في هاوية الصّمت. هي إذاً الاستثناءُ والمعجزة، تماماً كالحياة، تتوسّط بين العدم والعدم، حضورٌ لحظيٌّ قبلُه غيابٌ وبعده غياب. بهذا المعنى يصبح الصّوت علامةَ حضورٍ وتدفقٍ للحياة. يلفت إدوارد النظر في هذا السياق إلى الدّلالة الرمزية لصوت شهرزاد، في ألف ليلة وليلة، فيكتب: ” كان على شهرزاد ألاّ تتوقف عن الكلام كي تمنع المجزرة وترجئَ الموتَ المحتَّم”.

بّيْد أنّه ليس كلُّ صمت هو موتٌ وهاوية. هناك صمت، وهناك صمت آخر. هناك صمتٌ بين نقرة وأخرى على البيانو، هو روحُ العزف وبهاره، وهو العلامة الفارقة بين عازف وآخر.

الموسيقى ليست صوتاً فقط، إنما هي تعاقبٌ للصوت والصمت. كذا الأمر حين يصمت المعتقل أمام أسئلة المحقّق، فصمته ليس موتاً ولا جُبناً بل إصراراً على الحياة وفعل مقاومة. الصمت بين نقرة بيانو وأخرى، وصمت المعتقل أمام المحقق هو صمت إرادي، لا ينبع من عجز عن الكلام أو سقوط في الهاوية، بل هو تعبير عن حضور، وعن ذاتٍ فاعلة. هو صمتٌ له صوت.

يضع إدوار هذا الصّمت جانباً، ويحدّثنا عن الصمت الهاوية. الصمت/الصّمم الذي أبى بيتهوفن أن يقع فيه، الصمت العاجز، الكلّي، الغياب المغلق. صمت أولئك المنسيين الذين يدوسهم التاريخ بعجلاته  فيعجزوا عن رواية حكايتهم، لأنّ التاريخ يكتبه الأقوياء، والصامتين يحكمهم النسيان.

هذا هو الصّمتُ الذي تحدّاه إدوارد ويريدنا أن نتحدّاه. الصمت المفروض على ضحايا الاستبداد وعلى المقموعين والمهمّشين. دعا إدوارد إلى النّضال من أجل أن يستعيد هؤلاء صوتهم وقدرتهم على الكلام أولاّ، ولهم من بعدها أن يختاروا متى يتحدّثون ومتى يصمتون. عندها فقط يصبح الصمت علامة حضور، ضرباً من البلاغة حيناً، ومن المقاومة حيناً آخر. وعندها أيضاً يصحّ القول: “إذا كان الكلام من فضّة فالسّكوت من ذهب” ، ولأنه من ذهب، سوف أصمت الآن.

..

تأمّلات في المنفى

إدوارد سعيد، ابن الشعب الفلسطيني، ابن مدينة القدس، الذي هاجرَ في صباهُ إلى مصر، ثم إلى الولايات المتّحدة، كان مسكوناً بالمنفى. كمَنْ ينتمي لشعبٍ سمتُهُ الأولى التشرّدُ واللجوءُ، كتب إدوارد عن المنفى بصفتِهِ “تجربةً مرعبة”. ذلك الجرحُ المفتوحُ، غيرُ القابلِ للشفاءِ، والهوّة السحيقة التي تفصل الإنسان عن مكان وعيه الأوّل، بين الذات وبيتها الحقيقي. والمنفى يعني أن لا شيء مفروغٌ منـه ولا شيء آمنٌ، ولا شيء يمكن الرّكون إليه.

يلتقي المنفى بوصفه هذا مع ما قاله محمود درويش حين سُئل عن مشاريعه المستقبلية إثر الخروج من بيروت عام 1982، فأجابَ: “أبحث عن حائط أعلّق عليه ثيابي”.جوابُ درويش صدًى لوعيٍّ إنسانيٍّ قديم،فها هو الشاعر ovid يُنفى من روما على يدAugustus  فيكتب: ”   Exilium mors est أي المنفى هو الموت. الإنسان ابنُ بيئته، وحياته تكتسب معناها من السّياق، والمنفى هو غياب البيئة وغياب السياق، وبالتالي غياب المعنى، كالنبتة في غير تربتها.

لكنّ علاقة إدوارد بالمنفى كانت أكثر تركيباً وتعقيداً. لم يكن منفاه على غرار منفى إخوانه الفلسطينيين في مخيّمات اللاجئين، فقد جادت عليه الحياة وأحبّته، وإن كان منفيّاً، ممّا مكّنه من أن يحوّل المنفى إلى حالةٍ وجودية قلقة باستمرار، لكنّها بنّاءة .لا يفاجئنا شغفُ إدوارد الجامح بأدب المنفى، ونفهم لماذا كان معظم الكتاب والأشخاص الذين تركوا بصماتهم على حياته وأدبه من أهل المنفى، مثل جوزيف كونراد، ثيودور أدورنو، وإريك أورباخ.

مقابل الحالة المغرقة في تراجيديتها للمنفى، كما عبّر عنها أوفيد، نجد بعض الكتاب يتعاملون مع المنفى كمناخ ضروري للإبداع. فيكتور هوغو الذي قضى خمسة عشر عاماً في منفاه القسري في جزيرة نائية، إعتقد أنه ما كان ليبدعَ لولا حياة المنفى، وجيمس جويس، الشاعر والروائي الإيرلندي، إختار المنفى طواعية.

يرى أدورنو، الفيلسوف الألماني، المنفى شرطاً للحرية وفعلَ مقاومة. ففي عالمنا المعاصر، حيث كل شيء جاهزٌ ومعدٌّ سلفاً ومحكومٌ بقوالبَ وأشكالٍ وطقوسٍ جاهزة، حتى اللغة مرصوفة بالكليشيهات، يحمل المنفى معنى الخروج عن المألوف، والتحرر من إسار البديهيّات الاجتماعية والأيديولوجية، ويصير فعل تمرّدٍ بامتياز، لا بل إنّ الضرورة الأخلاقية تتطلب أن يشعر المرء ببعض الاغتراب حتى في بيئته وبين أهله.

أدورنو، بهذا التوظيف للمنفى، يطوّر مقولة لوكاتش في نظريته حول الرواية. الرواية هي فنّ الكتابة للمجتمع البرجوازي الجديد الذي اكتشف فيه المرء حرّيته وإرادته في مواجهة الوجود والمجتمع، هذا المجتمع الذي دشّنته رواية سرفانتس “دون كيخوته”، حيث يظهر الإنسان فرداً يعيش في عالم هجرته الآلهة، وغاب عنه السحرُ والمعنى، فبقي الإنسان وحيداً يصنع معنًى لحياته لوحده، ويحيك مصيرَهُ بعيداً عن العناية الإلهية. بهذا المعنى، فإنّ المنفى حالة وجودية لإنسان الحداثة.

ويلتقي إدوارد مع ما كتبه إريك أورباخ حول المنفى، ويقتبس كلاهما من أقوال Hugo of St. Victor الذي كتب في القرن العاشر ما يلي:

” إنّ المرءَ الذي يجد وطنه جميلا، لهو مبتدئ رقيق القلب.أمّا ذاك الذي يجد أنّ بقاع الأرض جميعَها وطناً له، فهو قويٌّ، لكنّ المرء لا يصل إلى الكمال إلاّ إذا اقتنع أنّ العالمَ كلّهُ مكانٌ غريب.”

 ما قصد إدوارد تطويرهُ في هذا الفهم للمنفى، يرتبط بفهمه لدور المثقف، وباعتقادي لا يمكن فهم صورة المثقّف لدى إدوارد دون فهم الدور النقدي للمنفى. المنفى كحالة تشير إلى ضرورة وأهميّة حدٍّ أدنى من الاغتراب البنّاء، من المسافة النقدية التي على المرء أن يتّخذها كي يستطيع المساءلة وإعادة النظر في البديهيّات والمسلّمات.

المنفى، في هذا السّياق، هو عدم الاستكانة إلى البديهي، ورفض الحميمية المفرطة التي تستدعي الكسل الفكري والأخلاقي، ورفض خطاب الهوية المنغلق على ذاته، والمحتفي بأمجاده، والمكتفي بإرثه. المنفى يعني حالة من القلق الدائم، والسؤال المفتوح أبداً،والفضول الذي لا ينضب. ليس صدفةً، إذاً، أن يكون نموذجُ المثقف لدى إدوارد سعيد هو إميل زولا وجوليان بندا. فالمثقف، بنظر إدوارد، هو الذي ينأى بنفسه عن مركز القوة، عن حميميّة الجماعة، وعن سيف السلطة. هو الذي يستجوب الإجماعَ القومي، ويفجّر تناقضاته الداخلية، لا الذي يصوغ الإجماعَ ويحيك الرواية.

مثقف إدوارد سعيد هو المثقّف السّقراطي بامتياز، الذي ينام على قلقٍ ويصحو على سؤال، ويردّد مع المتنبّي، الشاعر المنفيّ: على قلقٍ كأنّ الريح تحتي”

فَتصبحون على سؤال….

..

نيويورك الواسعة تضيق

كل شيء في حفل التأبين أنيق، مرتب، قوي ورقيق كحرير لغة ادوارد. ثلاث سلات من الزنبق الأبيض على هيكل الكنيسة تراقب صمتنا وترد الدموع إلى المقل.

بيانو موتسارت يحرض خلايا الروح، و يلحقه تنهد عميق، وأورغان باخ ينظم توزيع العاطفة في العروق ويرمم ما تشظى من حطام القلب.

نيويورك الواسعة تضيق.

لأن نيويورك كانت لي أولآً صوت ادوارد سعيد، نبرته الحادة، نزوله المتثاقل على درجات جامعة كولومبيا، وقهوة سريعة يتخللها توبيخ ما على تقصير معيّن.

بفراسة طفل وذقن مرفوع إلى أعلى وعينين واسعتين، كان ينصت بانتباه، وكأنه يسمع من عينيه. يسأل عن التفاصيل الصغيرة عما يحدث هناك في فلسطين، يتوقف عند ثنايا الكلام، وبسؤاله يوضح لي ما أقول بمجهر بصيرته.

جفاف في الحلق

يتركنا ادوارد والعالم يناقش بدم بارد اغتيال رئيس فلسطيني منتخب، يقبل باستسلام يحفظ الكرامة، لكنه يرفض الانتحار، والعالم الحر يستكثر عليه أن تكون له ذاتٌ مؤهلة لإعلان هدنة. الفلسطيني يجب أن يغيب لا أن يفاوض. إحساس عام بالخرس.

كان إدوارد سعيد يمتلك قدرة مدهشة على التقاط الأنين الآتي من هناك – من فلسطين – وعلى استحضار نداء العدالة من أعماق أعماقه، وتحويله إلى نغم يحاول تشويش ضجيج الطائرات النفاثة وأخبار السي. إن . إن  والفوكس نيوز.

نيويورك تبدو ضيقة وشوارعها باردة.

لقد ظلمناه كثيرًا. جميعنا عرفنا مرضه، لكننا رفضنا أن نصدق أنه سيموت، عشنا و كأنه سيعيش إلى الأبد. وكان هو الآخر شريكا في المؤامرة. بعد كل مرة يخرج من المستشفى كان يفاجئنا، وكأنه هوديني المدهش، أنه في جولة محاضرات في الهند، اسبانيا أو إيران.

لقد عودنا ادوارد الانتصار على أعدائه وعلى شامتيه، وعودنا الانتصار على الموت، مرة بعد مرة. لقد صدقناك.

ثقب في القلب

 تشبث ادوارد سعيد بالحق، حتى عندما صفعته الحقيقة وأدار ظهره للقوة والسلطة عندما رغبت بقربه وأرادت التمسح به وبما يمثل من قيم وأخلاقيات. راكم كل حياته رأسمالا معنويا ولم يقايضه بجاهة أو وجاهة، وعرف كيف يحرص على المسافة بين القلم وبين السيف، بين الشاعر وبين الأميرمنقذا الكلمة من فخ السقوط في مهاوي البلاغة والفصاحة والابتذال، حارسا لمعانيها، وحاملا لأعبائها. يصب في الكلمات روحه قبل أن  يستقي منها، يحملها قبل أن تحمله، فتكبر معه المعاني، وتشمخ من شموخه الكلمات.

يرحل ادوارد سعيد اليوم وهو بعيد عن فلسطين – هاجسه الدائم. هو يحرم منها، وهي تحرم منه. حرمته اسرائيل أن يكون هناك، واليوم تحرم أمريكا اخوته وأصدقاءه في لبنان وفلسطين أن يكونوا هنا. غربة وفرقة في الحياة وفي الممات.

لن أتحدث عن حجم الخسارة وهول الهوة ورجع الصدى.

في موته أخذ ادوارد شيئا من ذاتنا، لكنه رد إلينا كثيرًا من ذاته، و بحركته الالتفافية هذه  يدعونا إلى أن نصنع الأرض التي نقف عليها، وأن نتمكن من الوقوف بثبات في ظل غياب الجاذبية، وأن نحلق إلى الأعلى بأجنحة نخترعها. دعوة لتجاوز ذواتنا ولصناعة أنفسنا بأنفسنا كل يوم من جديد، محولين الحياة إلى ملحمة واحدة طويلة.

الوقت كحالة طوارئ

بعد موت ادوارد سعيد سأخجل من تأخري في النوم صباحا. لقد أعطى الوقت معنى جديدا. كثفه لدرجة أن الوقت تجاوز شفافيته وأصبح له، كما للأرض، جاذبية. بعثر إدوارد المكان بحركة فروسية من الهند إلى نيويورك، ومن فلسطين إلى جنوب أفريقيا، ليصبح العالم مساحة مفتوحة ومسرحا لقيم الحرية والعدالة التي ترفض مقولة “صدام الحضارات” و “نهاية التاريخ”.

كانت لادوارد عاداته الخاصة يمليها مرضه ومزاجه. تبعث إليه بعدة رسائل الكترونية ولا يجيب، ثم يفاجئك باتصال: “وين اختفيت؟” كان يحق له ما لا يحق لغيره.

في آخر زيارة لنا لنيويورك دعانا، أنا ومنى، إلى مطعم مقابل الجامعة. تحدث عن زيارته للشام. أعجب بالبلد وبطبيعة أهله كثيرًا. تحمس جدًا للمعهد الموسيقي هناك، واعتذر بلطف عن مقابلة السيد الرئيس. فجأة سأل عن شعر طه محمد علي. تعجب لماذا لم يأخذ الرجل حقه من أقلام النقاد، قال سيكتب شيئاً عنه ليفيه حقه.

خرجنا من المطعم. كان تعبًا. اتكأ على كتفي للحظة. ودّعنا بعضنا ثم قال: “ها، لا تختفي، طلّوا”. سرنا قليلا، همست منى في أذن: “يتحدث كأنه يودعنا”. قلت: “لا، سيكون بخير، لن يختفي” .

ثم جئت إلى جنازته.

(كُتب النص الأخير في 29 أيلول 2003 )

 

 

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

2 تعقيبات

  1. أخي رائف
    بما أن السكوت من ذهب، كان علي أن أصمت. لكن، لا بد من قول ما.
    مقالتك التي هي أقرب للقصيدة، مفعمة بالمعنى. النسمة المنبعثة من الكلمات، ترفعنا عاليا ولكنها مضمخة بالحسرات التي تكاد تحرقنا بدمعة ساخنةتنزلق أو تكاد.

    نعم، فاجأتني بلغتك الجميلة ودقة التعبير والبلاغة بدون تكلف. لكنك لم تفاجئني باتساع ثقافتك، بالتزامك بكل ما هو إنساني، وبمحبتك العميقة لإدوارد سعيد ومحمود درويش.

    مع الاحترام والتقدير،
    ف

  2. قبل احد عشر عاما حظيت ان استمع الى الناقد الفيلسوف وعاشق فلسطين والموسيقى ادوار سعيد في محاضرة في جامعة بيت لحم من قبل معهد السبيل _ القدس.
    لقد كان من المعارضين لمنهج اوسلو ودكتاتورية المرحوم رئيس السلطة عرفات حيث منعت كتاباته في منطقة السلطة .
    ما زالت كلماته تدوي حانقا غاضبا كنبي يحذر شعبه وقياداته من مستقبل مشؤوم . اذ رأى مسلك اوسلو سيؤدي الى الضياع للشعب الفلسطيني .
    وكان صادقا . جسده رحل وروحه وكلماته بقيت معنا .ليكن ذكراه على الدوام . 

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>