جمانة مصطفى: غرفة للحديث مع النفس/ فوزي باكير

جمانة مصطفى: غرفة للحديث مع النفس/ فوزي باكير

بعد الغابة، تضع مصطفى نفسها، وقارئها أيضاً، في مواجهة المدينة، عبر قصيدة “المدينة: جيوش الممسوسين”. المدينة لدى صاحبة “غبطة برية”، وجهٌ آخر من وجوه العزلة: “أجمل ما فيكِ/ المقبرة العظيمة/ وأنتِ منذ أربعين عاماً/ تنامين فيها”.

20152704215814

| عن “العربي الجديد” – فوزي باكير |

كما لو أنّها طفلة كبيرة، تستحضر الشاعرة الأردنية جمانة مصطفى، في مجموعتها “اعتدتُ ألّا يراني أحد”، الصادرة أخيراً عن “دار الأهلية”، العوالمَ الخارجية الواسعة، وتضعها في غرفتها/ عزلتها، وتنسج معها علاقات على شكل تساؤلات تارةً، أو مونولوغ داخلي طويل تارةً أخرى؛ وكأنّها في غرفة مخصّصة للحديث مع النفس، ومراقبة الأشياء بهدوء.

في أولى قصائد المجموعة، “الغابة: بضعة قتلة”، تُحدّق صاحبة “عشر نساء” في تفاصيل ذلك العالم البرّي، بل تخلقها وتُحرّك مفرداتها، وتحرّك نفسها مع هذه المفردات. تتخيّل أنّها “نَمِرةٌ”، فقدت رغباتها في الصيد، بل تدافع عن فرائسها وتهشّ “إخوتها” عنها: “كان صغيراً ذاك الغزال/ كان طريّاً/ صِغاري أحبّوه/ كانوا ثلاثةً/ نموري المطيعة/ زأرتُ بهم أن يفرّوا”.

تبدو مصطفى في مجموعتها الجديدة، وكأنّها تُحاكي ما انتهت إليه في السابقة “لن أقول ما رأيت” (2012). هناك، كانت أكثر شراسةً، كانت أقرب إلى طبع الثعالب من النمر اليائس، حيث قالت: “وشوشتني الحرية/ أنّي ابنتها المفضّلة”. لكن في “اعتدتُ ألّا يراني أحد”، تلتفت إلى الوراء، إلى الثعلبة، ثم تسخر بشكل جارح: “كلّما نظرتُ ورائي/ أدهشني جمال حياتي/ أيّامي/ كهندسة الريح للماء/ ساحرةٌ/ وتُنسى”.

بعد الغابة، تضع مصطفى نفسها، وقارئها أيضاً، في مواجهة المدينة، عبر قصيدة “المدينة: جيوش الممسوسين”. المدينة لدى صاحبة “غبطة برية”، وجهٌ آخر

جمانة مصطفى

جمانة مصطفى

من وجوه العزلة: “أجمل ما فيكِ/ المقبرة العظيمة/ وأنتِ منذ أربعين عاماً/ تنامين فيها”.

لن تُطيل مصطفى بقاءها في المدينة لأكثر من خمسة مقاطع شعريّة، وسرعان ما ستعود، في بقية قصائد المجموعة، إلى نفسها. في “كأنّي جديدة”، نقرأ الحبّ بصورته السّادية: “تعال نستذكر لعبتنا القديمة/ أيّها الحب/ مرِّرْ سكّينك كأنّك تشرُط/ وسأتأوّه كأنّني أتألّم”.

هكذا، بعد شراسة الغابة ووحشة المدينة وسادية الحب، تسلّم الشاعرة نفسها إلى عزلتها تماماً، وتعود الطفلة الكبيرة لابتكار ألعابها الخاصة: “ارقصي/ كأرملةٍ ترتّب نصف سريرها/ كمن تؤمّن قوت ليلة/ كمن ينتظرُها صغارها/ كمن تغامر بسمعتها/ كمن تودّع حيضها”…

في آخر قصائد المجموعة، تواجه الشاعرة نفسها بسؤال: “ماذا تنتظرين؟”. سؤالٌ يوقظها من العزلة، ويدعوها إلى النظر إلى الخارج، إذ تلوم نفسها: “ستنتظرين شتاءً طويلاً/ شتاءً قد مرّ بالفعل/ بذاراً بُذر بالفعل/ وقطافاً قُطف بالفعل/ كلّ هذا حدث/ وأنتِ مستيقظةٌ/ وتحدّقين”.

عن “العربي الجديد”

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>