البيان المفقود/ فراس خوري

ديسمبر 7, 2011 مواضيع ساخنة, نثر | 5 comments

"ثورة"، رسم الطفلة لمار سرور

.

|فراس خوري| 

كان نوفمبر/تشرين الثاني شهرًا مليئاً بفعاليات ومهرجانات تخصّ الأطفال في جميع أنحاء العالم؛ إذ أنه وخلال هذا الشهر يقع اليوم العالمي للطفولة ويوم الطفل العالمي (لا أدري ما الفرق بينهما)، وإثر هاتين المناسبتين اسمحوا لي بأن أظهر رسالةً قد تعرضت لها مؤخرًا. كتب هذه الرسالة أطفال حضانة (عاميَن حتى ثلاثة أعوام) اسمها “براعم الأمل”. هذا ما أتى في الرسالة:

“بيان رقم 1 من حركة الناس الصغار

إلى الهيئة الإدارية، والمعلمين، وأولياء أمور أطفال حضانة براعم الأمل.

“نحن حركة الناس الصغار، أطفال حضانة “براعم الأمل” نتوجه اليكم بعد مرور اكثر من شهرين منذ قام كل شخص منا بشكل فردي وبقرار جماعي بالطلب من أهله ومعلميه بالرغبة بالإصلاحات الفورية في حضانتنا وبيوتنا. حتى ألآن  لم نتلقَ من حضرتكم غير الوعود بالإصلاحات ولذا بتنا نعتبر بأنه على الأرجح وكما تعودنا فإن حضرتكم تستخفون بذكائنا. أما الآن وإثر الاكتشافات المخيفة الأخيرة وفضائح ومستجدات الساحة الحضانية والبيتية (التي سوف نتطرق اليها بالتفصيل في رسالتنا هذه)، نكتب لكم ونقولها جهاراً: لقد انقطعت شعرة الثقة بيننا وان كان هناك أملٌ بالإصلاح ففد بتنا واثقين بأنه لن يأتي من بابكم.

“فبعد التسرب الأخير عبر موقع اليوتيوب لفيديوهات لصيصان ودجاج وبط وأوز يذبح، قامت الزميلة والناشطة السياسية سالي (الاسم الثوري/عامين ونصف) بالتحري وراء مصير حيوانات الروضة التي يلعب ألأطفال معها في الحضانة نفسها، بعد شهر من التحقيق والمراقبة الدؤوبة قامت سالي  بتصوير فيديو يظهر فيه صيصان الروضة حين يقوم رجل سمين يلبس فانيلا شيال قذرة بقطع أعنقها واحدًا تلو الآخر. لقد صدم هذا الفيديو أطفال الروضة من دون استثناء، وبعد أن أظهرت الرفيقة سالي الفيديو للرفيق الطفل أبو رجا (الاسم الحركي/ثلاثة أعوام)، قام هذا الآخر بتعميمه على موقع يوتيوب. نرجو التنويه بأنّ جزءاً من ألأطفال كان قد أغمى عليهم حين رأوا صوصهم المفضل بالروضة يركض عبثاً مقطوع الرأس يروي ألأرض بدمائه الزكية.

“إننا وإذ نستنكر بشدة ونرفض بحدة هذا العمل الإجرامي، نعلن ومنذ هذه اللحظة أننا بتنا لا نثق بالهيئة الإدارية للروضة وبأهلنا وبمعلمينا الذين أغمضوا أعينهم عن مثل هذه المجازر المؤلمة، وأخفوا عنا الحقيقة الملطخة بالدم. إن الشعور العام في مجتمع “الناس الصغار” في حضانتنا هو الإحباط وفقدان الطريق. إنّ خيبة الأمل منكم كبيرة. قد انهارت كل المبادئ والقيم الأخلاقية التي أكسبتمونا إياها خلال ثلاث دقائق من المشاهدة اليوتيوبية، لقد سحبتموها بساطاً من تحت أرجلنا، أصبحنا معلّقين في الهواء مثل توم (من توم وجيري) قبل أن يكتشف أنّ ما تحته هو الهواء وما تبقى له هو فقط أن يسقط. لكننا وحتى لو اكتشفنا أن كل ما اكتسبناه حتى الآن هو كذب ونفاق نصّرح بأننا لن نسقط مثل توم ولن نيأس!

“حتى هذه اللحظة لم يصدر مجتمع “الناس الصغار” بياناً رسميا مفصل حول طريقة التعامل بين الصغار والكبار بعد الاحداث المأساوية. فذلك يتطلب اجتماعاً قطريا لرؤساء لجان روضات مجتمع الناس الصغار في البلاد، وقد تم تعيين اجتماع طارئ خلال أسبوع من تاريخ هذه الرسالة، يتم خلاله التقرير حول طلباتنا وحول طريقة التعامل مع ألأهل والمعلمات والرجل السمين القذر منذ اليوم، لكن وحتى يحين موعد الاجتماع فنحن في حضانة “براعم الأمل” عندنا طلبات نعتبرها طلبات فورية!

“في ما يلي طلباتنا الفورية:

أن تتوقف كل الأعمال الإجرامية التي تنفذها سلطة الناس الكبار بحق الحيوانات البريئة؛

نطالب بإيقاف كل الأوامر والطلبات التي يصدرها الناس الكبار للناس الصغار فلم يعد هناك أي مصداقية أو حق لسلطتكم علينا منذ اليوم؛

التوقف عن قراءة قصة “العنزة توتي” في الحضانة، فبغضّ النظر عن كون هذه القصة سخيفة تفتقر لمقومات الدراما الأساسية في أدب الأطفال، وبغض النظر عن شخصياتها السطحية ذات اللون الواحد والباهت، وبغض النظر عن تطوَر الأحداث غي المنطقي (ليس اختيارًا فنيًا) الذي يستخف بالقارئ، وبغض النظر عن الرسومات التي بإمكان بعض الزملاء في الحضانة بان يرسم أفضل منها، بغض النظر عن كل ما سبق فإنا بتنا متخوفين من كون العنزة توتي تشكل احد مركبات طبق غذائنا وإذا لم تكن هي العنزة توتي بنفسها فمن الممكن ان تكون هي أخت العنزة توتي او ام العنزة توتي او أي عنزة أخرى لا تربطها علاقة بالعنزة توتي؛

بعد التحقيق والمتابعة وتقصي الحقائق أصبح واضحا الآن لمجتمع الناس الصغار ان بعض الحيوانات التي نأكلها كانت حيَة في الماضي وقد قتلت! قد تم ذلك من غير أن يتم استشارتنا بالموضوع. نحن نطالب بحقنا لمعرفة ما نأكل وما هي السيرورة التي خاضها قبل ان يجد طريقه إلى صحننا؛

عندنا مصادر تؤكد أن جزءاً من هذه الحيوانات قد قتلت بأدوات تشبه العاب البواريد والمسدسات التي نلهو بها لكنها أدوات قاتلة! بل أنه بات واضحا انه وبهذه الأدوات المدعوة “أسلحة”، يتم احيانا حتى قتل البشر! نحن نرفض أن نكون جزءاً من سوقكم وتجارتكم المنحرفة السقيمة المروَجة للعنف. بالرغم من صعوبة التنازل عن الألعاب الآن وبعد أن اعتدناها، إلا أننا لا نريد ان نلهو بالعاب تقلد أدوات تقتل الحيوان والانسان ونطلب منكم أن تسحبوها من عالمنا؛

بروح ماركسية ثائرة محطمة للأساطير ولا تخاف أن تنظر للحقيقة بأم عينها قمنا بتغيير اسم حضانتنا إلى اسم يرتبط أكثر بالواقع الاجتماعي والسياسي، ومنذ هذه اللحظة نعلن عن سقوط “حضانة براعم الأمل” وإنشاء “حضانة الناس الصغار الشعبية الحرة”. وما تبقى لكم هو أن تغيروا الاسم على اليافطة وان تنزلوا عنها رسومات الزهور والسنافر حتى إشعارٍ آخر من طرفنا؛

منذ هذه اللحظة سيتم تعريفنا والتوجه إلينا في مؤسساتكم وبيوتنا باسم “الناس الصغار” عوضاً عن “الأطفال”، إذ أننا بتنا نرى بالتعريف السابق تعريفاً يسلب منا حقنا بالمشاركة في صنع القرار في حضانتنا وبيوتنا؛ منذ الآن أنتم “الناس الكبار” ونحن “الناس الصغار” .

“نحن نطالب بالبدء بتنفيذ كل المذكور آنفا بموجب قرار وإعلان قيادي يعمم على صفحة الناس الكبار في الفيس بوك ويسلم خطيا للقيادة المركزية للناس الصغار كما ونطلب أن يكون الإعلان متلفزًا ببث حي ومباشر.

“حركة الناس الصغار تعلن ومنذ هذه الساعة إضراباً مفتوحًا عن الطعام واعتصاماً في حديقة الروضة مع الحيوانات حتى تتحقق جميع هذه المتطلبات الفورية.

“إن كنتم قد  قررتم أننا يجب أن نأكل الحيوانات ونحمل “الاسلحة” أفلم يكن من الأنسب أن تشاركونا بهذا الأمر بدلا من أن تملأوا مخيلاتنا بهراءٍ وقصصٍ مبتذلة عن عالمٍ لم تطمحوا يومًا له.

“ليس هذا عالمنا، بل عالمكم الذي تفرضونه علينا! ليست هي قرارتنا بل قرارتكم! ليس هذا هو سقف البيت والحضانة الذي ينبغي أن يحمينا.

“نرفع صرختنا عاليا: لا للنفاق! لا للخداع! لا للكذب!

فلتحيَ ثورة الناس الصغار المجيدة.”

(11.11.11)