لا أعرف المنسيّ / هلا الشّروف

لا أعرف المنسيّ / هلا الشّروف

الصّبحُ يُبصِرُ ثمّ يُكمِلُ سيرهُ خلف الغبار / والصّبحُ يمشي خلسةً / ويموتُ في الطّرقات مجدولًا بأكفان المدى: أبيضْ / والصّبح لا يعني تحيَّتَهُ على باب الحياة / ولا يُخفّفُ عن أحدْ.

إبراهيم جوابرة، In Love #2، أكريليك على قماش، 125×125، 2013.

إبراهيم جوابرة، In Love #2، أكريليك على قماش، 125×125، 2013.

.

|هلا الشّروف|

هلا الشروف

هلا الشروف

لا أعرف المنسيَّ جوفَ البئر.

لم أسأل عن الماء الّذي سال احتفالًا فوق جدران المكان

ولم أحدّق في الوجوه لأسمع الصّوت الّذي غابتْ يداه عن الحضور

ولم أزاول مهنتي في البحث عن معنى الغياب،

كان يكفي أن أدقَّ الباب خلف اللّيل، كي أسمع صدايَ

وكان يكفي أن أُمرِّرَ راحتي فوق النّوافذ كي أرى

أنّي أغيبُ عن العشاء

وأنّ أهلي راودوا شبحي على الكرسيّ

إلّا أنّه لم يستجِبْ،

كان يكفي أن أُكسِّرَ صورتي فوق الجدار

لكي تراني

بعد أن حَفَرتْ لقبري شاهدًا باسمٍ غريبْ،

كان يكفي أن أراها

كي أصير بلا هواجسَ،

كان يكفي أن ألوم بصيرتي لأصير أعمى

لا يرى إلّا الحقيقة،

ثمّ أدرك أنّني المنسيُّ

وحدي

عندما أصغي لصوتِ أصحابي القُدامى

يمسحون الحزن عن وجه الحبيبة قرب ذاتِ البئر.

 .

اللّيل يسمعُ ثمّ يُرجعُ صوت خطوتنا إلى المُغُر البعيدة

واللّيل يرقص خفّةً

ويسيلُ فوق الباب مرتاحًا للون وضوحه: أسودْ

واللّيل لا يبكي على شيءٍ، ولا ينسى أحدْ.

لا أعرف المنسيَّ في جوف السّواد،

أو أنّني أستطلِعُ الحزن اللّئيم وأبتعدْ

عن قامَتَيهِ وخافِقَيه: ابنٌ ووالدُهُ هو الحزن الغريبُ،

يُجفّفانِ الليل من ماء الحياةِ

ويركُلانِ حجارة الطّرق الصغيرة صوب أبوابٍ غفتْ قرب السّعادة،

يلعبانِ، ويسكُنانِ ستائر الشّرفاتِ

ويذرعانِ على الطّريق بلا هدفْ

سوى الإيقاع بالفرح الصّغير ووأدِهِ

قبل الفكاك.

ابنٌ ووالدهُ هو الحزن الوحيد،

يلوّحان إلى الفراغِ

وينجبانِ قبيلةً…

قد يحزنانِ على الصّغار من الأسى إذ يكبُران،

وينسيانِ الحزن حين يحدّقان بوجه طفلٍ:

ذاك وجهي!

أعرف الآن الفجيعة إذ رأيتُ علامة الوجع المحلّق

في كتاب العائلة!

ثمّ أدركُ أنّني المنسيُّ

وحدي

عندما أختار، وحدي، أن أصير الثّالث الأبديّ.

وأقترِب:

ابنٌ ووالدهُ هو الحزن الجميلْ،

وأنا على الإسفلتِ

أمسكُ باليدين كما اللّقيطِ

وأكتفي

بأبٍ وابنٍ في اليدين

وثالثٍ باسمي أنا

خبّأتُهُ تحت الثياب،

وخرجتُ ألعبُ

ثمّ أركُلُ صوب أبواب السّعادة

كلَّ أحجار الطريق.

 .

الصّبحُ يُبصِرُ ثمّ يُكمِلُ سيرهُ خلف الغبار

والصّبحُ يمشي خلسةً

ويموتُ في الطّرقات مجدولًا بأكفان المدى: أبيضْ

والصّبح لا يعني تحيَّتَهُ على باب الحياة

ولا يُخفّفُ عن أحدْ.

.

(شاعرةٌ فلسطينيّةٌ تقيم في رام الله).

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>