هند رستم… آخر «السكة الطويلة»/ محمد خير

جميلة الجميلات جاءت زمن الأبيض والأسود ■ في عمرها الثمانيني، لم تتوقع أن تعود صورتها مع الثورة المصرية لتغزو الجدران ضمن فنون الغرافيتي، صورتها في كل مكان وتحتها عبارة «هاجيبك من شرم يا سونة يا خاين». سونة على الجدران هو حسني مبارك. أما «سونة يا خاين» فكان عمر الشريف في «إشاعة حب»

هند رستم… آخر «السكة الطويلة»/ محمد خير

شاركت في 74 فيلماً تنوعت بين الميلودراما والكوميديا

|محمد خير|

ينبعث صوت الناي في عربة القطار المزدحم، يهمهم فريد الأطرش «يا مقبل يوم وليلة، إطوي السكة الطويلة». لحظات وتدخل هند رستم من مقدمة العربة وهي ترقص بثوبها الأبيض الملائكي، فإذا بقطار الفلاحين الفقراء ينطلق في رحلة إلى الجنة. المشهد من فيلم «إنت حبيبي» ليوسف شاهين (1957)، والبطولة كانت للأطرش وشادية، لكن من يقدر على خطف الضوء من الساحرة الجميلة هند رستم (1929 ـــــ 2011) التي رحلت أول من أمس (راجع الكادر) وعاشت سنواتها الأخيرة في هدوء. «مارلين مونرو الشرق» كانت أجمل من أن تنسب إلى أحد. يعلّق قراء المواقع الإلكترونية على موت رستم بالدعاء لها بالرحمة والمغفرة. دعاء المغفرة طبيعي، لكنه يزداد في حالة الفنانين. ليست المسألة أن رستم كانت نجمة «إغراء». مشكلة هؤلاء مع الفن عموماً. دعوات مماثلة طاردت موت أمينة رزق، بل حتى فؤاد المهندس. أما هند، فاعتزلت قبل الزمن الذي صارت فيه الفنانة موزعةً بين العمل والإحساس بالخطيئة. هند لم تبرر نفسها ولم تشعر بأنها بحاجة إلى غفران. أما فنانات الإغراء الفج في السبعينيات، فاعتزلن لاحقاً وتحجّبن وتبرأن من كل شيء، قبل أن يعود معظمهن إلى مسلسلات دينية حتى انتهى هذا «البيزنس»، فعدن إلى أدوار «طبيعية» متحصنات وراء أحجبة ملونة. اعتزلت هند لأسباب لا علاقة لها بتحريم الفن، بل لأنّها ابنة الزمن الذي كان يؤمن بـ«صورة الفنان»، فقد فعلت ما فعلت ليلى مراد. المغنية الأسطورية التي اعتزلت في أوجها، منحت هند ظهورها الجماهيري الأول. في افتتاحية «غزل البنات» لأنور وجدي (1949) غنت مراد «اتمخطري واتمايلي يا خيل» وهي تركب حصانها. في الفيلم، كانت مراد ابنة الذوات العابثة، وخلفها كانت فتيات يحركن شفاههن بدلاً من الكورس. إحدى تلك الفتيات كانت الشابة هند حسين مراد رستم. بلى، لم يكن اسمها الفني مختلقاً. «رستم» هو جدها التركي الذي عمل ابنه حسين ضابطاً في البوليس المصري. ابنة مصر الكوزموبوليتانية كانت إسكندرانية مثل يوسف شاهين وعمر الشريف، ومثلهما أصبحت من علامات فن الأبيض والأسود.

في عمرها الثمانيني، لم تتوقع أن تعود صورتها مع الثورة المصرية لتغزو الجدران ضمن فنون الغرافيتي، صورتها في كل مكان وتحتها عبارة «هاجيبك من شرم يا سونة يا خاين». سونة على الجدران هو حسني مبارك. أما «سونة يا خاين» فكان عمر الشريف في «إشاعة حب» (1961). هنا ظهرت هند باسمها وصفتها الحقيقيين في الفيلم، كأنما إشارة إلى نجوميتها الهائلة في ذلك الوقت. الفيلم الذي أخرجه فطين عبد الوهاب جمع كوكبة ضمت إلى جانب الشريف ورستم كلاً من يوسف وهبي والصغيرة آنذاك سعاد حسني وعبد المنعم إبراهيم. مع ذلك، كانت رستم زهرة الفيلم ونجمته الأولى وضيفة شرفه. بدت في كامل ألقها وخفة ظلها وهي تؤدي دور نفسها كنجمة معروفة، ثم تقدم أداءً معاكساً عندما أصبحت «هنومة» في علامة يوسف شاهين الخالدة «باب الحديد». هنا لم تكن مجرد بنت تبيع «الكازوزة» في محطة القطار الكبيرة، بل حلم «قناوي» (يوسف شاهين) ورغبته وأمنيته المستحيلة. فنانة «الإغراء» وضعت اسمها أربع مرات في قائمة أهم مئة فيلم مصري. بالإضافة إلى «باب الحديد»، هناك «رد قلبي» لعز الدين ذو الفقار (1957)، و«صراع في النيل» لعاطف سالم (1959)، و«بين السماء والأرض» لصلاح أبو سيف (1959).

74 فيلماً قدمتها بين الكوميديا والميلودراما والشر والتشويق. قبل ظهورها مع «النجمة» ليلى مراد، قدمت دوراً في «أزهار وأشواك» لمحمد عبد الجواد (1947)، لكنه كان صغيراً إلى درجة أن فرصتها التالية مع مراد كانت ظهوراً صامتاً لكنه كان البداية. لم تقصر أبداً في الذهاب من النقيض إلى النقيض، من الراقصة «شفيقة القبطية» لحسن الإمام (1962) إلى «الراهبة» (1965) للمخرج نفسه، وكان إسماعيل ياسين في أوجه عندما شاركته «لوكاندة المفاجآت» لعيسى كرامة (1959)، ربما كان أكثر أدوارها جدية دورها القصير في «كلمة شرف» لحسام الدين مصطفى (1973)، وهو أحد أدوارها القليلة بالألوان. في نهاية العقد ذاته، قدمت «حياتي عذاب» لعلي رضا (1979)، قبل أن تغلق بابها عليها في حي الزمالك.

(عن “الأخبار”)

أين النجوم؟

شيّعت هند رستم أمس في مسجد السيدة نفيسة في القاهرة. وكان لافتاً غياب أغلب الفنانين المصريين عن مراسم الوداع الأخيرة للنجمة الراحلة. ولم يحضر إلى الجنازة سوى قلة من الوسط الفني، بينهم إلهام شاهين، وسمير صبري، والمنتج محسن علم الدين ونقيب الممثلين أشرف عبد الغفور. يذكر أن التعازي برحيل رستم تستمر اليوم في مسجد الشرطة في القاهرة.

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>