نظرية المُشاهِد/ سوزان هيوارد

نظرية المُشاهِد/ سوزان هيوارد

لا يقتصر تحليل المُشاهِد في السنوات الاخيرة على “المُشاهِد بوصفه ظاهرة نفسية”، فالنقاش آخذ بالتوسع، ليُشكل المُشاهِد كمُراقِب، حقلا مُوازيا وهامًّا للدراسة

image001

.

|سوزان هيوارد|

|ترجمة واعداد: هشام روحانا|

هشام روحانا

هشام روحانا

لقد بدأ التعامل مع المُشاهِد كقَضية نظرية في بِداية السبعينيات من القرن المنصرم وذلك بتأثير كلٍ من السيمياء (1) والتحليل النفسي على نظرية النقد السينمائي، بيد أنّ العلاقة ما بين السينما واللاوعيّ ليست بالموضوع الجديد، فالسينما كوسيط للرَغبة اللاواعية، وكذلك الشاشة بما هي موقعٌ ملائمٌ لعرض النشاط النفسي الداخلي- هي قضايا تمت مُناقشتها نَظريا في العِشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي. ولقد تمت عندها مُقارنة آليات الحلم واللاوعيّ مع الفيلم، الا أنَّ تأثير التجربة السينمائية على المُشاهِد بدأ يَحتل حَيّزا متزايد الاهمية في منتصف السبعينيات.

مرت نظرية المُشاهِد بثلاثة مراحل. في المرحلة الأولى نَظر كلٌ من باودري (Baudry) بيلور(Bellour) وميتز(Metz) إلى السينما من خِلال نَظرية الجِهاز والدّال الخياليّ بهدف تفسير ما الذي يحدث للمُشاهِد في صَالة العرض المُعتمة شَاخصا بنظرته المُحدِقة إلى الشاشة.

تضمنت المرحلة الثانية، مرحلة النظرية النقدية النسوية ما بعد 1975 فرضيات ” طبيعية”، مُعتبرةً أن الموقع الذي يُمَوضْعُ فيه المُشاهِدُ هو موقعُ زاويةِ النظر الذُكورية والتي يتم من خِلالها مُصادقةٌ غيرَ إشكاليةٍ على تجديد المسار الأوديبي. لقد قامت الناقدة والمخرجة لورا مالفي (Laura Mulvey) بتوجيه النقد اللاذع لهذا المُوقع (يُنظر ” اللّذة البصرية وسينما السَرد“( 2)).

 في المرحلة الثالثة من نظرية النقد السينمائي في الثمانينيات (وهي نسوية في أغلبها) ظهرت وفي ردة فعلٍ على ما أثارته كتابات مالفي أبحاثٌ نظريةٌ إضافيةٌ وسَعت دائرةَ النِقاش وأحضرت توجهات نظرية إضافة للتحليل النفسيّ. سيتم هنا إيجاز هذه المراحل الثلاثة ونِقاشها.

يتم في المرحلة الأولى لنظرية النقد السينمائي اعتماد نظرية فرويد حول دوافع الليبيدو لدى الطفل ونظرية لاكان حول مرحلة المِرآة، من قبل كل من باودري بيلور وميتز من أجل تفسير اشتغال الفيلم على مستوى اللاوعيّ. وبالاعتماد على التَناظر ما بين الشاشة والمِرآة يتم الحديث هنا عن علاقة المُشاهِد مع الشاشة من قِبَل هؤلاء النقاد الثلاثة، ليؤكدوا على أن مُشاهَدة الافلام تُفعِل مسارات لا واعية ترتبط بقبول التمايز الجنسي أولاً واللغة ثانياً والاستقلال الفردي أو الذاتي ثالثاً (ينظر التوسير ونظرية الفيلم 3). وبكلمات اخرى في كل مرة نشاهد فيها الافلام هنالك تكرارٌ للمسار الأوديبي، مما يعني وبالضرورة أن ذاتّ السَرد (أي الذاتّ التي يتوجه اليها السرد) السينمائي هي ذَكر. دعنا نُفرِغُ هذه الحُمولة.

يُنتج الجهاز السينمائي وفقاً لباودري (1970) موقعا ايديولوجيا مُحددا من خِلال منظومة التَمثُل- العرض وآلياتها (الكاميرا، الاخراج، العَرض على الشاشة، المُشاهِد أمام الشاشة). إنّ هذا الموقع هو موقع ايديولوجي، ذلك لأن السَرد السينمائي يحجب الاشتغال القائم في صناعة الفيلم [أي ان الفيلم المعروض في شكله النهائي هو منتوج تم اعداده من خلالا الاشتغال على مشاهد وصور جُمِعت ومُنتجت وأُخرجت لكي تأخذ هذا الشكل تحديدا]، مما يُبقى المُشاهِدَ تحت تأثير الانطباع بواقعية ما يشاهده. وتَمنح هذه السَلاسةُ المُشاهِدَ الانطباعَ برؤية مُوحَدة، يكون هو فيها المُسيطرُ على ما يراه. يُؤمن المُشاهِد بأنه هو من يَصوغ ويُؤلف معاني النَص السينمائي مُلتحما بمثاليةِ هذا “التأثير بواقعية” ما يُشاهده- وجميع هذا يزود باودري بدلائلَ لما يُسميه ” المُشاهِد المُتعالي” (الحائِز على السيادة). وفي الواقع، وبادعاء باودري، فإنَّ العكسَ هو الصحيح: حيث أنَّ المُشاهِد هو من يَتم بِنائه من قِبَل معاني النَص. ولهذا فإن الجِهاز السينمائي هو من يقوم باستجواب (Interpellation) (4) الذاتّ بوصفها نتاجا للنص. لاحقا (1975) يقوم باودري بالانتقال من هذا الموقع التأويلي للجهاز السينمائي وتداعياته الايديولوجية و، ذي التوجه المُضاد- للإنسانية، إلى تَبني توجهات أكثرَ فرويدوية مُركزا على قُدرة السينما على تجسيد الرَغبة النفسية، ويُقِر أيضا بالانكفاء (نحو الطفولة) المتضمن في مَوْضَعة المُشاهِد موقعَ الذاتّ الراغبة- نقطة يقوم ميتز بتطويرها لاحقاً.

يتحدث بيلور(1975) عن قيام السينما بتوظيف مُتزامن لكل من الخياليّ(الانعكاس، المِرآة) والرمزيّ(من خلال خِطاب الفيلم بوصفه لغةً). عندما يُعايش المُشاهِد التجربة السينمائية فإنه يتماهى أولا مع الجِهاز السينمائي: يقوم الكشاف الضوئي(Projector) بوظيفة شَبيه بوظيفة العين. ثَانيا فإنه يتماهى نَرجسيا مع الصُورة، ومن ثم بالتوازي مع انتقاله من الخياليّ إلى الرمزيّ، فإنه يَرغب في الصورة. يتضمن تعريف بيلور لعلاقة المُشاهِد-الشَاشة، وهي علاقة باتجاه واحد، فِكرة التلصُص التلذذي واستراق النَظر.

يُكرِر ميتز ادعاءات بيلور مُتحدثا عن مَوْضعة المُشاهِد والنواحي التلصُصية التلذذية في مُشاهدِة الفيلم حيث يتماهى المُشاهِد مع النَظرة(يُنظر، مدخل لاستخدامات التحليل النفسي في النقد السينمائي (5)). يعتمد ميتز على التَناظر ما بين الشاشة والمِرآة، فيُنظِر لموقع المُشاهِد بوصفه مَوقعا قبل- أوديبي، أي يعود إلى مرحلة الاتحاد الخياليّ مع النَفس، لكنَّه من خلال نِقاشه للمُمارسة السينمائية بوصفها دالا خياليا يُدخِل تعقيدات منظومة الحضور\الغياب. تجعل السينما مما هو غَائِب (الخياليّ) حَاضِرا (الدّال)- أي انها تَعرض للمُشاهَدة تَسجيلا لما هو غائب، ويعني هذا اللعب على الحضور\الغياب أننا نواجه اكتمالا خياليا للصورة الغائبة للطفل في المرآة (Lapsley and Westlake, 1988, 82). يُدرِك المُشاهِد وَهمَ هذا الاتحاد الخياليّ مع النَفس ليواجه شُعورا بالفُقدان، ويُشبِه هذا المَسار بخصائِصه المَسار الذي يمرُ فيه الطفل في مَرحلة المِرآة. يَنظر الطفلُ الذَكر إلى المِرآة فيرى صورَته ويتماهى مع نفسه (نرجسياً) تَماهيا خاطفا، ليُدرِك لاحقا اختلافَه عن أمه التي تفتقد عضو الذكورة. ويكون رَد فِعله عندها بطريقتين. يرغب أولا بإعادة التوحد مع الام وتكون مُحركات هذه الرغبة مُحركات ذاتّ طابعٍ جنسيّ. وثانيا يُنكر الطفل هذا الاختلاف ومن خلال هذا الانكار-بسبب خوفه الخاص من الخِصاء- يبحث عن عضو الذكورة لدى الانثى (في مسار فيتيشي). يتم اعادة تفعيل هذا المسار الأوديبي في السينما من خلال السَرد، كما وايضا من خلال علاقة المُشاهِد- النَص (نكرر هنا بان فرضية ذكورية الذاتّ هي فرضية ميتز).

المرحلة الثانية لقد بَرَزت إلى السطح مجموعة من الاشكاليات مع مِثل هذا التَنظير للذاتّ المُشاهِدة، بِدئاً من اعتماد الفرضية القائلة بان التأمل يَسير في اتجاه واحد (من المُشاهِد إلى الشاشة)، وبأن موقع المُشاهِد هو موقع ذكوري حَصراً، وبأن الفيلم يُنظَم بشكل يؤدي إلى قِراءة مُحددة وذات أفضلية على سِواها. ولم يتم استيضاح هذه المسائل الا بتأثير النص الرائد للورا مالفي (” اللذة البصرية وسينما السرد” 1975)، والذي سَعى نحو مُعاينة قضية المُشاهِدة الأنثى داخل الجهاز السينمائي والإطار النفس تحليلي الذي أسس له هؤلاء المنظرون الثلاثة الذين أتينا على ذكرهم سابقا. ويشكل عمل مالفي هذا نقطة انعطاف في نظرية الفيلم، حيث أنه أدخل مسألة التمايز الجنسي بشكل لافت للنظر بوصفه حقلا بحثيا إلزاميا. وفي حقيقة الامر فإن مالفي تَقصدت أن تكون مُساهمتها ذات طابع تحفيزيّ ولقد أقرت أن القضية هي قضية جِدالية مُتعمَدة. ولقد قامت في مقالتها هذه ببحث اشكال تأثير السينما بواسطة رُموزها وتقاليدها المُتبعة في بناء الطريقة التي يجب أن يتم فيها النظر إلى المَرأة، بِدئا من اتخاذ زاوية النَظر الذُكورية في الفيلم ولاحقا لدى المُشاهِد الذي يتماهى مع الشخصية الذكورية أو البطل الذكر. وقامت بوصف مسار الرؤية هذا ب”حب النظر” Scopophilia (ينظر في مرجع رقم 5(.

لقد قامت مالفي في مقالتها هذه بإيضاح نتائج استجابة اللاوعي الذكوري المُزدوجة كما أشار اليها ميتز( اثارة الرغبة والمسار الفيتيشي) على كل من السرد السينمائي وعلاقة المشاهد-النص، ذلك أنَّ جَنسنة (sexualization أي التعامل مع المرء بوصفه موضوعا جنسيا لا غير) وشَيئنة (غَرضنة) الانثى، مَنظورا اليها من زاوية النظر الذُكورية ليس هو أمرُ رَغبة فحسب، بل هو أيضا خوفٌ أو فزعٌ من الخِصاء. وأظهرت مالفي كيفَ تقوم الكاميرا (والمُشاهِد لاحقا) في أول رَدة فعل لاواعية بجعل الشكل الانثوي موضوعا فيتيشيا، من خلال تركيز الانتباه إلى جَماله وكَماله وبَداعتِه. ومن خلال جعلها جسدَ المرأة موضوعا فيتيشيا تُنكر الكاميرا إمكانية الخِصاء، جَاعلة من هذا الجسد ما يشبه عضو الذكورة (حيث انه لم يعد يرمز إلى نقص ما) مما يبعث على الطمأنينة. وتُحدد مالفي التلصُص التلذذي على أنه الشكل الآخر لرَدة الفِعل اللاواعية لهذا الخوف من الخِصاء. وتمثل هذه النظرة المُحدِقة ذات الطابع التلصُصي التلذذي الرَغبة في السيطرة وإنزال العقاب (بمن يُظَن) بأنه مَصدر القلق من الخِصاء، إلى الحدّ الذي يصل فيه هذا الامر إلى تصفية الانثى (تورد مالفي الفيلم الاسود “film noir” كمِثالٍ على هذا، لكن المِثال الاكثرَ تطرفا هو فيلم- Peeping Tom ، يُنظر في مرجع رقم 5 ).

وبما أن معظم السرديات في افلام السرد السينمائي تسير في نفس المسار الاوديبي وترتبط ارتباطا وثيقا بالمدارك والاوهام الذكورية حول المرأة ( الاختلاف الجنسي، النقص، الخوف من الخصاء، وما اليه) فإنَّ مالفي تمضي متسائلة حول ما الذي يحدث اذا للمشاهد-الانثى؟ وكيف تُحصَّل الانثى لذتها البصرية؟. لم تستطع مالفي الخُلوصَ إلا إلى انه مُحتومٌ عليها إما التماهي مع الموقع الخَامل والفيتيشي لشخصية المرأة المعروضة على الشاشة (موقع انعدام اللذة وانعدام عضو الذكورة وموقع الدّال على تهديد الخصاء) أو أنها لكي تُحصَّل هذه اللذة عليها التماهي مع موقع الذكورة (كالشخص الذكر الثالث [إضافة للمشاهد الذكر وبطل الفيلم الذكر]).

المرحلة الثالثة لقد أثار الجِدال الذي قدمته مالفي رُدود أفعال قوية (كما كانت تأمل) من قِبل النقد النسوي، وتم الاشتغال خلال العشرين سنة التي تلت مقالها على اعادة النظر والعمل على، وتوسيع دائرة فرضياتها الاولى. وفي محاولة لدحض التمركز-القضيبيّ(6) (Phallocentrism) في فرضيات مالفي قام كل من سيلفرمان (Silverman1981) وستودلار(Studlar 1985) بالتنظير للسينما على أنها بُنية مازوخية في جوهرها، حيث أنَّ المُشاهِد يُحصِل اللّذة من خلال تموضعه الخامل أو المُذعِن. أما دوان (Doane 1984) فإنها تنطلق من هذه الاعمال نحو الادعاء بأن موقع المُشاهِدة الانثى هو موقع مزدوج. فإما أن تتبنى المُشاهِدة الموقعَ المازوخي (متماهية مع الدور الخامل لشخصية الانثى في الفيلم) وإما أنها تتخذ موقع المتزيّي- المتشبّه(7)[ Transvestism] (متماهية مع البطل الذكر- الموقع الفعال). تُحذر مالفي في مراجعة لها لمقالتها الاصلية من مثل هذه التفكير ذي الاحكام الثنائية. وبالفعل فإن بعض الناقدات النسويات بدأ ينظر إلى علاقة المُشاهِد بهويته الجنسية كعلاقة ليست بمثل هذا الثبات، بل انه من الممكن الافتراض وجود ثنائية جنسية في موقع المُشاهِد ذكرا كان او أنثى، بحيث يتنقل هو أو هي بينهما ، جيئة وذهابا – مما يوحي بأنَّ موقع المُشاهِد ليس موقعا أُحادي الجانب (إما هذا أو ذاك) بل هو موقع انسيابي ومتعدد.

تقوم مودلِيسكي (Modleski 1988, 98) بالإشارة بإيجاز إلى الازدواجية الجنسية في موقع المُشاهِد. المُشاهِد-الانثى ترغب بشكل مزدوج، ذلك لأنها عندما مرت في مرحلة المِرآة فإنَّ موضوع حبها كان الأم، ولكنها من أجل أن تصل إلى ” الانثوية العادية” عليها أن تبتعد نحو الاب بوصفه موضوع الرَغبة. لكن الرَغبة الأولى لا تنطفئ أبدا. وبهذا فإن موقع الازدواجية الجنسية للمُشاهِدة يعود في جوهره إلى علاقة الام\الابنة. يُشبه المُشاهِدُ الذكر البطلَ الذكر على الشاشة، إنه يكبت في معظم الاوقات نسويته (مما ينعكس في العادة عقابا يُنزله بالأنثى جزاءً لهذا). لكن وكما تُشير مودلِيسكي فإنه قد يَجِد نفسه في موقع الازدواجية الجنسية إذا ما تنقلت شخصية البطل الذكر بين الموقع الفعال والموقع الخامل.

على انه يجري توسيع التساؤل المُتصِل بموضوع المُشاهِد كذاتٍّ ذاتَ علاقة بإنتاج المعنى. فالمُشاهِد ليس في موقع الذاتّ الخامِلة التي يتم استجوابها من قِبل الشاشة. إنها أو أنه ت\يمتلك موقعً السُلطة التي يستطيع من خلالها صياغةَ معاني الصورة والصوت(وفي الحقيقة فإن الصوت يقلل من كمال تشبيه الشاشة بالمِرآة ). ومع أن تكوين السينما يَهِب وبشكل بارز المُشاهِدَ معلومات أكثرَ مما لدى الشخصيات على الشاشة (على الاقل في السينما السردية التقليدية)، وبالتالي فإنه ليس بالضروري أن يتموضع المُشاهِد في موقع واحد ووحيد في علاقته بهذه الشخصيات (كما تود “نظرية الجهاز” أن يكون). وتوضح كوي (Cowie 1984) الأمرَ في نقاشها عن الفيلم بوصفه هواماً. ففي إعادة للتفكير بمواصفات الهوام الثلاثة كما يحددها لابلانش وبونتاليس (المشهد الأولي، هوام الإغواء وأوهام الخِصاء)( 8) ، وجميعها مشاهد تركيبية للرغبة، فإنها تصل إلى تحديد أن المُشاهِد، بوصفه ذاتّاٌ من أجل النص السينمائي \ وذاتّاٌ هي صَنيعةُ النصِ السينمائي، يستطيع احتلال مواقع مختلفة. لا يتم إذا إحلال المُشاهِدة\ المُشاهِد في موقع أحادي، بل إنها\ أنه ت\يستطيع احتلال مواقعَ مُتناقضة. خُذْ على سبيل المثال الفيلم “جاذبية قاتلة” للمخرج أدريان لين (Fatal Attraction Adrian Lyne, 1987)- من الممكن في هذا الفيلم التماهي في اوقات مختلفة داخل السرد مع مواقع مختلفة كموقع العشيقة، الزوج أو الزوجة.

جاذبية قاتلة Fatal Attraction

جاذبية قاتلة Fatal Attraction

تجب الاشارة هنا إلى أن الممثلة جلين كلوس (وهي التي أدت دور العشيقة) قد صُدمت وعَبرت عن امتعاضها من رَدة فِعل المُشاهدين المُبتهجة عندما أُطلقت الزوجة على العشيقة النار فأردتها قتيلة. ولقد كانت تفترض (بسذاجة) ان التَعاطف او التماهي يجب ان يكون من حظ شخصية العشيقة.

لقد أظهرت هذه المراحل الثلاثة من النقاشات حول موقع المُشاهِد والتماهي، الابتعاد عن وجهة النظر الأولى والأُحادية الجانب لموقع المُشاهِد (كذاتٍّ للجهاز السينمائي) نحو رؤية أكثر تنوعاً.

انها قضية مزدوجة، حيث أنَّ تحليل المُشاهِد لا يقتصر في السنوات الاخيرة على “المُشاهِد بوصفه ظاهرة نفسية”، فالنقاش آخذ بالتوسع (بفضل مساهمات الدراسات الثقافية) ليُشكل المُشاهِد كمُراقِب، حقلا مُوازيا ومُهما للدراسة. ولقد تم وضع نماذج تجريبية وتاريخية للمُشاهِد أو المُراقِب. وفي ما يتعلق بهذا فإنَّ سيرورة المُشاهَدة تُعتبر قضية متعلقة بمجموعات تعيش تحولات تاريخية. تمر شعبية السينما بتغيرات على مر الزمن تُأثِر وتَتأثر بشكل مختلف وفق طبيعة هذه المجموعات. ويتم تحليل المُشاهَدة في علاقتها بالتناص (Intertextuality)( 9) أي استكشاف جميع النصوص التي تدور حول النص الفعلي للفيلم وتأثيراتها على المُشاهِد أو القارئ. ومن ثم هنالك دراسة تأثيرات عرض الافلام واستعراض تأثيراتها على المُراقِب من حيث لذة المُشاهَدة والتماهيات. وأخيرا هنالك دِراسات المُراقِب- المُتلقي والتي بدأت في دِراسات التلفزة، وتتركز بعملية اصطفاء المشاهدين والتعرف على الاختلافات في قراءة وتلقي الفيلم وفق الطبقة، العنصر، الجندر، الجيل، العقيدة والقومية.

عنوان المقالة الأصليّة: “Spectatorship theory” By Susan Hayward. المصدر:  Cinema Studies: The Key Concepts, By Susan Hayward; 348-352

__________________________________________________________________

ملاحظات المترجم:

(1)      السيمياء : السميوطيقا : Semioticsعلم يدرس أنساق العلامة والدلالة والرمز، سواء أكانت طبيعية أم صناعية. وتُعدّ اللسانيات جزءا من السيميائيات التي تدرس العلامة أو الدلالة اللغوية وغير اللغوية، في حين أن اللسانيات لا تدرس سوى الدلالة اللغوية.

(2)      اللّذة البصرية وسينما السَرد، لورا مالفي، ترجمة هشام روحانا في ملحق الاتحاد وفي موقع قديتا جزء 1 و2 بتاريخ 18-04-2014 و 25-04-2014.

(3)     التوسير ونظرية الفيلم ترجمة واعداد هشام روحانا ملحق الاتحاد وموقع قديتا 14-03-2015

(4)   Interpellation الاستجواب مفهوم وضعه لوي ألتوسير مشيرا إلى المسار الذي تتشكل فيه الذاتّ الإنسانية الفردية في علاقتها مع النظام المهيمن بتأثير أجهزة الدولة الأيديولوجية (المدرسة الاعلام الدين القانون الاحزاب النقابات …) فتقبل طواعية موقعها الطبقي وكأنه موقعها الطبيعي وخيارها الخاص مما يهدف في نهاية الامر لإعادة انتاج النظام الطبقي وديمومته.

(5)      مدخل لاستخدامات التحليل النفسي في النقد السينمائي، 1 و2 ، ترجمة واعداد هشام روحانا، في موقع قديتا وملحق الاتحاد 11-01-2014 وفي 18-01-2014.

(6)      Phallocentrism التمركز القضيبي: مصطلح في النظرية النقدية والتفكيكية وهو نحت من كلمتين فالوس ومركز وضعه دريدا في اشارة إلى تفضيل الذكورة –الفالوس- في عملية بناء المعنى.

(7)      Transevstism ممارسة تتضمن التشبه بالجنس الآخر من حيث اللباس والسلوك.

(8)      المشهد الأولي هو مشهد العلاقة الجنسية للوالدين التي يلاحظها الطفل أو يفترض وجودها استنادا إلى بعض المؤشرات، مشهد الغواية هو مشهد حقيقي او هوامي يتعرض فيه الطفل إلى ما قد يفسره لاحقا على أنه جنسي، هوام الخصاء هو التفسير الذي يلجئ له الطفل لتفسير الفارق التشريحي بين الطفل الذكر والأنثى، يفترض الطفل وجود عضو الذكورة لدى جميع الاطفال، الا انه يحين يكتشف أن البنت لا تمتلكه يفترض أنه قد تم بتره عقابا لها ، يخشى الطفل أن ينفذ الأب الخصاء عليه مما يولد لديه قلق الخصاء(ينظر، معجم مصطلحات التحليل النفسي لابلانش وبونتاليس ترجمة مصطفى حجازي).

(9)      التَّنَاصُّ (Intertextuality) ويترجمه الغامدي إلى “التداخل النصي”: مصطلح نقدي يُقصد به وجود تشابه بين نص وآخر أو بين عدة نصوص . وهو في معناه الخاص كما صاغته جوليا كريستيفا يشير إلى العلاقات المتبادلة بين نص معين ونصوص أخرى، بوصفه مجموعة غير مغلقة من الدلالات والرموز يحيل الواحد فيها إلى آخر، ولا يعنيها هنا تأثير نص في آخر أو تتبع المصادر التي استقى منها نص ما تضميناته من نصوص سابقة ، بل تعني تفاعل الدلالات والرموز فيما بينها. أما العلاقات التناصية بمعناها الأعم فتشمل إعادة الترتيب، والإيماء أو التلميح المتعلق بالموضوع أو البنية والتحويل والمحاكاة، ولقد أشار تيودوروف إلى المصطلح عرضيا بقولهً “أنه من الوهم أن نعتقد بأن العمل الأدبي لـه وجود مستقل، أنه يظهر مندمجاً داخل مجال أدبي ممتلئ بالأعمال السابقة وعليه يدخل كلّ عمل فني في علاقة معقدة مع أعمال الماضي”. 

(الكرمل- 31-03-2015)

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>