المرأة من وجهة نظر التحليل النفسي للاكان

على عكس الرجولة، وهي وظيفة كلية وتتأسّس بالخروج عن القاعدة الفالوسية (الخِصاء)، المرأة هي لا- كُلية (non-universal)، لا تتسع لأيِّ استثناء. تقارن المرأة هنا مع الحقيقة، إذ أنهما يشتركان بمنطق الـ “ليس الكُل” (لا وجود لـ “كل النساء”، لا وجود لـ”كل الحقيقة”)…

المرأة من وجهة نظر التحليل النفسي للاكان

miniature

مترجم عن كتاب :“AN INTRUDICIONARY DICTIONARY OF LACANIAN PSYCHOANALYSIS”  لمؤلفه Dylan Evans.

|ترجمة وإعداد: هشام روحانا|

hisham-rohana-qadita

إن تفسير فرويد للفرق بين الجنسين قائم على الموقف القائل بأنّ هناك مميزات نفسية محدّدة، يمكن وصفها بـ “الذُكوريّة”، وأخرى يمكن وصفها بـ “الأنثوية”. تتفارق هاتان المجموعتان من المميزات في ما بينها بوضوح. إلا أنّ فرويد كان يرفض باستمرار وضع أيّ تشخيص تفصيلي يحدّد ما هو “ذَكَري” وما هو “أُنثوي”، بادّعاء أنّ هذه هي مفاهيم أساسية من الممكن استعمالها، دون أن تتم إحالتها إلى النظرية النفس-تحليلية (Freud, 1920a: SE XVIII, 171).

 واحد من مميزات هذا التعارض، أنّ هذين المفهومين لا يقومان بوظيفتهما بالتوازيٍ. ففرويد يرى في الذُكورة نموذجًا (باراديجما)، مُدّعياً أنّ هناك ليبيدو واحدًا وهو ذُكوريّ، وأنّ التطوّر النفسي للطفلة مطابق للتطوّر النفسي للطفل، ليفترقا لاحقا وفي طور متأخر. فالأنوثة هي ما يفترق لاحقاً عن الباراديجما الذُكورية، وينظر إليها فرويد كمنطقة غامضة وغير قابلة للمعرفة، “قارة ظلماء” (Freud 1926e,SE:XX,212). ويبدأ ” لغز الطبيعة الأنثوية” (Freud1933) بإشغال فرويد في كتاباته المتأخّرة، الأمر الذي يقوده لطرح التساؤل: “ما الذي تريده المرأة؟”. الذُكُورة هي معطى مفهوم من تلقاء نفسه، أما الأنوثة فهي منطقة المجهول:

“وفق الطريقة الخاصة به فإنّ التحليل النفسي لا يحاول تعريف المرأة وما هي (وهذا سؤال من الواضح أنه لا يستطيع الإجابة عليه)، وإنما يحاول أن يبحث كيف تحضر المرأة إلى الوجود، كيف يكبر الطفل ذو الميول الجنسية المزدوجة ليغدو امرأة؟”( Freud 1933)

قلما يتطرق لاكان في سنوات ما قبل الحرب إلى النقاش حول الأنوثة، ومن خلال عبارات قليلة يتطرق لوظيفة الأم في عُقد العائلة (Lacan 938). وفي سنوات الخمسين يتعرّض للموضوع من خلال مصطلحات صيغت بمفاهيم يستقيها من كلود ليفي شتراوس، ويتم إدراك النساء (إنثروبولوجيًا- ملاحظة المترجم) كموضوع مقايضة يتنقل بين مجموعات القرابة كدوالّ (Levi Strauss 1949b): “المرأة في النظام الواقعي تُستخدم [...] كموضوع للمبادلات المطلوبة للبنى الأساسية للقرابة” (E,207). يدّعي لاكان أنّ هذا الوضع الذي تُدفع فيه المرأة لأن تُستخدَم كموضوع للتبادل، هو في الحقيقة مصدر الصعوبة في الموقع الأنثوي:

“من وجهة نظرها هناك شيء ما، قاهر، أو لنقل لا يمكن الدفاع عنه، حقيقة أنها توضع في منزلة الموضوع داخل النظام الرمزيّ، والذي تنصاع له كما ينصاع الرجل”(S2:262).

تحليل لاكان لحالة “دورا” يُبرز هذه النقطة: الشيء الذي لا تستطيع دورا أن توافق عليه هو هذه المنزلة التي تضعها كموضوع تبادل بين والدها وبين السيد “ك” (Lacan1951a). وضعية المرأة في هذا الموقع كموضوع للتبادل تعني أنّ للمرأة “علاقة من درجة ثانية مع النظام الرمزيّ” (S2:262، يُنظر أيضًا: S4:95-96).

يتبنى لاكان في عام 1956 الربط المتعارف عليه بين الهستيريا والأنوثة ويدّعي أنّ الهستيريا  ما هي إلا سؤال الأنوثة عينه، السؤال الذي يمكن صياغته “ما هي المرأة؟”، وهو الأمر الذي ينطبق على الرجل الهستيريّ كما على المرأة الهستيريّة، على حدّ سواء (S3, 178). لا يُشير المصطلح امرأة ها هنا إلى ماهية بيولوجية ما، وإنما لموقع في النظام الرمزيّ، والمُساوي في المعنى لـ “الموقع الأنثويّ”. ويدّعي لاكان أيضًا أنه “لا وجود لأيّ إمكانية  لترميز جنس المرأة بحدّ ذاته” إذ انه لا وجود لمقابل “للرمز الشائع بكثرة” لدى المرأة والذي يزوّده الفالوس (S3:176). إنعدام الموازاة في الترميز يؤدّي بالمرأة إلى المرور، في عقدة أوديب، عبر نفس الطريق التي يمرّ فيها الطفل، أي عبر التماثل مع الأب، ولكن الأمر أكثر تعقيداً لدى المرأة، إذ أنها مجبرة على استخدام تصوير (image) من الجنس الآخر لتكون قاعدة التماثل (S3:176).

يعود لاكان إلى مسألة الأنوثة عام 1958 وذلك في مقال عنوانه “ملاحظات موجّهه لمؤتمر عن الجنسانية الأنثوية” (Lacan 1958d). يتطرّق لاكان في هذا المقال إلى العوائق التي تعترض طريق النقاشات النفس-تحليلية بما يخص الجنسانية الأنثوية، ويدّعي أنّ المرأة هي الـ آخر مقابل الرجال والنساء على حدّ سواء: “يقوم الرجل ها هنا بتمرير رسالة تتحوّل المرأة بواسطتها إلى الـ آخر بالنسبة لشخصها، كما هي الـ آخر بالنسبة له“(Ec:732).

تظهر إسهامات لاكان الأكثر أهميه، في ما يتعلق بالنقاش حول الأنوثة، وكما لدى فرويد، في مراحل متأخّرة من أعماله. في سمينار عام 1972-1973 يتقدّم نحو مفهوم اللذة الأنثوية المتفرّدة، والتي تصل إلى “ما عبر الفالوس” (S20:92). هذه اللذة هي “في مرتبة المطلق“، كالنشوة الصوفية. من المحتمل أن تشعر النساء بهذه اللذة ولكنهنّ لا يعرفن شيئًا عنها (S20:94-95).

يرجع لاكان في هذا السمينار إلى معادلته المثيرة للجدل من السمينار عام 1970-1971: “المرأة غير موجودة” (la femme nexiste pas Lacan 1973a:60)، والتي يعيد صياغتها ها هنا من جديد كـ “لا وجود لـ أل- مرأة ” ( Lacan S20:91

il n`y pas La femme). وكما هو ظاهر في النص الفرنسي فإنّ لاكان لا يشكّك بوجود اسم العلم “امرأة” وإنما بإمكانية تعريفها من خلال ألـ التعريف. في الفرنسية يشير التعريف إلى التعميم، وهذا بالضبط ما ينقص النساء: “لا يمكن التعميم لدى النساء ولا حتى تحت التعميم الفالوسي“(Lacan 1975b). لهذا فإنّ لاكان يضع خطاً شاطبًا على أل التعريف كلما سبقت مصطلح femme ، أي كما يفعل عندما يضعه على الحرفA   لكي يخلق رمز الـ آخر المتشظّي، إذ أنه كما المرأة، كذلك الـ آخر غير موجود (يُنظر، خط الكسر). ولكي يؤكّد على الأمر فإنه يتحدّث عن المرأة على أنها “ليست كلها” (pas toute S20:13)؛ فعلى عكس الرجولة، وهي وظيفة كلية وتتأسّس بالخروج عن القاعدة الفالوسية (الخِصاء)، المرأة هي لا- كُلية (non-universal)، لا تتسع لأيِّ استثناء. تقارن المرأة هنا مع الحقيقة، إذ أنهما  يشتركان بمنطق الـ “ليس الكل” (لا وجود لـ “كل النساء”، لا وجود لـ “كل الحقيقة”) (Lacan 1973a:64).

يصرّح لاكان في عام 1975 بأنّ “المرأة هي عارض” (Lacan 1974-1975 Seminar 21-01-1975 ) ولمزيد من الدقّة: المرأة هي عارض لرَجُلٍ، بمعنى أنها يمكن أن تدخل الاقتصاد النفسي للرجال فقط كموضوع هوام (a) كسبب الرغبة لديهم.

أصبحت ملاحظات لاكان بما يتعلق بالمرأة والجنسانية الأنثوية مثارَ جدل، ومحطّ انقسام في النظرية النسوية. النشيطات النسويات اختلفن حول السؤال، هل يجب إعتبار لاكان حليفاً أم عدوًا لأهداف الحركة النسوية؟ يرى قسم منهن أنّ لديه توصيفًا حادّ النظرة للنظام الأبوي البطريركي، وأسلوبًا لتحدّي المفاهيم المتحجّرة عن الهوية الجنسانية (مثلاً Mitchell ,Rose). لكنّ أخريات يريْنَ في مفهوم النظام الرمزيّ ضمانة لاستمرار البطريركية الأبوية على حالها، كمعطى عابر للتاريخ، كما أنّ الموقع المفضل الذي يمنحه للفالوس ما هو إلا تكرار لكُره النساء (Misogyny)،  المزعومة لدى فرويد (مثلاً؛ Gallop 1982,Grosz 1990). لمزيد من الأمثلة والنقاش، يُنظر فيAdams and Cowie (1990)  وBernnan (1989) [ولتفسير وشرح لاكاني عن الجنسانية الأنثوية يُنظر Leader (1996)].

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>