بحضور العشرات: منتدى الجنسانية يفتح نافذة على “الجنسانية في الأدب والدين”

“لقاء اليوم هو خطوة أخرى في مسار تعميق وتذويت هذا الإرث الحضاري والتاريخي واللغوي، ومؤكدا على حضور الخطاب الجنساني في موروثه الثقافي، وأنه ليس خطابا مستوردا من الغرب”

بحضور العشرات: منتدى الجنسانية يفتح نافذة على “الجنسانية في الأدب والدين”

جمهور الندوة

.

|خدمة إخبارية|

نظم “المنتدى العربي لجنسانية الفرد والأسرة”، نهاية الأسبوع الماضي، ندوة ثقافية تحت عنوان “الجنسانيّة في الأدب والدين”، في مسرح الميدان بحيفا، حضرها العشرات من مختلف مناطق الداخل الفلسطيني.

وافتتحت الندوة بعرض مسرحي للفنان حنا شماس، أحد أعضاء المنتدى، تحت عنوان “الجنس في الجاهلية”، والذي تناول فيه موضوعات جنسانية تسود في أيامنا على مستوى السّلوكات واللغة، قدمها بقالب كوميديّ ساخر، مسجلا نقده على “ثقافة العيب والمحظور”، وعلى التربية والثقافة الجنسية التي ينكشف عليها أبناء هذا العصر.

ثم قامت عريفة الندوة، حلا إبراهيم، مركزة برامج المنتدى في منطقة المركز، بالترحيب بالحضور وتقديم تعريف للمنتدى ومشاريعه وأهدافه، قالت: “قبل خمس سنوات، وتحديدا بتاريخ 8 حزيران 2007، أعلن ’’المنتدى العربي لجنسانية الفرد والأسرة‘‘ انطلاقته من هنا، وفي تظاهرة ثقافية غنية، شارك بها المئات.. تظاهرة أراد بها المنتدى أن يرفع السقف ليضع التحدي أمامه بأنه لن يرضى بالحدّ الأدنى وسيسعى دائما للعمل بأسلوب مبدع ومعاصر يتخطى التقليدي المألوف، مثير، ويحترم العقول، ليساهم حتمًا في مسار الارتقاء بمجتمعنا نحو الأفضل.”

وأضافت: “لقد أردنا أن نكون منتدى تحكمه مبادئ احترام العقل والإنسان، أردناه أرضية نشطة لتبادل الخبرات والاكتشاف والانكشاف، أردناه موردًا علميًّا ومهنيًّا، أردناه محفّزًا للتغيير المجتمعيّ.”

وقالت أيضًا: “لم نرد له أن يكون ’’مؤسسة‘‘ بمفهومها الجّامد وبتركيبتها الهرمية التي تفرض نمطًا محدّدًا من شكل العلاقات بين الأفراد داخلها، أردناه منتدى سقفه السماء، لا حدود به للحلمِ والفكر والتناقض والمشاكسة، والعمل الفريقيّ وحرية التعبير، والمساواة في الأخذ والعطاء، مع الحرص على الجودة المهنية والعلمية في منهجية العمل.”

تخرج المئات من برامج المنتدى التدريبية والتوعوية

وتحدثت إبراهيم عن منجزات المنتدى خلال سنوات عمله الماضية، منها أنّ 500 شخص أنهوا التدريب المهني المتقدم الذي يقدّمه المنتدى، بالإضافة إلى المئات من خريجي الدورات التدريبية في المدارس والجامعات والمؤسّسات النسوية، واعتبرت أن من إنجازات المنتدى أنه استقل تماما في برنامجه التدريبي النسوي عن الجمعية الاسرائيلية لتنظيم الأسرة، معتمدًا على كفاءات أكاديمية ومهنية فلسطينية محلية.

وأشارت إبراهيم أنّ من إنجازات المنتدى تمكُنه في الآونة الأخيرة من تكثيف عمله في منطقة المركز المهمشة، والتي تشمل اللد ويافا والرملة، وأنه افتتح مشروعا للشباب، يركزه وافي بلال، وهو يهدف إلى إشراك القطاعات الشبابية المختلفة، للإسهام في بلورة الرؤى وصياغة التصورات المتعلقة بالحقوق الجنسانية.

ونوّهت إبراهيم إلى أنّ المنتدى أسّس موقعا الكترونيا يتناول الموضوعات “الجنسانية”، ليكون مرجعية علمية للمهنيين، وموردا معرفيا للناس عامة، وقد سجل 281 ألف زيارة خلال عام 2011؛ هذا بالإضافة إلى إنجازات عديدة أخرى.

واختتمت إبراهيم بالقول: “أردنا المنتدى فخورا بحضارته العربية ولغته الأصيلة، ومنتميا لمجتمعه العربي عموما والفلسطيني بشكل خاص.. أردنا أن نرد الاعتبار للغتنا، هويتنا، فأعدنا صياغة المصطلحات ونبشنا في الذاكرة والتاريخ والأدب، وخرجنا بتعبيرات مهنية عربية، كان لها تجلياتها التي عبر عنها غالبية من شارك بالورش التدريبية والفعاليات.”

وحول الندوة قالت إبراهيم: “لقاء اليوم هو خطوة أخرى في مسار تعميق وتذويت هذا الإرث الحضاري والتاريخي واللغوي، ومؤكدا على حضور الخطاب الجنساني في موروثه الثقافي، وأنه حتما ليس مجرد خطاب مستورد من الغرب.”

لحظة تكريم

إثر ذلك، قامت عريفة الحفل بدعوة مديرة المنتدى، السيدة صفاء طميش، لتكرم مركزة المشاريع في المنتدى، السيدة نزار هواري-شربجي على جهودها وعطاءاتها لإنجاح المنتدى ومشاريعه وتحقيق أهدافه. وجاء في كلمة طميش: “انطلاقًا من مبدأ احترام العقل والانسان الذي طالما تغنى به المنتدى، ارتأينا أن يصب ذلك في تقديم آيات الشكر والتقدير للأحياء منا وهم في أوج عطائهم وإسهامهم.. وقد اخترنا في كل مرة شخصًا ممن عملوا جاهدين وحرصوا على أن يصل المنتدى إلى ما هو عليه اليوم، واليوم كان اختيارنا لشخص واكب المنتدى منذ البدايات، منذ اللحظة الأولى التي بدأنا بها بلورة الرؤيا وصياغة مستقبل الحلم.. كان دومًا القلب النابض لعملنا، والأذن الصاغية والنفس المحتوية، وكان دائمًا الصوت الناضج الذي حل الخلافات والنزاعات بمداخلات هادئة واعدة تحمل الكثير من الفهم والعمق.”

وقالت أيضا: “شخص يعمل بجد ويحرص على المنتدى وموارده وطاقمه، ويتابع التفاصيل الصغيرة والكبيرة، نشيط ويبعث على المرح، رغم سنوات التعب والإرهاق والجد.. يعمل من وراء الكواليس، لا تعرفة المجموعات التي تمر علينا، ولا يظهر بالإعلام ولا يشارك في الأنشطة العلنية للناشطين بالميدان، حتى اسمه يعطي إحساسًا بأنه شخص آخر.. نود اليوم أن نكرم نزار، صاحبة الاسم المميز، المعطاءة والمحبة والصديقة والمرآة لنا جميعًا، والعزيزة على قلبي بشكل خاص.. كم نحبك وكم نحن سعداء بوجودك معنا في المنتدى.”

تضمنت الندوة إثر ذلك مداخلتين، الأولى كانت تحت عنوان “الجنسانية في الدين”، قدّمها الكاتب والباحث علي مواسي، من قسم الدراسات العربية والإسلامية في جامعة تل أبيب. أما المداخلة الثانية فكان عنوانها “الجنسانية في الموروث الجاهلي”، قدّمها الكاتب والباحث مسلم محاميد.

مواسي: الديانات السّماوية اعترفت باللذات والشهوات، وحثت على التكاثر

اِفتتح علي مواسي مداخلته معرفا بمفهوم الجنسانية في الدين، قائلا إن “هذا العنوان يشمل كل الموضوعات التي تدخل في علم الجنسانية من وجهة نظر دينية، عقائدية كانت أم فقهية تشريعية، وما يرتبط بها من أحكام وحدود إن وجدت، مثل الذكورة والأنوثة والتعدّدية الجنسية، والحمل والولادة والإرضاع، وتنظيم وتحديد النسل، والعقم، والحيض، والإخصاب الخارجي، والختان، والعذريّة، والمثليّة، والزنا، والاستمناء، وما يسمح للزّوجين أن يمارساه جنسيّا، ومفهوم الشّهوة واللذة، وأزياء النساء والرجال، وإجراءات التحول الجنسي، وما إلى ذلك.”

وحصر مواسي حديثه حول الجنسانية في الديانات السماوية الثلاث دون باقي الديانات، اليهودية والمسيحية والإسلام، موضحًا أنّ هناك مبادئ كلية تشترك فيها جميعًا، مثل أنّ تلك الديانات تتفق على أنّ التعددية الجنسية ثنائية، ذكر وأنثى، وأنها وإن كانت تذكر وتعترف بوجود النوع الثالث في نصوصها وفقهها، إلا أنها لا تتعامل معه بصفته شكلا من أشكال التعددية الجنسية الشرعية الطبيعية. ومن الأمور التي تشترك فيها الديانات جميعا كذلك، أن نصوصها المقدسة لا تجد حرجا في وصف مشاهد أو حوادث أو قصص أو موضوعات جنسانية، أكان ذلك بألفاظ مباشرة وصريحة، أم بشكل مجازي، فقصة النبيين يوسف ولوط مثلا، والآيات التي تتناول الحيض أو الزنا، أمور مشتركة ويرد ذكرها واضحًا وصريحًا في الكتب المقدسة.

وأشار مواسي إلى أنّ الديانات السماوية تعترف اعترافًا صريحًا باللذات والشهوات الغرائزية الانسانية، ومن بينها الجنسية، ولا ترى في الشهوة واللذة أمرًا محظورًا، كما أنها لا تحارب الجنس كفكرة عامة أصلية مجردة، إذ تحثّ على التكاثر والتزاوج والمتعة، ولكنها تخضع العمليات الجنسية إلى ضوابط وقواعد، قد تظهر بسيطة متى انقطعت عن التفاصيل، ولكنها في واقع الأمر أصبحت مركبة ومعقدة بسبب تفسيرات المفسرين وتشريعات الفقهاء والمؤسسات الدينية.

وتناول مواسي أسماء لمصادر ومراجع حول الجنسانية في الديانات السماوية، لإيضاح الجانب العلميّ التصنيفيّ المتعلق بهذا الحقل، وتوقف تحديدًا لدى المصادر العربية والاسلامية، مُبيّنًا أنّ العرب والمسلمين وضعوا عشرات المصنفات، إن لم يكن المئات، في هذا الحقل، ولعلّ أبرزهم الفقيه الشافعي والعالم اللغوي، الإمام جلال الدين السّيوطي (ت 849 هـ)، ومن كتبه “ضوء الصباح في لغات النكاح”، و”نواضر الأيك في معرفة النيك”، و”شقائق الأترنج في رقائق الغنج”، وغيرها، وهذا إن دلّ على شيء، فعلى أنّ المجتمعات العربية والإسلامية كانت متقبلة لهذه الموضوعات، حتى لدى رجال وعلماء دين كبار، وتناقشها بانفتاح أكبر بكثير مما هو سائد في أيامنا.

ثم تناول مواسي موضوعة “الزنى” نموذجا ليقارن بين الديانات الثلاث من حيث تعريفها لهذا المصطلح وتطوّر مفهومه ومعناه، وحدّ وأحكام مرتكب الزنى، وصفاته، والجدل التشريعي الفقهي حول هذه الموضوعة، مبينا الخلط الكبير بين حقائق المفاهيم الدينية المنصوص عليها، وبين الثقافة السّائدة المنتشرة في أيامنا، والمتأثرة من مسقطات العادات والتقاليد وقيم المجتمعات الحالية، وموضحًا من جهة أخرى حجم تحكّم النصوص الدينية بتفاصيل حياة الناس في القضايا الجنسانية، وخاصة من خلال المؤسّسات والمحاكم، حتى وإن ادعى المرء أنه علماني مدني، فالغالبية العظمى تخضع لفقه الفقهاء وتشريعات المشرعين دينيًّا.

محاميد: بين الغزل العذري والإسفاف

أما المداخلة الثانية، والتي قدمها مسلم محاميد، فافتتحها بالحديث عن مفهوم “الجاهلية”، وعن صورة المرأة في الشعر الجاهلي، فقال إنّ “للمرأة في الشّعر الجاهليّ، كما في الثقافة العربية الجاهلية، صورًا متعدّدة ومختلفة، ولكننا نقصر وقفتنا على المرأة في الشعر الجاهلي من حيث الجنسانية، ومن خلال جانب يسير من جوانب الثقافة الجاهلية، ألا وهو الشعر وبعض الأدب.”

وأضاف: “إذا كانت المرأة كيانًا اجتماعيا متكامل المعالم، فإنّ أحد معالمها البارزة هو ميل الرجل إليها؛ وميل الرجل إلى المرأة لا يعني الميل الجنسي فقط، بل هو ميل الذكر إلى الأنثى بما يفقد عنده من أنوثة فيجده عند المرأة، وميل الأنثى إلى الذكر بما تفتقده عندها من ذكورة فتجده عند الرجل، الأمر الذي عبر عنه القرآن الكريم بالسّكن، وهو ما يحمل معنى الطمأنينة والارتياح كلا لدى الآخر.”

واستعرض محاميد مجموعة من المقطوعات والأبيات الشعرية لشعراء جاهليين ومخضرمين، كامرئ القيس، وطرفة بن العبد، وعنترة بن شداد، وزهير بن أبي سلمى، مستخلصا منها خمسة أوجه حول علاقة المرأة بالرجل على المستوى الجنساني. الوجه الأول هو “الحب الطاهر المعبر عن العلاقات الانسانية بين الرجل والمرأة، وهو ما سُمّي في الإرث العربيّ الغزل العذري، إذ دأب العرب على أن تفتتح القصيدة بمطلع غزلي أو طللي كما يسمى، أو النسيب والوقوف على الأطلال، وهو موتيف متكرّر في الشّعر العربي، خصوصًا الجاهلي، بات شرطا من شروط إجازة القصيدة. فالشاعر الذي لا يقف على الأطلال تُنتقد قصيدته، والشاعر الذي ليست في حياته معشوقة غادرت حيها مع أهلها بحثًا عن الماء والمرعى، كان يختلق لنفسه محبوبة وهمية يقف على أطلالها، حتى تُقبل قصيدته بين العرب، ولم تلعب العقيدة ولا الميل الديني أي دور في هذا الانفتاح، والأمثلة تشهد على ذلك.”

أما الوجه الثاني فهو “التصريح بالحاجة الجسدية للرجل من المرأة، واعتبارها أداة للإمتاع والتمتع، فالرجل والمرأة يتمتع كل منهما بالآخر: نذكر هنا قصة دارة جلجل نموذجًا، أو أبيات طرفة من معلقته، فيها ذكر أنّ إحدى ملذاته هي أن يلتقي بالمرأة السمينة البيضاء تحت الخباء في يوم ماطر، ليزيح عنه ملل ذلك اليوم.”

والوجه الثالث هو “منظومة القضاء والعقاب والثواب الاجتماعيين في المخالفات الجنسانية، ونذكر هنا قصة هند بنت عتبة وكيفية تبرئتها على يد الكاهن اليمني، ثم عدم عودتها إلى زوجها الفاكه وزواجها من أبي سفيان.” والوجه الرابع يتمثل “بالإسفاف في القول والانحلال، ونذكر هنا حوار مسيلمة وسجاح عند لقائهما لما أرادا أن يوحدا قبيلتيهما ليسيطرا على العرب، فعرض عليها الزواج، ثم قال لها أبياتًا فيها ما هو مسف من القول.”

أما الوجه الخامس فهو “التخلّق بجميل الخلق تجاه النساء: ونذكر نماذج لأبيات شعرية تدلّ على التخلّق بالأخلاق الحسنة، حيث أن الشاعر يبتعد عن المكان الذي تظهر فيه جارته حتى تدخل بيتها، ومنهم عنترة وعروة بن الورد.”

.

الفنان حنا شماس في فقرته

.

من اليمين: حلا إبراهيم، نزار هواري-شربجي وصفاء طميش

.

الكاتب والباحث علي مواسي

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

1 تعقيب

  1. غريب وعجيب هذا الاقصاء لأحد أبرز تجليات التعددية الجنسية هي المثلية فلا المداخلة الأولى تطرقت لذلك ولا الثانية. حتى انت يا علي؟ الاقصاء في هذه المنصة بالذات غريب ومستهجن. اذا مش هون يعني وين؟

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>